كتاب عربي 21

الإعلام العاطفي والعقل الغائب

نيفين ملك
1300x600
1300x600
حال الصحافة المصرية تستطيع أن تستطلعه من صورة وملامح ذلك المصور الشاب شوكان، وقد شحبت ملامحه وخارت قواه. ويحكي محمد أبو زيد شقيق محمود أبو زيد (شوكان) أن شقيقه يعاني إثر الظروف غير الملائمة لحجزه من حالة صحية متدهورة، حيث يعاني من فقر الدم الشديد والأنيميا مع حرمانه من تلقي الرعاية الصحية والأدوية، مما يؤثر على صحته بشكل كبير. 

وشوكان كان يُغطي فض اعتصام رابعة العدوية، وكما يقول شقيقه محمد أنه في البداية استأذن قوات الأمن لدخول المكان بغرض التصوير، وكان معه مصورون أجانب، وبالفعل سُمح لهم بالدخول غير أنه لاحقا أُلقي القبض عليهم بمعرفة أشخاص يرتدون ملابس مدنية، وصادرت الشرطة معدات المصورين الأجانب وأخلت سبيلهم، وظل شوكان محبوسا من وقتها حتى هذه اللحظة، دون الإفراج عنه أو إحالته للمحكمة. 

وكانت لجنة حماية الصحفيين ومقرها مدينة نيويورك قد أصدرت تقريرها في الخميس 25 يونيو 2015، إن مصر لديها أكبر عدد من الصحفيين وراء القضبان ومعظمهم من المتهمين بالانتماء لجماعة محظورة، وأشارت اللجنة إلى أنها أجرت تعدادا في الأول من يونيو العام 2015  وجدت خلاله أن السلطات المصرية تحتجز 18 صحفيا على الأقل وراء القضبان، وهي أعلى نسبة في البلاد منذ بدأت لجنة حماية الصحفيين تسجيل البيانات على الصحفيين المسجونين في 1990. 

وبالإطلاع على أغلب حالات الصحفيين المعتقلين ومن شهادات ذويهم، تجد أن الشكوى تكاد تكون واحدة من تعرضهم لانتهاكات جسيمة واحتجازهم في أماكن غير لائقة، وتقديمهم بتهم فضفاضه يشوبها الشيوع في الإتهام، وعدم المعقولية والتلويح بأنهم ينتمون لجماعة الإخوان، التى لم تخجل سلطات الادعاء من تقديم الأجانب من مراسلين وصحفيين بنفس ديباجة تلك التهم، كالصحفي الأسترالي بيتر جريست وغيره. 

وتزداد تلك الممارسات والانتهاكات الجسيمة مع مرور الوقت، وتنامي دور الإعلام الأمني والتوظيف الحكومي لوسائل الإعلام الحكومية والخاصة والمملوكة لرجال الأعمال. 

ولا عجب أن تجد نفسك الآن وأنت تتصفح الصحافة المحلية أمام مانشيت واحد يتصدر كل الأخبار قص ولصق، أو رسالة إعلامية واحدة يتم ترديدها على مدار الأربعة والعشرين ساعة، ويتناوب عليها الإعلام الحكومي الذي تفرغ تماما لإدارة المعركة، مع ما يسمى الإرهاب والتغطيات الحصرية الأمنية لقضايا الإرهاب وأخباره، والانشغال المزمن بالسبق الصحفي لتلك الأحداث، وفي ركابه يأتي كذلك الإعلام الخاص بدرجات متفاوته من الضلوع في إدارة معركة الإرهاب هذه. التفرغ للتسريبات غير الأخلاقية التى تتناول حياة الأشخاص الخاصة، في ممارسات ليست فقط غير مهنية أو قانوينة، ولكنها غير أخلاقية على الإطلاق، وانغمس الجميع بشكل كبير في تبنى لغة التحريض والتوجيه وتعميق الانقسام المجتمعي والاستقطاب، ولا عجب أن تجد أشد المنتهكين لحقوق الصحفيين هم صحفيون عاملون في الحقل الإعلامي ذاته، مما انعكس على قضية المهنية الإعلامية في المشهد المصري ككل، وتراجعت كل المعايير الجوهرية والأساسية في الممارسة المهنية من مسؤولية اجتماعية، وتحري الدقة والمصداقية، وتعدد الآراء وعمق  التناول للقضايا، وصولا لتكوين وعي كاف للمجتمع... وتكلل كل تلك الخروقات بتشريع قوانين غير دستورية  كقانون الإرهاب في مادته الشهيرة رقم 33، لتتنافى مع كل المفاهيم الأساسية المتعلقة بالحق في حرية الرأي والتعبير، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية، تلك الحقوق الأساسية التي اتفقت عليها الأمم في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، منذ ما يقارب المائة عام، ولكن للأسف في بلادنا السيارة ترجع للوراء. 

