كتاب عربي 21

التحدي التونسي في ليبيا

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600
في تصريح يمكن اعتباره الأسوأ في تاريخ العمل الديبلوماسي التونسي وهيبة الدولة قال وزير الخارجية التونسي، وهو أيضا قيادي في حزب الرئيس السبسي الأسبوع الماضي إن تونس تتعامل بمبدأ "أخف الأضرار" في قضايا رعاياها المختطفين في ليبيا. وأنه "لا وجود لدولة حقيقية في ليبيا يمكن التعامل معها في مسألة الإفراج عن التونسيين المختطفين، وبالتالي تضطر تونس إلى الاستجابة إلى مطالب الخاطفين بالإفراج عن معتقلين ليبيين مقابل الإفراج عن التونسيين". واعتبر الطيب البكوش أنه لا يمكن لتونس حاليا تفعيل اتفاقية العدالة المبرمة منذ الستينيات مع ليبيا، وهو ما يجبر على تسليم الموقوفين الليبيين، عملا بمبدأ "أخف الأضرار".

والحقيقة هذا ليس أول تصريح سيء لوزير الخارجية، أشهرها المتعلق بـ"فيزا الجهاد" إلى تركيا ووصف حكومة طرابلس بـ"المليشيا" عند إعلان إرسال قنصل تونسي إليها، لكن في حين أننا في كل مرة نعتقد أننا سمعنا أسوأ تصريحاته يفاجئنا دائما بتصريح جديد أسوأ من سابقه.

غير أن ذلك يحيلنا على مسألة أهم من لسان السيد البكوش، وهي معضلة الغياب التونسي فيما يفترض أن يكون أهم ملفات تونس الديبلوماسية مع واحد من أهم جيرانه في وقت تمر فيه ليبيا بانقسام حاد وغياب الدولة وانتشار الفوضى والإرهاب، وتأثر تونس المباشر بذلك امنيا واقتصاديا.

كان آخر حضور رسمي تونسي في الشأن الليبي وخاصة في الاجتماعات الدولية حوله في مؤتمر دول الجوار الليبي الذي دعا له وأشرف عليه الرئيس السابق الدكتور المرزوقي في صيف 2014 ومنذ ذلك التاريخ غابت تونس عن كل الجهود الدولية في حل الأزمة الليبية وخاصة منذ وصل السبسي وحزبه إلى الحكم، حيث يتحكم هو بوصفه رئيسا وأحد قياديي حزبه بوصفه وزير خارجية في السياسة الخارجية لتونس.

يحاجج بعض أنصار السبسي أن هذا التوجه الرسمي التونسي مقصود، إذ يعتبر الرئيس ومساعدوه أن الجهود الدولية الحالية لن تذهب بعيدا وستفشل، ولهذا ليس من المجدي المساهمة فيها والأفضل الانتظار حتى تفشل ثم التميز بمبادرة تونسية.

صحيح أن الوضع في ليبيا معقد وأنه لا نخرج من اتفاق إلا لنذهب إلى اختلاف وتفاقم الانقسامات الداخلية، وهو ما يتجسم للذكر لا الحصر مؤخرا في تراجع عدد من الأطراف الليبية من الجانبين عن "اتفاق الصخيرات"، والأنباء عن مساع إقالة "النوري بوسهمين" رئيس المؤتمر الوطني العام في ليبيا، بسبب "تعنته وسعيه لعرقلة ملف الحوار السياسي وإقالته للجنة الممثلة للمؤتمر في حوار الصخيرات"، والصراع مع "كتيبة ثوار طرابلس" وقائدها التاجوري، ومن الجهة الأخرى هجوم إبراهيم الجضران على حليفه السابق "الجنرال حفتر".

وأن هناك تساؤلات جدية حول بعض المعنيين بالجهود الدولية خاصة بعد تسرب المراسلات الإلكترونية للمبعوث الدولي السابق برناردينو ليون وافتضاح دوره المنحاز للإمارات وهو ما دفع صحيفة نيويورك تايمز للحديث عن "تهديد محادثات السلام" بسبب هذه المراسلات.

لكن كل ذلك لا يمكن أن يبرر اللقاء بعيدا عن الأجواء الليبية وعن الحوار بين أطرافها، ولا يمنع المشاركة في فيها تقديم مبادرة خاصة.

من الواضح أن أهم معوقات الدور التونسي في ليبيا هو التزامات الرئيس قبل الانتخابات وخاصة العلاقة الخاصة التي ربطته بالطرف الإماراتي وجعلت قدراته على المبادرة الديبلوماسية في ليبيا مكبلة بالدعم الإماراتي السابق أو أيضا أفق دعم مؤجل خاصة إزاء الأزمة الاقتصادية في تونس وتلاشي الوعود التي تلقاها هو وقياديو حزبه المتشقق والمنقسم من قيادات خليجية، وهو ما جعله لا يبادر إلا ضمن حدود الغضب الإماراتي ومن هنا حرصه على التشاور مع الطرف المصري تحديدا فيما يخص ليبيا كأنه لا توجد بوابة غربية لتونس مع ليبيا ويجب المرور عبر بوابتها الشرقية.

ومن الواضح أن التدخل الإماراتي في الشأن الليبي بلغ مستويات جنونية ويتيمز بنزعة مغامراتية تفضحه وتجعله معرضا للكثير من العقبات. وآخر مؤشرات هذا التدخل المنفلت اعتقال مسؤول مخابراتي إماراتي في مطار المعيتقة حسب السلطات الليبية هناك.

استعمال قوى الإرهاب للتراب الليبي كقاعدة لوجستية لعدد من العمليات الإرهابية يجعل من أي تردد حيال التدخل والمتابعة من الجانب التونسي إهمالا خطيرا يهدد الأمن القومي.
والحقيقة ذلك للأسف منسجم مع تجاهل السلطات الرسمية التونسية لأي مساع أو دعوات لاعتماد استراتيجيا وطنية فعالة في مواجهة الإرهاب تهم كل المستويات.

وعوض البناء على مشروع الإستراتيجيا الذي تم إعداده سنة 2014 وعقد مؤتمر وطني يتم فيه دعوات مختلف المتدخلين، انفرد وزير الخارجية من خلال لجنة غير معروفة في إدارته بإعداد مشروع لم يتم إعلان تفاصيله حتى الآن. والحقيقة لا يقوم السيد البكوش بوظيفته الأساسية أي الديبلوماسية فما بالك بالقيام بوظائف أخرى.

الحقيقة أن التردد والإهمال الحاليين في علاقة بالملف الليبي والسياسة الخارجية عموما ليس إلا أحد مؤشرات فشل منظومة الحكم الحالية في كل المجالات.

فإذا تم تنفيذ قرار اتحاد الشغل القيام بإضرابات قطاعية إقليمية في القطاع الخاص آخر هذا الشهر فنحن بصدد واحد من أهم المنعرجات في الوضع العام في البلاد.

فتعطل المفاوضات والمأزق الحالي بين اتحاد الشغل ومنظمة الأعراف هو تعبير عن المأزق العام في البلاد. وبالتأكيد تعبير عن فشل منظومة حكم السبسي وعلى رأسها حزبه المتشقق (إلى أربعة شقوق حتى الآن) في تسيير التوازنات في البلاد والحفاظ على استقرار الدولة ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية على السواء.

1
التعليقات (1)
على ابراهيم
السبت، 14-11-2015 09:01 ص
انت بكام تاخدة في الواحد اللي بتاخده