مقالات مختارة

حماية دولية للجيش والمخابرات مكافأة على تدمير سوريا

فيصل القاسم
1300x600
1300x600
كتب فيصل القاسم: لا بد أن تقلب على ظهرك من الضحك عندما تسمع النظام السوري وحلفاءه من روس وإيرانيين وعراقيين ولبنانيين وحتى عرب وأمريكيين وهم يصرون على أن أي حل أو اتفاق سلام في سوريا يجب أن ينص على الحفاظ على مؤسستي المخابرات والجيش.

طبعا لسنا متفاجئين من إصرار جماعة النظام على حماية تلك المؤسستين تحديدا دون غيرهما في سوريا. والسبب يعرفه كل السوريين، وهو أنه لولا الجيش والأمن لما استطاع النظام أن يدوس على رقاب السوريين لعقود وعقود، ويكتم أنفاسهم، ولولاهما لما استطاع أن يسحق الثورة، ويشرد غالبية الشعب السوري، ويدمر بيوته فوق رؤوسه. لا عجب أبدا في أن يصر النظام في مفاوضاته مع العالم على حماية الجيش والأمن، لأنه لولاهما لما استطاع أن يصمد شهرا واحدا بعد أن هب السوريون في وجهه قبل حوالي خمس سنوات.

لقد كانت أجهزة الأمن تحديدا تتمتع بحصانة تحسدها عليها كل أجهزة الأمن في العالم. فكما هو منصوص عليه في الدستور السوري منذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة، فإن رجل الأمن السوري له كامل الحرية والصلاحية بأن يفعل ما يشاء بالسوريين قمعا واغتصابا وابتزازا وقتلا، دون أن يستطيع المواطن السوري أن يصرخ في وجهه، فما بالك أن يقاضيه، لا سمح الله. لقد حمى الدستور السوري أجهزة الأمن من الملاحقة القانونية حماية مطلقة. وإذا ما تجرأ سوري على الشكوى على رجل أمن قضائيا، فعليه أن يحصل على إذن خاص مباشرة من رئيس الجمهورية تحديدا. لاحظوا كم هي سهلة عملية الحصول على موافقة من الرئيس لرفع دعوى على رجل أمن. طبعا بالمشمش.

لقد وضع نظام الأسد أجهزة المخابرات فوق الجميع، لا بل إن رجل الأمن باستطاعته أيضا أن يدوس حتى الشرطي في الشارع، لأن السلطة الأولى والأخيرة في البلاد في أيدي الأجهزة حصرا. وكل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في قبضة الأجهزة تحديدا، فهي التي تعين موظفي الدولة من كناس المدرسة إلى رئيس الوزراء.

لا بل إن البعض يسخر أصلا من وجود مؤسسات في سوريا، فلا قيمة لأي مؤسسة في البلاد إلا لأجهزة الأمن ومن بعدها الجيش. والمؤسستان الوحيدتان اللتان يمكن أن نسميهما «مؤسستين» فعلا هما الجيش والأمن.

أما باقي المؤسسات، فهي عبارة عن توابع، ودكاكين رخيصة لا علاقة لها بالمؤسساتية لا من بعيد ولا من قريب، وهي أشبه بحارة «كل مين إيدو إلو». أضف إلى ذلك أن القسم الأكبر من الميزانية السورية يذهب منذ عقود للأمن والدفاع. والمقصود هنا ليس طبعا أمن الشعب والبلاد، بل أمن النظام، وليس طبعا الدفاع عن الوطن، بل حماية النظام من غضب الشعب.

الكل يعلم أن الجيش السوري الذي دفع عليه السوريون المليارات من قوت أولادهم ظنا منهم أنه سيحميهم من الأعداء الخارجيين، وخاصة إسرائيل، لم يطلق على الإسرائيليين منذ أربعين عاما رصاصة يتيمة. وكلنا يشاهد كيف تعتدي الطائرات الإسرائيلية على المواقع السورية بين الحين والآخر دون أن يتجرأ الجيش على إطلاق صاروخ واحد عليها، بينما يوفر كل أنواع الأسلحة المحرمة دوليا لمواجهة السوريين. مع ذلك يريدون من الشعب السوري أن يحتفظ بالجيش الذي قتل منه أكثر من مليون شخص، ودمر ثلاثة أرباع البلاد، وارتكب ألوف المجازر الفاشية.

لقد اعتقد السوريون بعد الثورة أن يخفف النظام من حمايته لأجهزة الأمن، وأن يخضعها للمحاسبة نزولا عند رغبة السوريين الذين ثاروا تحديداًعلى ممارسات الأجهزة الأمنية التي كانت تتدخل حتى في إقامة حفلات الأعراس وبيع المازوت على ظهر البغال. فذات يوم حاول شخص في قريتنا أن يبيع المازوت على ظهر بغل، فقالوا له بأنه يحتاج إلى موافقة أمنية. وقد اضطر الرجل للانتظار أكثر من ستة أشهر حتى جاءت الموافقة على استخدام البغل في بيع المازوت في شوارع القرية.

