قضايا وآراء

الزهار لا يطحن الماء!

يونس أبو جراد
1300x600
1300x600
تميزت شخصية الدكتور محمود الزهار عضو المكتب السياسي لحركة حماس، وهو الجراح ذو المشرط النبيل، الذي قرر منذ زمن أن يستخدمه في العمل الوطني، فيستأصل ما خبث في صحة الوطن، وعافية المرحلة.

ليس ما تقدم مدحاً في ذلك القائد الكبير، الذي يكفيه مدحاً ما ناله من لقب "والد الشهيدين" وقد قدم أنفس ما يملكه الإنسان، "خالد وحسام" رحمهما الله، وما توقّف أو تأفّف أو تخفّف من الأعباء التي حملها على أكتافه الصلبة، وسار ثابتاً بإرادته العنيدة، وظلّت عيناه النقيتين الحزينتين تستشرفان شمس الحرية والعودة.

تمتاز شخصيته بالشجاعة النادرة، وتعبيراته بالوضوح والصراحة، ينتقي من الكلمات ما يعبر به عما يختلج صدور الناس، بلا مواربة أو مجاملة، ولا أقول ذلك جزافاً، فعشرات الخطابات والخطب واللقاءات تؤكد ما ذهبنا إليه، وكثيراً ما يصدح الزهار بالكلمة الفصل في زحمة التصريحات، وارتعاش الكلمات على شفاه قائليها، وحين هروب الإجابات وقت مرور العاصفة، لا يتردد الزهار في انتقاء ما قلَّ ودلَّ وَذَلَّ أعداء فلسطين وأعوانهم.

تصريحات الدكتور الزهار في الآونة الأخيرة حملت كثيراً مما يستحق التوقف في هذا الواقع المرتبك، ولعلها تحمل بين سطورها موقف حركة حماس في كثير من القضايا التي تطرح نفسها بقوة على الساحة الفلسطينية، ومن بينها، بل أهمها ما يمكن تسميته، حقيقة الرؤية الحمساوية لمستقبل المصالحة، والتي أخذت منحى –أعني المصالحة- لم تتوافق عليه الأطراف، ولم ترض بنتائجه الحالية، حتى وصلنا إلى مرحلة ما بعد الانقسام، وما قبل المصالحة، فلا الانقسام انتهى، ولا المصالحة بدأت!

وحتى نستطلع موقف الحركة الذي جاء على لسان الدكتور الزهار في العديد من اللقاءات الأخيرة معه، نستعين هنا ببعض إجاباته على أسئلة طرحها صحفيون بلسان قطاع عريض من الجمهور الفلسطيني، ففي أحدث لقاء نشره موقع فلسطين اليوم بتاريخ 13/4/2015، سُئل الزهار: "برأيك إلى أين يتجه قطاع غزة في ظل الوضع الراهن؟ فكانت إجابته: "واضح أن الضفة الغربية تريد أن تدمر غزة، ونحن في غزة لن نسمح لهم بذلك، بالتالي من الذي يستطيع أن يفرض برنامجه، هل برنامج الإعمار وصمود الشارع والمقاومة، أم برنامج تجويع القطاع وحرمانه من الوظائف والرواتب وإضعاف مقاومته، بكل تأكيد لن نسمح بذلك".

 ونحن هنا لسنا بحاجة لقراءة ما بين السطور، طالما أن ما حَمَلَتْه السطور واضح المبنى والمعنى. فهو كما يفهم القارئ النبيه لا يقصد "بالضفة" سوى سكان المقاطعة من ألفهم إلى الياء. وعليه فما طبيعة العلاقة المتوقعة بين حماس وفتح، وما مستقبل المصالحة بينهما في ظل خطة تدميرية لغزة؛ مقاومةً وبنيةً تحتية وعزّة نفسٍ أبية، على يد آثمة الأصابع، مجهولة الهوية.

ولدى سؤاله عما طالعنا به وزير خارجية السلطة من أنهم لن يترددوا في تسليم أي مطلوب فلسطيني لمحكمة الجنايات الدولية؟ قال: " ..... بالتالي هذا الكلام يبيعونه لإسرائيل ليقولوا نحن ما ذهبنا لمحكمة الجنايات لمحاكمة إسرائيل، وإنما لمحاكمة حماس".

 ولعلّ هذا يعكس منسوب الثقة لدى حركة حماس بالسلطة الفلسطينية، وقيادتها التي تعمل -والكلام للزهار- عند إجابته على اتهامات عباس لحماس بسعيها إلى إقامة "دولة غزة" قائلاً: "ولذلك "أبو مازن" حتى يبقي الوضع على ما هو عليه في غزة يقول عن أي محاولات لإيجاد حل يسميها دولة غزة أو انفصال غزة عن الضفة، أصلاً غزة مفصولة عن الضفة، والضفة مفصولة عن الضفة، والضفة مفصولة عن القدس، وبالتالي مصطلحات "أبو مازن" لا تؤثر فينا ولا تخفينا ولا تؤثر في الجمهور لأنهم عارفين أن "أبو مازن" متعاون كبير مع العدو الصهيوني، بالتالي لا يؤخذ بكلامه". انتهى.

