قضايا وآراء

مباراة الانقلاب بين الغربال المشدود والمدد السماوي

محمد ثابت
1300x600
1300x600
الحُكم العجيب الصادر على الرئيس محمد مرسي الثلاثاء الماضي ورفاقه بالسجن عشرين عاما "لاستعراض القوة" أشعرني فور العلم به أن الحَكم، الذي هو القاضي في حالتنا هذه، قد "أطلق صافرة النهاية" بعد بداية المباراة بدقائق معدودة، آسف لقسوة المثل رغم وجود شهداء ومصابين ومعتقلين، وتخيلتُ أن الحَكم قيل له: بعد إطلاقك الصافرة سوف تغادر الملعب وتتركنا "نكمل" على الفريق الذي نريد "تليينه".                         

ومن هنا، فإن الفريق الأقرب إلى الحق من الإخوان والمخلصين قد دخلوا المباراة، مرغمين الحقيقة، فهم قد خططوا لبناء مصر، ولكن نقصتهم حكمة قراءة شعبهم قراءة جيدة قبل معرفة الانقلابيين، ليست مصر سويسرا، كما قال أحد الكُتّاب أمس، وشعبها الذي وضع صوته في صندوق الانتخابات لصالح الإخوان هو الذي قبل تعريفا جديدا للديمقراطية اسمه خروج الجموع، والتصويت بالحشد، المهم أن الإخوان خططوا لأمر جدي، فوجدوا أنفسهم في خضم مباراة يتم قتل الجمهور فيها بدم بارد، ورفع قوائم شباك العسكر ليبقى مرماهم مفتوحا للتسديد عليه، وكلما فكر واحد منهم في اللعب كانت العرقلة أقرب إليه.

أعرف إن ذلك كله يتم بمقاييس الدنيا، في أدبيات الإخوان، ولكني لا أغفل عن سنن الله الكونية، تلك التي تقول إن توفيقه تعالى لا ينزل إلا على من أحسن الإعداد، ولو لم يكن مؤمنا ولا مسلما أو حتى يسير في طريق الخير، وإن تمني النصر بعد الدخول في معركة لم يكن مؤهلا لها، وبالتالي لا يعرف تباعاتها ليظل ما يريد تمنيا، ولكني أرى بوضوح تراجعا في الجانب الآخر، في "شدة غربال العسكر"، ولدينا مثل مصري معروف يقول:" الغربال الجديد له "شَدة" أي عنفوان يخبو مع القدم ومرور الوقت، وسوء الاستخدام.

من أجل هذا وذاك صفر الحكم بعد دقائق قليلا، معلنا نهاية المباراة على نتيجتها الحقيقية، أو التي يريد العسير، الاعتراف ضمنيا بها الآن، إشعار الإخوان بها، التعادل السلبي أو الإيجابي، لا فارق!                                                           
(1)     

  عقب الانقلاب أدار العسكر المعركة بمنهج "استمرار الأزمة"، حرص على نمو الأمل في نفوس أنصار الشرعية، وأشاع الإشاعات حول عودة الرئيس مرسي، بل قتل قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي. 

وكان الطرف الآخر كعادته منذ دخل "معمعة الرئاسة" يردد ما يملى عليه من أسف، ولكن الانقلاب الذي بدا عنيفا في إشاعاته، ثم في قتله الشرفاء بلا هوادة، أو مراعاة لدين أو قانون، أو حتى عرف وحفاظ على سلامة وتماسك وطن يريد حكمه. 

ولكنه بعد قرابة السنتين المضنيتين على مصر شعر بأنه "ثمل"، وأنه "يترنح" يداخله شعورين لا يدري لأيهما ينتصر: لذة "العسكري" الذي "حكم" دون إرادة الجميع، واتخذ من معركته لحماية قومه ذريعة لقتل الأبرياء المخلصين منهم متعللا بـ"شماعات فاجرة للتبرير"، أو اشتغالات لقول أي كلام، ولكن يده الممتلئة بالدماء، وجسده "المثخن" بجراح "قومه" لم يمكنه من أن يحكمهم "أذلة صاغرين" كما أراد، بل إنهم يموتون ويعذبون ويهجرون وتستمر معاناتهم دون ان يعطوه الصمت الذي يحبه، صمت المقهورين.                                                     

وفي المقابل بدأ زيف وعوده في التبخر، فلا مصر تغيرت، كما وعد، ولا حتى بقيت على حالها ساعة اغتصب السلطة، وبنيته الجماهيرية لم تتآكل بل انتابها، في صورتها الواعية، الشعور بالاشمئزاز منه. 

