كتاب عربي 21

تذكّروا: الدب يأكل الجيفة!

عبد الرحمن يوسف
1300x600
1300x600
قرأت في كتاب المطالعة في طفولتي قصة جميلة، تتحدث عن رجل يسير في غابة، ففاجأه دب شرس ينظر إليه من بعيد، الرجل يعرف أن الدب يجري بسرعة، ويستطيع تسلق الأشجار، لذلك قرر أن لا يفر منه، وأن لا يتسلق الشجر، ورأى أن أفضل طريقة للنجاة هي أن يتظاهر بالموت، فنام على الأرض، وحين اقترب الدب منه كتم أنفاسه تماما، فجلس الدب يشمشم فيه، ثم تركه وانصرف، ونجى الرجل. 

 برغم حبي لقصص كتاب المطالعة، وبرغم تذكري لأغلبها، إلا أن تلك القصة قد بنيت على أساس واهٍ، وهو أن الدب لا يأكل الجيف، والحقيقة عكس ذلك!

صحيح أن الدببة تُفضّل الأكل الطازج، فترى الدببة البنية تصطاد السلمون في موسم هجرته، والدببة القطبية تحب اصطياد الفقمة والبطاريق في موسم الصيف لكي تربي دهنا يقيها برد الشتاء القطبي، والدببة السوداء تحب أيضا أن تصطاد الغزلان وغيرها من الطرائد، ولكن جميع هذه الدببة تأكل جيف الحيوانات الميتة دون أي تأفف!

كما أن صديقنا الذي كتم أنفاسه وتظاهر بالموت تجاهل أن الدب يستطيع التقاط مؤشرات أخرى للحياة، مثل نبض القلب، ونسبة الأدرينالين في الدم وغيرها!

تذكرت هذه القصة وأنا أتابع دعوات البعض لجماعة الإخوان المسلمين بإعلان حلّ الجماعة من طرف واحد، وكانت حجج هؤلاء المحترمين تتلخص في التالي :

أولا : حماية أعضاءها من الاستهداف. 

ثانيا : تفويت الفرصة على النظام الذي يستخدمهم كشماعة لتعليق الفشل.

ثالثا : سقوط تهمة "الإرهاب" التي تلاحقهم.

رابعا : زيادة شعبيتهم.

خامسا : التوحد مع الثوار.

والحقيقة المُرَّةُ أن إعلان حلّ الجماعة لن يوقف استهداف الأجهزة الأمنية لأعضائها، لسبب بسيط هو أن النظام الحاكم يحتاج عدوا، يحتاج (خطرا استراتيجيا) لكي يظهر أمام الشعب والعالم بمظهر حامي القيم، مقاوم الإرهاب، وكلما أراد أن يظهر نفسه بمظهر القوي سيقتل، وكلما أراد أن يخوف الناس لكي يخضعوا له سيقول إن حلّ الجماعة خدعة وليس حقيقة، وسيقتل المزيد والمزيد!

وكلما قتل مظلوما (أعني من غير الإخوان) سيحتاج أن يجعله إخوانيا لكي يبرر قتله، النظام يحتاج إلى فئة مستباحة، لكي يمارس كل الموبقات باسم مقاومة هذه الفئة، فبحجتها يقتل الأبرياء، ويصادر الأموال الحلال، ويصدر القوانين الظالمة، ويدير عجلة المصالح والإعلام للسيطرة على البلاد... الخ 
وبالتالي... أعلنوا حلّ جماعة الإخوان ألف مرة، ستكون النتيجة أن النظام سيستمر في القتل والتنكيل، باسم مقاومة الجماعة.

أما فشل النظام فلن يظهره حلّ الجماعة، وغالبية من يؤمنون به (وهم الآن قلة) سيظلون معه إلى يوم انهياره القريب، وغالبية المصريين الآن يعرفون جيدا أنهم قد لبسوا خازوقا لا مثيل له!

أما مسألة سقوط تهمة الإرهاب التي تلاحق المنتمين للإخوان فهذا افتراض في غاية الطيبة (لا أريد أن أعبر بكلمات أخرى)، فتهمة الإرهاب طبقا لقانون الإرهاب الجديد، من الممكن توجيهها لأي شخص بدون أي سبب أصلا!!!

(حلّ الجماعة) أمر ستظل الأجهزة الأمنية لسنوات طوال تشكك فيه، ولا تعترف به، هذا هو الأرجح، لأن النظام يحتاج إلى الإخوان كخصوم يخوف بهم الشعب والعالم كما قلت.

