سياسة عربية

مخاوف تطارد اللاجئين السوريين بعد القرارات الألمانية الأخيرة

اختلف الائتلاف الألماني المكون من ثلاثة أحزاب حول مصير اللاجئين - أرشيفية
اختلف الائتلاف الألماني المكون من ثلاثة أحزاب حول مصير اللاجئين - أرشيفية
ظن معظم اللاجئين السوريين أنه وبمجرد وصولهم إلى أوروبا بعدما فروا من الدول العربية سيجدون النعيم الأبدي والاستقرار. ففي لبنان، استخدم اللاجئ كوقود للنزاعات السياسية هناك، ووقع ضحية الصراع السياسي بين حزب الله وباقي الأحزاب الأخرى، وكذلك الأمر في مصر إبان تنحية مرسي عن منصبه واتهام السوريين بالانتماء للإخوان المسلمين وملاحقة البعض منهم ما دفع الكثيرين للهروب من البلاد، بعضهم اتجه إلى تركيا أملا في أن تكون أكثر استقرارا من سابقتيها، إلا أن الانتخابات التي جرت في تركيا جعلت الكثيرين متخوفين من سيطرة الحزب المعارض على السلطة المعروف بعدائه للسوريين، حتى حطت بهم الرحال في أوروبا التي بات يعتبرها الكثيرون الاستقرار الدائم والخلاص من كل ما قد يلاحقهم من مخاوف.
 
هلل الكثيرون منهم لأنجيلا ميركل لترحيبها باللاجئين قياسا مع باقي الدول التي أغلقت أبوابها في وجههم، وانتشرت حملات العرفان والشكر في شوارع ألمانيا على حسن استقبالها، وما زاد في رغبة السوريين في اختيار ألمانيا هو تساهل الأخيرة بالقرارات التي تتشدد بها باقي الدول لاسيما اتفاقية دبلن التي كان قد أوقف العمل بها في آب/ أغسطس من العام الجاري، لكن تصريحات وزير الداخلية الألماني "توماس دي ميزيير"، المنتمي لحزب ميركل المسيحي الديمقراطي في البرلمان الألماني، عن إلغاء العمل باتفاقية دبلن اعتبارا من21 تشرين الأول/ أكتوبر من العام الجاري، وإلغاء لم شمل العائلات السورية إلا في حالات محددة، وضع قضية السوريين على محك التنازعات السياسية من جديد، إذ اختلف الائتلاف الألماني المكون من ثلاثة أحزاب حول مصير اللاجئين، واعترض وزير الداخلية ووزير المالية المنتميان لحزب ميركل على التساهل الشديد في استقبال اللاجئين، خاصة أن الشعب الألماني، بحسب هؤلاء، بدأ يتذمر من تواجد اللاجئين بشكل كبير في ألمانيا، لاسيما أن عملية الاندماج ستأخذ وقتا طويلا لهؤلاء.
 
بينما أبقى الحزب الاجتماعي البافاري "المعارض لسياسة ميركل" على سياسته بشأن استقبال اللاجئين، أما الحزب الديمقراطي الاشتراكي فوجد في هذه القرارات لعبة سياسية تحاك على حساب آلاف العائلات، وما يثير قلق الألمان هو إعادة دمج السوريين في المجتمع، وإذا لم يتم منحهم حق لم الشمل بطريقة شرعية سيلجؤون إلى الطرق غير الشرعية، وهي طرق خطرة ومميتة، وبالتالي هذا القرار عديم الإنسانية والحكمة، بحسب صحيفة "شبيغل" الألمانية.

ونقلت العديد من الصحف الألمانية في تبرير هذا القرار أنه جاء بعد عجز الحكومة عن سداد حاجة كافة هؤلاء اللاجئين، إضافة إلى قيام الكثيرين بإعطاء بيانات شخصية خاطئة ومزورة في إشارة منهم إلى لجوء العديد إلى انتحال الجنسية السورية وتقديم الوثائق المزورة، بينما تحدث مؤنس بخاري مؤسس "مجموعة البيت السوري في ألمانيا"، عن لقائه مع رئيسة مفوضية اللاجئين الاتحادية في ألمانيا "آيدن أوغوز" التي تحدثت عن تجاذبات ونزاعات بين الأحزاب السياسية الحالية في ألمانيا حول قضايا اللاجئين، وكان اللاجئون هم الورقة التي تمت المراهنة عليها، وأول ما اتخذ هو العودة إلى تطبيق كافة بنود اتفاقية دبلن على اللاجئين السوريين، ما يعني وجوب عودة اللاجئين الوافدين بعد تاريخ تطبيق هذا القرار إلى الدول الأوربية التي سبق وسجلوا بصمة فيها.
 