ومن هنا راح يغير وزير داخليته المشارك له ذراعا بذراع لا خطوة بخطوة في القتل والتدمير، ويُخبئ أخبار مقتل جنوده، ويزيد من وتيرة التبرير لجرائمه في حق الوطن، عبر توقيع مبادئ أو اتفاقية ملغزة في حق النيل، ودخوله المضطرب "عاصفة الحزم"، وهلم جرا.
                                                                        
لقد "ثقلت خطوته" وهو يرى الوطن يُساقُ نحو الدمار، وفكرته عن استمراره في الحكم، ولو دخلت مصر في حرب أهلية، ثبت له فداحة خطئها لما تمسك الإخوان بالسلمية، وحالوا دون وقوع مصر من شاهق الجبل الذي جرها إليه. 

لم تعد مصر كما كانت، لكنها لم تسقط، وبدأ "غربال" الحكم الذي كان بين يديه جديدا مشدودا منذ أقل من عامين يرتخي بل يترهل، وصارت اشتباكات الشرطة والجيش عينا قويا بعد أن كانت أثرا واهيا، والفواتير كثرت، فمن أكابر رجال الأعمال الذين ساندوه، حتى إعلاميين يريدون الجزاء على ما يشوهون به عقول الناس، لمقربين يضغطون، إلى خارج نهم لا يشبع، ولم يعد السيسي يعلم ماذا بالضبط منه.
                                
(2)

معركة الوعي يجب أن تبدأ على صعيد الطرف الآخر، وبين صفوفه، إذا كان مقابلك استولى على وطنك الذي يساوي لديك دنياك بالقوة، وليس له حق في ذلك برأيك، فإنه امتلك حتى حين ما تراه لك، فما ترك الملعب له وغضبك، وهو يعيدك إليه كل حين بالجر والقتل والاعتقال والتعذيب، معركة لا تجيد التعامل معها الآن، لماذا لا تعد إذن إلى الملعب بإرادتك، وتعيد التخطيط والبناء وتنظيم وتسوية الصفوف لتبدا المعركة من جديد في وقت تكون فيه قادرا على إدارتها حقيقة لا أمنيات ووهم؟                                                             

لماذا لا يراجع "شجعان الإخوان" وهم كذلك، أنفسهم جيدا. فيحسبون حساباتهم من جديد، ويقيسون قوتهم على أرض الواقع لا الوهم والخيال والعياذ بالله، من قال لكم إن مددا من السماء ينزل على من لم يستطيعوا لا البناء ولا الإعداد الصحيح السليم، ودخلوا باب الرئاسة وهم لا يحسنون الدخول، فلم يحسنوا البقاء ولا الانصراف.                                                                   
إنني لن أمل من تكرار الحقيقة وإن أزعجت الكثيرين، لم تكونوا مؤهلين لها، وخانكم الشعب غير الواعي قبل الانقلابيين، وليس من الطبيعي أن تفنوا أنفسكم وتضيعوا مقدرات بلدكم على هذا النحو السلبي، وتتمسكون بالحكم في حين تغيرت كل المسلمات الصحيحة نظريا التي حكمتم بناء عليها، وتغير الواقع، وأنتم لم تتغيروا بل لم تفهموا.                                                          

الكلام الأخير ليس له دخل بالحب والعاطفة، وإن شئت فلأني احبك أكثر أقول لك ما لا تريد سماعه.                            
(3)

الحكم على الرئيس مرسي الذي لم يجئ بالإعدام كما توقع كثيرون، وكما تم استفزاز أعصابنا جميعا، يساوي إن بقية الأحكام تم تأجيلها بعد النطق بها، فإننا لفي مصر، وقمة سطح هذا الصراع الرئيس مرسي، فلما لا يصدر الحكم بإعدامه، فلا حكم سينفذ على آخرين، ولو كان المرشد. 

ولكن هذا لا يساوي أن حكما غداَ أو بعد شهر أو اثنين أو عشرة سيصدر بنقيض هذا الحكم، ولا أفصح عن كونه إعداما، لا قدر الله، حين يفهم العسكر أن الدائرة تم إغلاقها عليهم تماما، وأن الطرف المقابل لهم لم يفهم رسالة صفارة الحكم التي أنهت مباراة المفتعلة مبكرا، كان العسكر قادرين، بمقاييس الأرض على إتمامها رغم "غربالهم المترهل"، فهل نحسن التصرف و"اقتناص" الفرص لحين نكون مؤهلين لتملك أسباب الأرض ورضا السماء التام؟!
التعليقات (1)
عماد عفيفي
الجمعة، 24-04-2015 07:28 م
ارجو معرفة ماهي وجهة نظرك في قولك، فهل نحسن التصرف و"اقتناص" الفرص لحين نكون مؤهلين لتملك أسباب الأرض ورضا السماء التام؟!