قضايا وآراء

قمة التناقضات العربية

قطب العربي
1300x600
1300x600
ليس كل ما تمناه السيسي من القمه العربية أدركه، لقد سعى الجنرال وطاقمه السياسي إلى تحويل هذه القمة التي اختتمت أعمالها أمس إلى عرس جديد له بحضور الرؤساء والملوك والأمراء العرب بعد عرس المؤتمر الاقتصادي في المكان ذاته قبل أيام من القمة، لكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن، فوقعت حرب اليمن التي قادها ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز، وحقق فيها انتصارا سريعا على الحوثيين ومن خلفهم دولة إيران دون الحاجة لانتظار القمة أو الحصول على موافقتها، وكان حقيقا بالرجل أن يخطف الأضواء من السيسي في قمة شرم الشيخ، أو على الأقل يقاسمه الأضواء، وبالتالي لم يعد السيسي وحده "عريس الليلة"، وأصبحت القمة مجرد تحصيل حاصل.

كانت القمة هي "قمة التناقضات العربية"، فالقمة التي جاءت عقب تشكيل ما يسمى تحالف دعم الشرعية في اليمن عقدت فعالياتها تحت رئاسة شخص (السيسي) منقلب على الشرعية في بلاده، ومن المضحكات المبكيات أن يشارك هو في تحالف دعم الشرعية في اليمن بينما يلاحق أعضاء وأنصار تحالف دعم الشرعية في مصر، يقتل آلافا منهم ويسجن آلافا، ويصنف هذا التحالف في قائمة المنظمات الإرهابية، وبينما هرول قادة عرب لنجدة الرئيس اليمني منصورهادي الذي استسلم لخصومه وتنازل عن شرعيته من قبل، فإنهم تواطأوا ضد الرئيس الشرعي للدولة التي تستضيفهم وهو الدكتور محمد مرسي الذي لم يستسلم ولم يفرط في شرعيته بل قال إن ثمنها حياته.

لا أدري ماذا يقول قادة الدول المشاركة في هذا التحالف وهم ينظرون في المرآة ليروا تشابها كاملا بين اليمن التي نفروا إليها وجردوا من أجلها جيوشهم، ومصر التي وفدوا إليها وشدوا إليها رحالهم؟ 

تناقض المواقف كان واضحا في مسائل حيوية أخرى، ففي ليبيا ظهر الاختلاف واضحا بين الموقف المصري الذي استبسل في محاولة تسويق حكومة طبرق وتسليحها والتدخل لدعمها في مواجهة الموقف القطري الذي أعلن رفضه المطلق لأي عمل عسكري في ليبيا، وليس بعيدا عن ليبيا تلك الدعوة المصرية لانشاء قوة عسكرية عربية مشتركة، فهذه الدعوة ولدت أساسا عقب تعثر قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر في حسم الأمر لصالحها، ما استدعى تدخلا عسكريا مصريا وإماراتيا تريد له مصر الآن مظلة عربية تعطيه الشرعية السياسية والتغطية المالية، ورغم الموافقة المبدئية على هذه القوة مجاملة لمضيف القمة، إلا أن الواضح هو حالة الفتور تجاهها، وهو ما يقطع بولادتها ميتة، أو قتلها لاحقا أثناء مناقشة التفاصيل حول طبيعة هذه القوة، ومن يقودها، ومن ينفق عليها، وطبيعة المهام التي تقوم بها، وبطبيعة الحال يتذكر الجميع هنا نشأة قوات الردع العربية في العام 1976 للتدخل في لبنان بقرار من جامعة الدول العربية، والتي إختزلت في آخر المطاف في قوات إحتلال سورية للبنان أجبرت على الخروج منه ذليلة بعد مقتل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري.

التناقض حول سوريا كان واضحا بين الموقفين المصري والسعودي أيضا، فبينما سعى السيسي لإعادة نظام بشار الأسد للمنظومة العربية وتبنى الدعوة لحل سياسي وحوار يشمل حكومة بشار فإن الموقف السعودي ومن خلفه الموقف الخليجي اعتبر بشار جزءا من المشكلة ولا يمكن أن يكون جزءا من الحل، وظل مقعد سوريا خاليا في القمة حتى إشعار آخر.

من غرائب القمة أيضا ارتفاع تمثيل قطر التي تعتبرها حكومة السيسي عدوها الأول إلى مستوى أمير الدولة بينما تراجع تمثيل الإمارات الصديق الأول لمصر إلى مستوى حاكم إمارة درجة ثالثة، ما يعكس غضبا إماراتيا من ارتفاع التمثيل القطري الذي يبدو أنه جاء نتيجة دور سعودي، وفي إطار مفارقات التمثيل أيضا فقد مثل المملكة المغربية رئيس وزرائها عبد الإله بن كيران المنتمي للاخوان المسلمين بسبب غياب الملك محمد السادس، ورغم أن الإعلام المصري الموالي للسيسي أبدى امتعاضه من هذا التمثيل إلا أن السلطة لم يكن بوسعها رفض هذا التمثيل.

تبقى القضية الأهم وهي النظرة لثورات الربيع العربي، ففي الوقت الذي تنعقد فيه القمة على أرض إحدى دول هذا الربيع فإن ألسنة حدادا سلقته، وأسهما مسمومة أصابته دونما أي إعتراض، وكان اكثر المتحاملين هو أمير الكويت ورئيس القمة السابقة صباح الأحمد الذي إتهم ثورات الربيع بأنها السبب في نكبات الأمة وتأخرها الإقتصادي، وهو اتهام لاقى ارتياحا من غالبية المشاركين في القمة بكل أسف!!.

ورغم أن القضية الفلسطينية ظلت هي القاسم المشترك بين العرب جميعا، إذ لم تخلو كلمة أي دولة من التشديد على دعمها ، إلا أن ممثل فلسطين في القمة محمود عباس صاحب أطول كلمة حرص على استثمار أجواء العداء الرسمي العربي للقوى الديمقراطية والتحركات الديمقراطية فراح يطلب تدخلا على غرار التدخل العربي في اليمن لإنهاء ما وصفه بالفتنة في فلسطين، قاصدا بذلك حماس في غزة، مفسدا في الآن القاسم المشترك الوحيد في هذه القمة وكل قمة.

يمكن القول أن السيسي حقق مكسبا سياسيا من رئاسته لهذه القمة التي وفرت له قدرا من الشرعية التي يفتقد إليها، حتى وإن خطف منه سلمان وتميم وحتى منصور هادي القدر الأكبر من الأضواء، ولكن يمكن القول أيضا أنها قمة التناقضات وقمة تحصيل الحاصل، بل يمكن القول أنها وصلت ما انقطع في منظومة العمل العربي عودا إلى عهد ما قبل ثورات الربيع العربي وانقلابا عليه حيث مثل دول الربيع في القمة قادة الثورات المضادة (السيسي والسبسي ورئيس برلمان طبرق في حين ظل موقع سوريا شاغرا والذي يمكن أن يملأه بشار في قمة مقبلة)، ولا عزاء للثوار العرب.
التعليقات (1)
قاسم اكليلو
الثلاثاء، 31-03-2015 12:34 ص
أمر مؤسف أن تقع كل هذه التناقضات في القرن 21