لاحظوا المفارقة الكبرى أن النظام وكل من يشد على يده في الحفاظ على الأجهزة الأمنية والجيش في أي اتفاق سلام في سوريا، لاحظوا أنهم يريدون حماية من تسبب أصلا في اندلاع الثورة السورية، ألا وهي أجهزة المخابرات، وأيضا حماية من يسمون زورا وبهتانا «حماة الديار». إنها نكتة كبرى فعلا. أجهزة الأمن ظلت تنكل بالسوريين لعقود وعقود حتى جعلتهم يثورون على النظام، وعندما ثار السوريون، أنزل بشار الأسد «جيشه» إلى الشوارع بعد شهر فقط لقمع المتظاهرين وسحقهم.

وعندما رفض الشعب الرجوع إلى البيوت، بدأ باستخدام كل الأسلحة ضد الثوار. وقد وصل الأمر بقيادة الجيش السوري إلى استخدام السلاح الكيماوي لتركيع الشعب الثائر، ناهيك عن البراميل المتفجرة وصواريخ سكود والطائرات. لقد كان الجيش السوري على مدى أربع سنوات وأكثر قليلا وسيلة النظام الأوحش لمواجهة السوريين وإعادتهم إلى بيت الطاعة.

وبدلا من أن يطالب العالم، وخاصة أمريكا، بمحاسبة ذلك الجيش الذي نافس النازيين في جرائمه، ها هي أمريكا وروسيا وإيران تناصر النظام في ضرورة الحفاظ على المؤسستين الأمنية والعسكرية، مع أنهما سبب الثورة وتبعاتها الكارثية.

طبعا هذا لا يعني أبدا أننا لا نريد بأن يكون لسوريا جيش وأمن قويان. على العكس تماما، فإن قوة أي بلد من قوة جيشه وأمنه، على أن يكون جيشا وطنيا، لا سلطويا أو طائفيا. إن كل من يدعو للإبقاء على الجيش والأمن السوريين بشكليهما الحاليين اللذين دمرا سوريا، وشردا شعبها، إنما يريد الإمعان في تخريب سوريا والاستمرار في ذبح شعبها، لا إنقاذها، كما يدعي الروس والإيرانيون وكل من تحالف مع بشار الأسد من عرب وجرب.

أليس من المستحيل لملايين السوريين الذين دمر الجيش مدنهم وقراهم، وذبحهم، وشرد أهلهم أن يتصالحوا معه ومع أجهزة الأمن؟ هل سأل الذين يريدون الحفاظ على جيش الأسد أنفسهم هذا السؤال البسيط؟

نعم لجيش سوري وأجهزة أمن سورية جديدة، لكن بشرط أن يكون الجيش والأمن في خدمة الوطن والشعب، وليسا أداتي قتل وإجرام في يد النظام لإذلال الشعب وسحقه كما كان الحال في سوريا على مدى عقود.

(عن صحيفة القدس العربي اللندنية 29 آب/ أغسطس 2015)
التعليقات (1)
عربي
الأحد، 30-08-2015 12:50 م
سيد فيصل أنا لست من سوريا وربما ليس من حقي التدخل ولكن يحيرني كيف أن إنسان مثقف مثلك أكن له الإحترام لا يشفق على وطنه وعلي جيشه وعلي سوريا بوجه عام. مع علمنا جميعاً أن نظام الأسد ليس مثالياً أو مجرم كما تحب ولكن هو جزء من منظومة عربية مشابه له في المنطق من من زعمائنا لديه أدنى شعور بوطنه أو حتى قليلاً من أخلاق الرجال حتى رئيس الدولة المحتلة ولا يحكم أي أرض تراه يحرض على شعبه. سيد قاسم أحقاً تريد سوريا العظيمة أن تكون بأيدي النصرة أو داعش أو حتى أفضل المجموعات أو (الثوار) الذين يمونون من الخارج ويأتمرون من الخارج ولا تهمهم إلا الأموال القادمة من الخارج. لنتعرف كالرجال ثورة بدأت وفشلت وأخذت أبعاد غير الذي بدأت به لنوقف شلال الده ونوقف الذل والتهجير له إذا الشعب والوطن الذي أشهد بالله بأنه مضياف ومحب وخدم كل الوطن العربي عند أزماته ولتجلسوا وتحاولو الوصول لأي إتفاق ولا تجعلو من أنفسكم شماته ولعبة بأيدي الخليج وتركيا وإسرائيل والأيام قادمة وعمر البلدان طويل أكثر من أعمارنا فشل جيل بالتراضي ربما الجيل القادم أفضل ويحلها ولكن ليس إن إختلفنا أن نحرق وطننا وجيلنا ومستقبل أولادنا من أجل عند وأنت تعلم ما سيحصل ثاني يوم سقوط الجيش فوالله لن يسكت أي فصيل إلا بقسمة من سورية ولن يجتمعو إلا على القتل وتصفية الأخر ولن يحلم أبنك أو حفيدك بيوم من أيام سوريا القديمة وأي ذي عقل ولو بسيط يعرف ذلك فرأفتاً في بلدك فوالله إني لست سورياً ولكن قلبي يبكي ألماً وأنا أسمع بمهانة بني بلدك في المقر والمهجر