قضايا وآراء

هل حانت لحظة الطلاق بين مصر والسعودية؟!

رضا حمودة
1300x600
1300x600
حملت الأسابيع الأخيرة الكثير من التطورات السلبية إزاء العلاقة بين نظامي المملكة العربية السعودية ومصر، وتحولت إلى نوعٍ من الفتور والتوتر المكتوم بين البلدين الحليفين، على إثر تلاسن إعلامي مبرمج من بعض الإعلاميين المصريين بحق سياسة المملكة، حتى وصل الأمر إلى حد التعرض للملك سلمان شخصياً في مظاهرة ليست بريئة نظمها نشطاء تابعين للسلطة حظوا برعاية وحماية الأجهزة الأمنية المعنية أمام السفارة السعودية بالقاهرة تندد بعاصفة الحزم، وتم التعامل معها وكأنها مظاهرة في حب مصر، رغم حظر التظاهر بدون ترخيص في مصر بعد الثالث من يوليو.

التلاسن الإعلامي المبرمج هبت نسماته على سماء الإعلامي المصري الذي كان يسبح بحمد المملكة وخادم الحرمين الشريفين الداعم الأكبر والحليف الأهم لسلطة 3 يوليو قبل أشهر قليلة، بعد وفاة الملك عبدالله، وبعدما لاحت في الأفق بوادر تغير ما في القيادة السعودية الجديدة بعد وصول الملك سلمان بن عبدالعزيز لسدة الحكم، وسلسلة الإقالات والتعيينات التي قام بها في الأيام الأولى من حكمه داخل مواقع حساسة في الدولة، خاصة خالد التويجري رئيس الديوان الملكي للملك الراحل، والمعروف بعلاقته الوطيدة بسلطة 3 يوليو.

ومع توتر أوضاع المنطقة العربية أمنياً واقتصادياً، لاسيما بعد تهاوي وانخفاض أسعار النفط(المورد الرئيسي لاقتصاديات الخليج العربي)، فطنت القيادة السعودية الجديدة إلى ضرورة الانكفاء على الذات قليلاً، وتطويع موارد الدولة للداخل السعودي ولخطط التنمية وزيادة الرواتب والاهتمام بتطوير قطاعات التعليم والصحة والبنية التحتية ورعاية محدودي الدخل، في مقابل افتضاح أمر المساعدات التي قدمتها المملكة للنظام المصري منذ 3 يوليو وحتى الآن. 

خاصة وأنها ذهبت أدراج الرياح فلم يستفد منها المواطن المصري البسيط ولم يتم توجيهها لخطط التنمية، على خلفية التسريبات التي خرجت من مكتب عبد الفتاح السيسي ومدير مكتبه.

وما زاد من تعقيد الأمور، تدهور الوضع في اليمن والتي تمثل الخاصرة الجنوبية للسعودية، ومن ثم قرارها المصيري بالتدخل عسكرياً في اليمن، دون التشاور أو التنسيق مع السلطة المصرية، وهو ما أثار غضباً مكتوماً لدى القاهرة، عبر تحالف تقوده ضد مواقع الحوثيين المدعومين إيرانياً فيما سمى ب"عاصفة الحزم". 

ورغم موافقة القاهرة على المستوى الرسمي الظاهري، إلا أن الأوامر قد صدرت لأذرعها الإعلامية بالكيد والغمز واللمز في شرعية عاصفة الحزم، وقد حمل لواء هذا الكيد لسياسات المملكة، إبراهيم عيسى ويوسف الحسيني والكاتب الناصري أحمد عز الدين، الأمر الذي حدا بكتاب وإعلاميين سعوديين في المقابل بالرد على تلك المناكفات بالهجوم على النظام المصري الحليف والتحرش بشرعيته، وفضح ممارساته القمعية بحق المتظاهرين أيضاً. 

كان من أبرز هؤلاء الكتاب والمثقفين السعوديين الكاتب والإعلامي المقرب من دوائر الحكم السعودي "جمال خاشقجي" حيث قال في تغريدةٍ له على حسابه على تويتر غمزاً في النظام المصري وداخليته" لا يقولن أحد أنها حرية رأي، أو أنهم إخوان، القاعدة التي تعمل بها الشرطة، تتظاهر تقتل".

وقد قال قبل ذلك "لو كان الإعلام المصري حراً لما قلت ذلك، في إشارة لإبراهيم عيسى، ولكنه إعلام النظام، على حد قوله، والكاتب الصحفي صالح الشيحي بصحيفة الوطن الأقرب للسلطة في المملكة، والذى وجه رسالة مهينة لإبراهيم عيسى قائلا: (مفيش فلوس يا حبيبي مفيش فلوس)، فضلاً عن تعليق السفير السعودي في القاهرة عبدالعزيز القطان مستهجناً سلوك الإعلاميين المصريين تجاه بلاده بتعبير مقتضب "إن لم تستح فاصنع ما شئت"!

وتكتمل الصورة أكثر إذا ما أخذنا في الاعتبار التنسيق أو التقارب السعودي التركي الأخير فيما يشبه تحالفاً سنياً جديداً بين البلدين، ما يؤكد وجود خلافات مكتومة بين الطرفين المصري السعودي، حيث ترى المملكة بقيادتها الجديدة بنظري أن النظام المصري صار عبئاً ثقيلاً عليها، لاسيما بعد تبخر مليارات الدولارات التي منحتها للاقتصاد المصري، مع تأزم الوضع الداخلي سياسياً وأمنياً دون حل حتى الآن، ما يعزز فكرة فك الارتباط ولو قليلاً مع نظام 3 يوليو والتخفيف من تبعات الالتصاق المتين به، وهو ما فطنه النظام المصري في الآونة الأخيرة، فبدأ يلعب على لعبة ابتزاز السعودية عبر الردح الإعلامي الرخيص، وحملة الغمز والكيد لسياسات المملكة وتوجهاتها الدينية(الوهابية الداعمة للتطرف والإرهاب) كما وصفها بعض إعلاميي السيسي.

تجدر الإشارة إلى أن الرياح التي طرأت على العلاقات المصرية السعودية الآن لا ترقى لحالة من القطيعة أو الطلاق، حيث أن المصالح العميقة المشتركة أكبر من مجرد خلافات قد تبدو فرعية، وإنما ما يحدث هو الابتزاز من أجل(الرز) حسب تعبير السيسي نفسه في أحد التسريبات، في إشارة لأموال دول الخليج، في رسالة تحذيرية من السلطة المصرية للقيادة السعودية الجديدة مفادها أنه بنفاذ (الرز) سينفذ في الحال رصيد المحبة والود للمملكة، وسيقوم الإعلام بالدور المطلوب بحملة الغمز والكيد، وسيتحول التحالف بين البلدين إلى تلاسن وربما عداء. 

ذلك أن نظام 3 يوليو يدرك تماما أن المساعدات والمنح الخليجية، وفي مقدمتها السعودية، هي بمثابة الرئة التي يتنفس منها، رغم الفساد الذي يحوم حول تلك المساعدات وعدم وصولها لمستحقيها الأصليين، علاوة على أن التقارب السعودي التركي أيضاً قد ساهم في تأجيج غضب النظام المصري المكتوم تجاه المملكة، لتكون السياسة الجديدة "الرز مقابل التهدئة"!
التعليقات (0)