والرأي العام المصري الآن، يعاني من جروح غائرة لسطوة السلطة وسطوة أصحاب رأس المال، ممن يملكون ويسيطرون على تلك الوسائل ويسيئون استخدامها، وبينما تتقارب دائرة السلطة وتتشابك دائرة المال الإعلامي لخدمة مصالح نظاميه أو فئوية، تتباعد خطوط المهنية والحيادية والبحث عن الحقيقة، ويفقد الإعلام بوصلته ومسؤولياته الاجتماعية. 

وبينما تخلى قسم كبير من وسائل الإعلام الحكومية والخاصة عن كل ما يتعلق بالمهنية واستمرأ الخوض والاستمرار في حملات التحريض والكراهية والتقسيم المجتمعي، فكذلك لم تستطع القنوات المحسوبة على المعارضة وخاصة الإسلامية منها الخروج عن النمط الدعائي، وما يعرف بالقنوات الدينية وما بين النمط الأمني والنمط الدعائي، لا سبيل لوجود رسالة إعلامية وممارسة مهنية موضوعية وخبرية، هي فقط  جرعات شحن عاطفي عالية الفولت، لا تخلق سوى خطابا انفعاليا وعاطفيا، ولا تغوص في مشكلات العقل المصري المغيب عن المشهد تماما. 