في نهاية الفقرة السابقة أنت تقرأ ما في عيون حماس عن "عباس"، فأبو مازن كما ورد ليس أقل من "منسّق أمني"، وليس أكثر من متعاون كبير، أو فإنَّ ما ورد هو التوصيف الأنسب لمن يرى أنَّ التنسيق الأمني مقدس، وأنَّه لن يسمح باندلاع انتفاضة ثالثة، وأنه لن يعود إلى صفد إلا زائراً، -وأنه سيستقبله الآلاف لو ذهب إلى غزة- وهذه جملة اعتراضية لا محل لها من السياسة- استخدمها عباس في آخر تصريحاته المثلجة القادمة من موسكو.

أما الحكومة فقد نالها من -الحب- جانب، ولا أعتقد أن الزهار وجد صعوبة أو احتاج إلى تفكير عميق كي يجيب عن سؤال زميلنا الصحفي حول "الحكومة الفاشلة" كما يحب الزهار أن يسميها.
"س) هل تعتقد أن قرارات الحكومة الأخيرة من تشكيل لجنة لاستلام المعابر وإقرار دوام الوزراء في غزة .. تهدف لوضع حماس في الزاوية أمام الرأي العام؟
ج) إسرائيل لم تستطع وضع حماس في الزاوية، هم أصلاً خلقوا وولدوا وهم في الزاوية، مشروعهم أفلس وانتهى، ولم يحقق شيء، ويحاولون هدم المعبد على من فيه".

وهذه إجابة لا تحتمل التأويل، فما عبر عنه الزهار هو في جوهره ما يدور في كواليس العلاقات الوطنية الداخلية، وما يتهامس به القادة من فصائلنا الفلسطينية، ولا يقوى على التصريح به إلا قلة منهم، فإلى متى يكتفون بالهمز واللمز والغمز، وهل يجتمعون على كلمة سواء تجمع شتاتنا، وتحمي ثوابتنا؟

ولا يظنن القارئ الكريم أن خبراً بالبنط العريض تنشره إحدى الصحف الفلسطينية حول معارضة قادة منظمة التحرير مفاوضات حماس مع إسرائيل من أجل إقامة دولة في غزة، يعبر حقاً عن منظمة قوية تجمع تحت مظلتها الكل الفلسطيني، فبعيداً عن انحياز تلك الجريدة لطرف دون آخر، غالباً لا تصدر تلك الأخبار إلا عن المكتب الإعلامي لحركة فتح، أو في أحسن الأحوال عن مكتب الرئاسة، وهي أخبار لا تستند على أي دليل سوى ما يدور في خيال "رئيسنا" الذي في المقاطعة.
 
لا شك أنَّ هذه التصريحات التي استوقفت قطاعاً واسعاً من شعبنا تعبر عن أزمة عميقة في العلاقات الوطنية التي كانت أولى ضحايا فريق التسوية، حين وقَّع عباس على اتفاقية أوسلو بيده اليسرى، ودقَّ مسمار الانقسام الآثم في جسد الوحدة الفلسطينية بيده اليمنى.

لست متردداً في أن أضم صوتي إلى كوكبة من الوطنيين الأحرار، الذي لا يرون ما يحدث في هذه الحقبة من تاريخ قضيتنا مجرد "مناكفاتٍ" إعلامية، بقدر ما هي شروخ في العلاقات الوطنية التي انتقلت عدواها من صفوف القيادات الحزبية إلى أزقة المخيمات والجامعات والقرى والمدن، وقد تسبب بها من تحول إلى أداة في يد الإحتلال، يحركه بالريموت كونترول كيفما يشاء. وعليه فلا مناص من تصويب البوصلة، وتعديل الانحراف الخطير الذي ساقنا إلى هذه الهاوية السحيقة، فهل يعقلون؟!
التعليقات (1)
حمساوي ضفاوي!
الثلاثاء، 14-04-2015 10:34 ص
واضح جدا الأسلوب الواضح! والحكمة العجيبة! والصراحة المنقطعة! من أخبر الزهار أن الضفة الغربية تريد تدمير غزة؟ في الحقيقة قائد لا يستطيع انتقاء ألفاظه بدقة لا يستحق كل هذه الاشادة! "واضح أن الضفة الغربية تريد أن تدمر غزة، ونحن في غزة لن نسمح لهم بذلك، بالتالي من الذي يستطيع أن يفرض برنامجه، هل برنامج الإعمار وصمود الشارع والمقاومة، أم برنامج تجويع القطاع وحرمانه من الوظائف والرواتب وإضعاف مقاومته، بكل تأكيد لن نسمح بذلك".