ما إن انتشر الخبر حتى بات السوريون ينقلون تجاربهم ومخاوفهم ويستفسرون بطريقة أو بأخرى عن مخرج لأزمتهم، إذ ترك المئات منهم عائلاتهم في سوريا ودول الجوار على أمل لم شملهم، بينما اتجه الكثيرون منهم من دول رفضت الاعتراف بهم كلاجئين بسبب تسجيل بياناتهم في هنغاريا التي تعتبر نقطة الوصول الأولى إلى أوروبا، واتجهوا إلى ألمانيا التي تكسر بصمة دول أخرى في بعض مقاطعاتها.
 
"أسامة" شاب سوري قضى في سجون هنغاريا ما يقارب الشهر رافضا أن يبصم هناك على أمل أن يلتقي بأخيه في ألمانيا، وبعد محاولات متكررة من الشرطة الهنغارية غلب عليها العنف اضطر أسامة إلى أن يبصم في هنغاريا، ليهرب منها ويكمل طريقه إلى ألمانيا.
 
يقول لـ "عربي 21": "وصلت إلى ألمانيا بعدما تعرضت للعنف في هنغاريا، وتم إجباري على أن أبصم هناك، ووصلت في مطلع أيلول/ سبتمبر، لكني لا أدري إن كان هذا القرار سيشملني أم لا، وأعتقد، حال المئات مثلي، في حال تم العمل بالقرار وإعادتي إلى هنغاريا سأكون مهددا بتشتت أسرتي في الأردن التي كنت على أمل أن ألم شملها".
 
أما "أبو رضوان" فله قصة أخرى حيث يقول: "تركت زوجتي وأطفالي في سوريا في حلب، وجئت إلى ألمانيا منذ عام لكني لم أحصل على الإقامة إلا منذ شهر بسبب تسجيلي في إيطاليا، أخشى الآن على مصير عائلتي التي كنا على أمل أن نلتقي قريبا هنا".
 
تأتي هذه المخاوف بعد إقرار الحكومة الألمانية أن العمل على منح الإقامة وحق اللجوء سيتم بشكل فردي، وستدرس كل حالة بمفردها، ذلك أن أصواتا تعالت من مواطنين ألمان عن لجوء الكثير من السوريين المقيمين في الخليج إلى ألمانيا، والكثير منهم كان يعيش بشكل جيد بل وتمكن من إحضار مبالغ مالية كبيرة قد لا يتمكن الألمان أنفسهم من تحصيلها.
 
وتؤكد هدى وهي سورية مقيمة في ألمانيا، أن إحدى صديقاتها تم رفض لم شمل زوجها لأنه مقيم في الخليج ولديه عمل جيد، وقطعت عنها الإعانات بعد اكتشاف دائرة الأجانب أن لها موردا ماليا خاصا يأتيها، وتعتقد هدى أن هذه النماذج قد تكون سببا في لجوء الحكومة الألمانية إلى هذه القرارات الصارمة.
 
ومع هذا التخوف الذي بات ملحوظا بشكل أكبر من تزايد أعداد اللاجئين، تتزايد مع ذلك موجات العنف ضدهم، إذ وثقت وزارة الداخلية الألمانية 700 هجوم على مراكز لإيواء اللاجئين من قبل متطرفين يمينيين، وإحراق 60 مسكنا منذ مطلع هذا العام، بالمقابل لم يتم توثيق إلا ست حالات في العام 2014، أي أن الرقم قد تضاعف عشر مرات، مما وضع اللاجئين في تساؤل مستمر "هل انتهى شهر العسل في ألمانيا؟".
التعليقات (0)