الأجهزة الأمنية ما زالت حتى اليوم تعتقد أن "النظام الخاص" ما زال قائما، وأن الجماعة إرهابية منذ تأسست إلى اليوم، فكيف نتوقع أن هذه الأجهزة ستعترف بهذا الحلّ بهذه البساطة!؟ ستظل الأجهزة تعتبر الجماعة موجودة، وستعاملها على أنها جماعة إرهابية، ولن يتغير أي شيء في الوضع الحالي.
أما مسألة زيادة شعبية الجماعة فلم أفهم ما علاقة شعبية الجماعة بحلّها!

لقد استعادت الجماعة شعبيتها بالصمود، ولا أدري كيف ستستعيده بالهروب والاستسلام؟
بقيت النقطة الأخيرة : التوحُّد مع الثوار.

وأستطيع أن أقول إن التوحد بين ثوار الإخوان وثوار التيارات المدنية بانتظار قرار يتخذه الطرفان، بعد أن يصلا للحظة نضج مناسبة (وأظنها قريبة). 

لقد أبدى الإخوان المسلمون بعضا من التجاوب، وأرسلوا كثيرا من الإشارات التي تشير إلى قابليتهم لبعض الحلول الوسط، ونتوقع منهم إعلان موقف واضح من بعض الأسئلة الهامة المتعلقة بالشرعية، وشكل المشاركة في الحياة السياسية مستقبلاً، وغيرها. 

كما يتوجب على الطرف الآخر التقاط طرف الخيط وترجمة إشارات التجاوب هذه إلى فعل على أرض الواقع. 

لا يجب أن ننسى أن الطرف المدني لديه مشكلة كبيرة تتعلق بعدم وجود قيادات مركزية تستطيع اتخاذ قرار استراتيجي، مما يجعل من فكرة التوحد أو الاصطفاف الثوري أمرا بالغ التعقيد... وكأننا نتفاوض مع كل شخص بمفرده! 

هذه المشكلة لا يعاني منها الإخوان برغم غياب القيادات في السجون أو خارج البلاد... لذلك لا فائدة ستعود من حلّ الجماعة على مسألة الاصطفاف الثوري، لأن الاصطفاف قرار بانتظار من يتخذه في اللحظة المناسبة.

ولا ننسى أن حلّ الإخوان لن يغير من حقيقة أن كل من كان في الإخوان سيظل موصوما بإخوانيته السابقة (تماما مثل فئة الإكس إخوان بل أكثر)، ولن يلغي ذلك إلا قرار بالاصطفاف الثوري، والتوحد في وجه الثورة المضادة!

إن حل الجماعة سيفيد الأجهزة الأمنية والدولة الباطشة في حربها ضد الثورة، وفي إيقاف حراك الشارع لا أكثر.

كما أنه سيضر بمصر، وسيفتح مزيدا من بوابات العنف، فالجماعة السياسية الكبرى التي ترفع شعار السلمية ستختفي، بينما ستتمدد الجماعات الصغيرة التي ترفع العنف شعارا، فكأننا نزيد بأنفسنا رصيد جماعات العنف.

يحضرني في هذا السياق سؤال هام (هل يحق للجماعة حلّ نفسها؟).

أعتقد أن قرارا كهذا لا يمكن أن يتخذ في ظل وضع كالذي تمر به مصر!

ما زلت أذكر تجربة صفحة (كلنا خالد سعيد) وكيف اتخذ شخصان (لهما كل التقدير والاحترام) قرارا بوقف عمل هذه التجربة الثورية الرائدة، وكأنها شركة خاصة، أو كأنه من حق أحد أن يوقف هذه التجربة بقرار منفرد، وما زلت أرى أن آثار وقف تجربة (كلنا خالد سعيد) سيئة جدا، ولم يستفد بوقفها بهذه السكتة القلبية سوى أعداء الثورة، وأن القرار الحقيقي الواجب اتخاذه من القائمين على تلك التجربة هو إعادة تنشيط الصفحة... لسبب بدهي بسيط... هو أنه لا يحق لأحد أن يوقف تجربة بهذه الأهمية منفردا، وإذا لم يكن في استطاعة القائمين على الصفحة إدارتها حاليا... فيجب عليهم أن يوكلا من يستطيع!

لماذا لا يتم أجراء استفتاء على الصفحة نفسها... هل تعود الصفحة أم لا تعود؟

من الطبيعي أن يسأل سائل : إذا كان حلّ الجماعة ليس حلا فما هي الحلول المطروحة إذن؟

في رأيي المتواضع : الحلّ الحقيقي.. هو المزيد من الصمود، والكثير من مراجعة النفس.

نحن أمام نظام أحرق مراحله في وقت قياسي، وسر شراسته اليوم أنه في مرحلته الأخيرة، لذلك... لا بد من مزيد من الصمود، ومزيد من الصبر، والكثير من تصحيح الأخطاء لاستعادة اللحمة الثورية الجامعة، واستعادة ثقة الشعب لدعم الحراك الثوري، والمساهمة في بناء الوطن بعد ذلك!

