قضايا وآراء

نزوح الأنبار وأزمة كفيل

سندباد الطائي
1300x600
1300x600
لمجريات الأحداث في محافظة الأنبار عدة جوانب لا ينبغي خلطها ببعض عند تناول الموضوع في النقاش وطرحه للرأي العام، ذلك لأن كل قضية تحتاج لمتسع كاف من الشرح والمناقشة والاهتمام وصولاً لحل أو معالجة وقتية. إن أردنا أن نتحدث عن الأنبار، عن ماذا نتحدث؛ نزوح العوائل؟ الانتكاسة الأمنية؟ تسليح المحافظة؟ الرأي العام؟ وجوانب أخرى كثيرة تندرج كلها في النهاية في قضية واحدة اسمها الأنبار. هنا سأكتفي بأهم الجوانب حالياً التي فرضت علينا وعليهم كأمر واقع ينبغي التعامل معه كأولوية قبل أي شيء ثان، أزمة النزوح والمهجرين من ديارهم إلى المجهول. 

لا يخفى على أحد أن الحكومة العراقية عاجزة فعلياً على التعامل مع أزمة النزوح التي باتت تشكل واقعا ينتشر في البلاد من أقصاها لأدناها، والعجز الحكومي له عدة أسباب نذكر منها؛ التمويل، الخبرة في التعامل مع الأمر، الخلافات السياسية وإن كانت غير ظاهرة اليوم للعلن، وأشياء أخرى. حاولت خلال يومين قراءة المشهد بشكل جيد وأزعم أنني وجدته متناقضا ومرتبكا ودالا على الأسباب التي ذكرتها حول العجز الحكومي. ولعل أبرز التصريحات التي قرأتها كان لرئيس البرلمان الدكتور سليم الجبوري الذي قال أن "نزوح العوائل بهذا التوقيت لم يكن بالحسبان" وفق السومرية نيوز. بالتالي هنا مشكلة حقيقية في الدولة التي تتعامل مع الوضع العراقي بالإدارة اليومية، دون تخطيط وتوقع واستعداد، ولا أعرف لماذا لم يتوقع أحد موجة النزوح والانتكاسة الأمنية لها ما يقارب أسبوع في الأنبار وعند تأخر معالجتها كان يجب التوقع بأن القادم هو نزوح جماعي خصوصاً أننا أصبحنا أصحاب تجربة في هذا الشأن الذي حدث في عدة أماكن ومازال مستمرا.

بدعة الكفالة التي ابتكرها من ابتكرها، كانت أسوء قرار يصدر أو حتى حالة طبقت دون قرار وكيفما تكن، بشأن النازحين. غير مقبول ولا مفهوم التعامل مع المواطن العراقي بهذا النظام، فأرض العراق ملك العراقيين، والعراقي يُعرف بكرمه وغيرته وهذه البدعة إساءة للشعب قبل الحكومة. أحاول تبسيط الأمور وإخراجها من الطابع الرسمي ولكن وإن أخذناها رسمياً فإن لا قانون ولا دستور يحدد إقامة العراقي أو يمنعه من التجوال في وطنه. ولأني لست من الذين ينظرون للأمور وفق أفكار مسبقة ومن جانب واحد، أدرك تماماً الغاية من فرض نظام الكفيل، لكنني لا أستطيع استيعابه ولا أجده افضل وسيلة لتحقيق الغاية المتمثلة بالأمن. فالأمن يكون عبر التدقيق والكشف والتفتيش ومن ثم متابعة أماكن الإيواء والتجمعات، وهذا واجب القوات الأمنية. إنما نظام الكفيل لا يعني سوى طرد الناس فمن أين يأتون بكفيل؟ ماذا عن من لا يعرف أحد؟ حتى من يعرف لن يجد بسهولة أحد يكفله ذلك لأن الأمر مسؤولية كبيرة ليس من السهل أن تجد من يستطيع تحملها. الحكومة أخفقت في هذا الجانب وعليها معالجة الأمر سريعاً. كما لانفهم لماذا يصوت البرلمان على قرار ألغاء الكفالة لنازحي الأنبار وكأنه قانون موجود وأبطلوه وكأن البرلمان يمارس دور الحكومة وكأن قرارات البرلمان سارية المفعول في حالة كهذه. تصويت البرلمان لم يكن سوى تعاطف وحث للحكومة وإلا فلا قيمة حقيقية له وليس البرلمان من كان يجب أن يتحرك بل الحكومة برئيسها القائد العام للقوات المسلحة.

بغداد ليست كردستان، بكل بساطة رداً على الرأي المقارن بين الحالة وأن كردستان تفرض نظام الكفيل. العاصمة ليست كأي محافظة عراقية أخرى فهي البيت الصغير داخل البيت الكبير العراق الذي يجتمع فيه كل العراقيون بمختلف خلفياتهم. وضع كردستان التاريخي والجغرافي والسياسي خاص وهي في النهاية إقليم، كما إن ممارسة نظام الكفيل في الإقليم لا تحظى بقبول أحد وهناك مطالبات بإلغاء الأمر. بالتالي لا يمكن أخذ هذا النموذج في مقارنة موضوعية لبقية الحالات خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالعاصمة (الاتحادية).

في إحدى المحاورات أخبرني قريبي يوماً، عن أن الدوائر الحكومية تطلب كافة المستمسكات الرسمية وإصدار جديد عند ترويج أي معاملة. حينها كنا نتحدث عن طبيعة العمل في دوائر الدولة، وكيف أن مجلس الوزراء ألغى شرط البطاقة التموينية في ترويج المعاملات إحدى السنوات، وكيف أن المواطن وإلى سنوات من بعد هذا القرار يتم مطالبته بالبطاقة التموينية كشرط لترويج معاملة. قريبي يخبرني أنه تجادل مع موظف حول الأمر، فأخبره الموظف أنه رأى القرار لكن لم يصله ولدائرته تعليمات رسمية بذلك. هذه القصة تنطبق على كل شيء بالعراق وذكرتها الأن للاستشهاد بأن قرار البرلمان حول الكفيل وقرار الحكومة الذي سمعناه بالأخبار، لم يطبق فعلياً. خرج بعض القادة العسكريون مثل العميد سعد معن للسومرية يوم أمس وقال "إلغاء هذه الآلية قد يكون موجودا، لكنه سيثقل كاهلنا ببناء قاعدة معلومات جديدة". كما تصريح أخر لسكاي نيوز عربية يوم أمس "آمر اللواء 55 في قيادة عمليات بغداد العميد الركن عبد الله جارح، نظام الكفيل للنازحين من الأنبار مازال معمولا به". وهناك تصريح لرئيس مجلس محافظة بغداد لن نكتبه حتى لا نطيل. والخلاصة النازحون لا يريدون أقوال بل أفعال، والقرارات التي لا تطبق لا قيمة لها وعلى الحكومة متابعة تطبيق قراراتها التي تتخذها.
0
التعليقات (0)