قضايا وآراء

اليسار الإسرائيلي الأكثر يمينيّة من اليمين !

عادل الأسطل
1300x600
1300x600
اليسار الإسرائيلي هو في الأصل صاحب فكرة الصهيونية، الذي سعى من خلالها إلى إنشاء وطن قومي لليهود وصولا إلى إسرائيل الكبرى، وأمّا اليمين -المتشكّل من المتدينين والمتشددين اليهود- فهو الذي التحق به مباشرة، بعد سعى ناجح بإقناعه بتدعيم تلك الفكرة، حيث مثّل ذلك اليسار منذ البداية (مافيا اليهودية)، التي سيطرت على كل شيء قبل وبعد قيام الدولة وإلى الآن، وإن كانت بصورة خفيّة وغير ظاهرة للعيان.

وبرغم أنه تهاوى إلى الأسفل منذ نهاية السبعينات الماضية، أمام اليمين لأول مرّة، لأسباب سياسية وانشقاقات حزبية، وحتى كبوته الأخيرة في العام 2001، أمام "أريئيل شارون"، لإخفاقات سياسية مختلفة، إلاّ أنه استعاد أغلبيّة عافيته خلال هذه الفترة التي توضحت قبل وفيما بعد الانتخابات الأخيرة، حيث تمكن زعيمه الجديد "إسحق هيرتسوغ" من إحداث نقلة نوعيّة في صالح الحزب واليسار عموما، مكّنته من عدم السقوط، إلاّ بأعجوبة أمام اليمين الذي يقوده رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو".

أسفر السقوط عن أنه ليس لقوّة الأخير، وإنما للخشية على مصير الدولة، خاصة بعد وسوسة "نتنياهو" لجمهور الناخبين، بأن من غير الممكن إعطاء الثقة لليسار، المندفع بلا كوابح نحو الفلسطينيين، الذين لا يحملون أيّ نوايا طيّبة للدولة، كما كان حمل شعاره الانتخابي (نحن أو هم ) أي اليسار أو اليمين، خطأ، وإن كان غير مقصود، لكنّه مثّل جزءا أيضا من جملة الأخطاء التي أدّت إلى انحداره قليلا عن اليمين.

هذا الانحدار بقدر ما كان ثقيلا على كاهله، إلاّ أنه بدا قويا ومتماسكا عن ذي قبل، خاصة بعدما شربت الأرض جملة المنغصات الانتخابية برمّتها، وتوضحت قوّته في عدّة أمور؛ حيث استطاع "هيرتسوغ" بطريقته تغيير المزاج الإسرائيلي إلى درجة أنها قسمت المجتمع إلى نصفين، ومضاعفة الثقة باتجاهه بين يهود الخارج بشكل لا مجال للشك فيه، وتعَدَّ مساعدة الدول له وعلى اختلافها نجاحا باهرا، خاصة تلك الآتية من الولايات المتحدة، التي قامت بدعمه وتقديم العون من أجل إنجاحه.

كما أن "نتنياهو" وإن لم يصرّح بذلك على الملأ، لكن صوت لُهاثه وراء "هيرتسوغ" كان مسموعا لدى العامة، في شأن جلبه إلى الحكومة، كما أن فُرص إسقاط الحكومة أمامه كثيرة ومُيسّرة، ويمكن إضافة، هو أنه لم يذهب إلى البيت، ليتوارى عن المشهد السياسي أو ليُكثر من العويل على الخسارة، لكنّه مكث في الميدان، يعمل باتجاه حياة الدولة وتطوّرها، جنبا إلى جنب مع عمل الحكومة، ليس فقط من أجل استخلاص العبر وتعظيم فرصهُ القادمة فقط، بل بسبب أن ذلك يُكتب في التاريخ أيضا.

في كل الأحوال، تتطابق تماما، بصورة مباشرة أو غير مباشرة مواقف اليسار مع اليمين، إن لم تكن أكثر صعوبة في بعض القضايا المصيرية، وتطابقها يتوضح من خلال مواقفه المعلنة، خاصة في قضايا الحل النهائي، وهي القدس والحدود وحق العودة وغيرها، حيث يتبارى فيها مع اليمين في تأمين وسلامة الدولة من جانب، وتقرّبا من الناخب الإسرائيلي من جانب آخر.

منذ الماضي، كان نشر الحزب برنامجه الانتخابي، الذي من أي جهة تتم قراءته، يُفهم بأنه يغمز إلى اليمين والى جمهور المستوطنين، الذي تمت صياغته من خلال وثيقة (الفكر السياسي ـ الأمني) حيث دار الحديث عن خطة أقل حمائمية، لا تذكر على الإطلاق كلمة (سلام) ولا إخلاء المستوطنات ولا تقسيم القدس، وباعتبار الوثيقة مُعدّة للمدى البعيد.

وللتذكير، فإن اليمين ليس وحده الذي يطالب الفلسطينيين بالاعتراف بالدولة اليهودية، فقد عبّرت رئيسة حزب العمل "شيلي يحيموفيتش" ساعة كانت على رأس الحزب باعتبارها قائدة اليسار، عن مواقف سياسية في شأن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وهي مطابقة بالكليّة مع مواقف "نتنياهو"، خاصة حين تبنّت مطلب الاعتراف بـ (يهودية إسرائيل)، كشرط رئيسي لاتفاق سلام، كما رفضت اشتراط استئناف المفاوضات بتجميد الاستيطان، كما يتمسّك الحزب بحق اليهود الطبيعي في إقامة صلوات في جبل الهيكل بما في ذلك ساحة (القبلة اليهودية) المسجد الأقصى ذاته.

ويأتي اجتماع "هيرتسوغ" بـ "نتنياهو" أمس، الذي يُعقدُ لأول مرة منذ إجراء الانتخابات الماضية، ليس رغبة في مشاهدة وجه "نتنياهو" أو الاستماع إلي عِظاته النصائحية، كما لم يكن تماشيا مع القانون الإسرائيلي، الذي ينص بوجوب عقد تشاورات مع المعارضة، لتدارس الأوضاع الأمنية في إسرائيل، بل لتثبيت تواجده على الساحة أمام "نتنياهو" وأركان حزبه، بأن لديه عضلات متنامية وتزداد صلابة، وبأنه لا يفصله شيء يُذكر عن قيادة إسرائيل.

ومن ناحية أخرى فقد أخذ "هيرتسوغ" على عاتقه في شأن مواجهة أوروبا، بشكل أقوى مما هو عليه اليمين، سيما وأنه يوصف بالليونة والسهولة في التعاطي بمختلف القضايا، حين عبّر عن خذلانه من السياسية التي تتبعها دول الاتحاد الأوروبي، معتبرا بأنها سياسة منحازة للفلسطينيين وتتبنى مواقفهم، ويقصد بذلك أن على دول الاتحاد الحرص جيّدا، إذا ما أرادت للعملية السياسية أن تذهب قُدما، علي الوقوف إلى جانب إسرائيل أولاّ، والالتزام بتحقيق الاشتراطات الإسرائيلية وعلى رأسها المطالب الأمنيّة ثانيا.
التعليقات (0)