خلاصة الأمر... القبضة الأمنية اليوم تجاوزت كل حدود المعقول، وحلّ الجماعة من طرف واحد يبدو وكأننا ننصح شخصا وهو في منتصف عراك مع أعداءه بنصيحة (اعمل ميت)، وهذا لن يحميه من بطش الباطشين، لأنه في منتصف المعركة!

هذا قرار كان يمكن اتخاذه في مراحل مبكرة، أما بعد كل هذه الدماء فهو أمر شبه مستحيل.

 هذا النظام مثل الدب تماما... ولن يفيد الإخوان التظاهر بالموت، وإذا مات الإخوان بالفعل... فسوف يأكلهم أمواتا!!!

تذكروا... الدب يأكل الجيفة!

عاشت مصر للمصريين وبالمصريين...

للتواصل مع الكاتب:
موقع الكتروني : www.arahman.net
بريد الكتروني :  [email protected]
14
التعليقات (14)
محمد مجاهد نصار
الثلاثاء، 08-09-2015 12:13 ص
اتفق مع الكاتب تماما فيما قال فوجود العسكر مرهون بوجود فزاعة الاخوان وعن فكرة حل جماعة الاخوان المسلمين هل الحل فيه الصواب اعتقد العكس فحل مثل هذا الكيان سيولد من رحمه تيارات مختلفة ومتنوعة سواء فى نهج السلمية او العنف خاصة ان اغلب المنتسبين للجماعة المحبين او المتاعطفين موتورون مما فعله العسكر بمقدرات هذا الوطن خلال العقود الماضية
مجدي المغازي
الجمعة، 17-07-2015 12:40 ص
الواد الكداب ده مش نازلي من زور العسكر دول هما ال استبغلوكم وامتطوا ظهوركم بعد انحناءكم (الهمزة على نبرة مشكلة لوحة المفاتيح ) لهم فامتطوكم كالبغال التى لا تفقه شيئا وكانت هذه النتيجة والآن تتباكون لا فائدة من البكاء علي اللبن المسكوب ال حصل حصل وادى ال خدته القرعة من شعور بنت اختها لكن الأغبياء لا يتعلمون فالي الله المشتكي
محمودالفقى
الأربعاء، 15-07-2015 01:02 م
لافض فوك ،كلام مهم وتحليل رائع لموضوع خطير ،وأعتقد بأن ردفعل الناس كان واضحا ، وهو رفض هذه الفكرة ،
SOHAIL
الإثنين، 13-07-2015 02:20 م
هذا تناول سطحي وساذح للأمر .. الجماعة تحتاج للحل لعلل في داخلها ولكي تستطيع التخفف من الاعباء وتقليل حجم الخسارة ..
محمود شنب
الإثنين، 13-07-2015 10:21 ص
لا أحد من المخلصين يمكنه القبول بفكرة حل جماعة الأخوان المسلمين وذلك لأسباب عديدة تتلخص فى الآتى : 1- الإخوان المسلمين هم عصب الحياة السياسية فى مصر ، وبفقدهم تعود البلاد إلى الحكم الشمولى الذى ينفرد وحده بكل االقراررات و يستبيح كل الحرمات دون رادع أومقاوم . 2- فتح طريق للعمل السرى فى طول البلاد وعرضها وتغير نمط الحياة الطبيعية فى مصر . 3- قرار مثل هذا ستتنوع قراءته فمن الناس البسطاء من سيعتبره إنتصاراً للسيسى وإقراراً من الجماعة بإرتكاب كل الجرائم والموبيقات ، ومن الناس من سيعتبره خيانة للشعب بالإنسحاب من مواجهة أعداء الداخل والخارج فى وقت الشدة ، ومنهم من سيعتبره نهاية لمشروع المقاومة ، هكذا !! 4- إتساع وتنامى حجم الطبقة الفقيرة سيجعل الفرصة متاحة لكل التيارات الصليبية والنصرانية والعلمانية بملء الفراغ وتقديم الخدمات الإجتماعية الضرورية مقابل التنصير والتبشير . 5- هذا القرار الخاطئ لن يغير من طريقة ونهج النظام الإنقلابى الفاشى الذى يقوم على التنكيل بالخصوم والقتل الممنهج والإدعاء بمحاربة الإرهاب من أجل أن يستمر فى الحكم ، ولن يكون لهذا القرار أى جدوى فى تعديل هذا السلوك الإجرامى . 6- أخيراً .. لابديل عن التمسك بالشرعية واستمرار طريق المقاومة القادر على تحقيق كل ما يصبو إليه المصريون من العيش فى ظل حياة حرة وكريمة ولن تستمر المقاومة طويلاً إذا ما انسحبت الجماعة وتركت الأحرار وحدهم فى الشوارع والميادين وتلك خيانة كبرى لله والوطن والدين .