التعليقات (1)
هشام ميشلان
الثلاثاء، 04-08-2015 12:19 ص
الإعلام والديبلوماسية وجهان لعملة واحدة هي «السياسة الخارجية» وصورة الدولة و المجتمع في الخارج ، وما زالت الرسالة الإعلامية العربية دون المستوى ، فما زالت رسالة دفاعية تبريرية لم تدخل مرحلة اقتحام الغير وطرح المبادرات التي تجعل الطرف الآخر في موقع الدفاع ، إضافة إلى اللهجة المتهافتة أحياناً بل والاعتذارية أحياناً أخرى. إن مضمون الرسالة الإعلامية يجب أن يكون من القوة بحيث يضع الخصوم والأصدقاء على السواء في موضع الشعور بالاحترام لمصدر الرسالة والهيبة للدولة التي خرجت منها، ولا بد أن تعترف بعض الدول بتمييعها مهنيا و موضوعيا لكادرها الإعلامي ، لكن الكوادر الشابة والمتعلمة تعليماً حديثاً والمدربة تدريباً عملياً من الجيل الجديد في جماعة «الإخوان المسلمين» نظرا للبون الهائل بين الإيديولوجيتين للفريقين المتخاصمين في العالم العربي ، فقد تمكنوا إلى حدٍ كبير من الإمساك بزمام الأمور في عدد من العواصم الأجنبية ، بينما تمترس الإعلام الحكومي وراء المطبخ المخابراتي ، فالارتباط بين الرسالة الإعلامية والوقائع على الأرض ارتباط موضوعي مثل الارتباط بين المطبخ و قاعة الطعام. لقد قطعت البشرية شوطاً كبيراً في مجال ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على نحو جعل الأسرار العليا مباحة والخفايا الداخلية مكشوفة، وأصبح الحادث الواحد في ركن من الدنيا يجد صداه في نفس اللحظة في العالم كله ، ولقد ترتب على ذلك أن حظيت الرسالة الإعلامية بميزات لم تتوفر لغيرها من أي منتوج فكري أو ثقافي ، و ذلك يؤثر إيجابيا و سلبيا في نفس الوقت، أما التأثير الإيجابي ، فإنها جعلت من العالم قرية كونية صغيرة ترتبط شعوبها بصلات أوثق وعلاقات أقرب، وأما السلبي فأنها أسقطت أقنعة الانظمة وأنهت عمليات التجميل المصطنعة للأحداث والمواقف والأفكار، ولكننا في النهاية أمام عالم مختلف تطير فيه المعلومة وينتشر الخبر حتى يكاد العالم أن يرى بعضه بعضاً في شفافيةٍ يستحيل التخلص منها. ليس من شكٍ في أن الإعلام المعاصر هو التعبير الحقيقي عن مكانة الدولة وحجمها الإقليمي. فنحن العرب نتذكر نموذجين ؛ الأول : هو عبدالناصر و «صوت العرب»، عندما استطاع أن يكرس مفهوم «القومية العربية» من خلال تلك المحطة الصاخبة على امتداد خمسينات وستينات القرن الماضي بحيث أصبحت إذاعة «صوت العرب» مسموعة من المحيط إلى الخليج ، والنموذج الثاني هو قناة «الجزيرة»، حيث استطاعت هذه القناة العربية أن تجد مكاناً على خريطة الإعلام الدولي ، وأن تصبح لسنوات أهم قناة فضائية في العالم العربي ، و من أكبر القنوات المنافسة على المستوى الدولي . فالعمود الفقري للإعلام هو مصداقيته و استقلاليته و حياديته و احترامه لميثاق الشرف المهني ، حيث لا يمكن ترجمة ولائه للمشاهد أو المستمع أو القارئ إلا من خلال درجة الصدق التي يحرص عليها ومن حيث انتقاء مصادره والحياد في نشر الأخبار وتحديد مساحات متكافئة لكل منها من دون تمييز أو انحياز، لأن الانحياز ينتهي في النهاية إلى مردود عكسي يصرف الناس عن المصدر الإعلامي الذي حاول أن يستخف بمن يتابعه مقروءاً أو مسموعاً أو مشاهداً! والقوة الإعلامية كانت هي السند التاريخي للحركة الصهيونية والتفوق الصهيوني في كل المجالات، خصوصاً أن الكيان الصهيوني برع في اختلاق الروايات التاريخية والنظريات الدينية للترويج لحقوق مزعومة في أرض مسروقة ، كما دعم هذا الإعلام نزعات عنصرية واضحة وميولا عدوانية لا تتوقف وتطلعات توسعية لا تنتهي ، و صياغة للرأي العام و تطويعه لأهداف سياسية خبيثة ، وإذا نظرت إلى مدينة نيويورك الأميركية مثلاً باعتبارها تضم أكبر تجمع يهودي في العالم لوجدت أنها اعتمدت على دعامتين هما الاقتصاد والإعلام ، حتى أصبحت تلك المدينة الكبرى مصدراً للترويج للحركة الصهيونية وأهداف الكيان الصهيوني ، و برعوا في خلق الصورة و النموذج النمطي ، تحت مبدأ : (ليس المهم عدالة القضية ولكن الأهم هو كيفية الترويج لها). و عندما كان الاقتصاد والإعلام هما ركيزتا التفوق الغربي عموماً والأميركي خصوصاً فأنا أعتقد أن السياسة هي المستفيد المباشر في المزج بين هذين العنصرين ، ولا أستطيع أن أفصل بين ما هو سياسي واقتصادي وإعلامي ، إنها تبدو كالأواني في المطبخ ، كل إناء لطبخة سياسية للمستهلك الذي في قاعة الطعام ، فالإعلام هو ظاهرة هذا العصر المسيطرة على الصراع السياسي والحوار الإيديولوجي والتنافس الاقتصادي ، فتفنن الحكام المستبدون و خصوصا في العالم العربي من استغلال الإعلام في عمليات غسيل مخ منظمة ، و استعملت الاستقطابات المختلفة بما فيها العقائدية و المذهبية و حتى العرقية ، فأصبح الإعلام في العالم العربي مطية رخيصة ، تنفذ مخططات المستعمر القديم و عملائه من الحكام المتسلقين و المتسلطين من الانقلابيين و الانتهازيين الفسدة . الإعلام العربي فشل في التحدث إلى الداخل مستعملا سياسة الاستهلاك المحلي ، و مزيفا حقائق للاستهلاك الخارجي ، مما أدى إلى فشل و فضيحة دولية ، لم يفكر في المخاطبة الجادة للغير ، وتقديم الصورة الصحيحة عن واقعنا المعاصر واكتساب المصداقية المفتقدة واستعادة الثقة الضائعة بين دولنا و دول العالم ناهيك عن خلق جسور بين غيرنا من القوميات والشعوب ، خصوصاً ذلك الغرب الذي تعود دائماً أن يرانا من منظاره الخاص وأن يفكر فينا بطريقته المنحازة و بصوره النمطية عنا . الإعلام العربي في بعض الدول العربية أصبح عبئا ثقيلا عل باقي الإعلام العربي و الدولي ، لما وصل إليه من انحطاط أخلاقي و قيمي و مهني ، و كل المحاولات التي تقوم بها بعض الجهات المستقلة لإقامة مشروعات إعلامية بالشراكة مع الغرب ، كمؤسسة هافينغتون مثلا ، لن تكون مجدية ، لأن هناك انفصاما بين الشعوب و خصوصا فئات الشباب و حكوماتهم التي تعيش في أبراج عاجية و تقوقعت في الإعلام المخابراتي ، فنحن و الغرب مختلفون في الإعلام و الغرب سوف يعمل على احتواءنا و استقطابنا وفقا لسياساته و مخططاته الاستراتيجية المستقبلية ، الشيئ الذي لا يعلم الحكام الانقلابيون عنه أية فكرة ، و لو علموا ، لن يسمح لهم بتنفيذها لأنهم مجرد " كومبارس " ، و الخلاصة فالإعلام في رأيي هو مرآة الشعوب ، و لن تستطيع تزييف انعكاس الصورة على مرآة ، و إن حاولت ذلك ، نعتك الناس بالعته و الجنون و التخلف .