ملفات وتقارير

عمالة الأطفال تنتشر في سوريا بسبب الفقر والغلاء

أطفال سوريا لم يعد لهم من طفولتهم سوى الاسم - (عربي21)
أطفال سوريا لم يعد لهم من طفولتهم سوى الاسم - (عربي21)
زادت الظروف المعيشية القاسية في سوريا من عمالة الأطفال بشكل كبير جداً، وأصبحت هذه الظاهرة منتشرة بكثافة في المدن والقرى السورية، بعد فقدان الكثير من العائلات لمعيلها أو مصدر رزقها، جرَّاء الحرب الدائرة في البلاد، وبات الأطفال -بعد ترك قسم كبير منهم المدرسة ودخل سوق العمل- يعملون في العديد من المهن لإعالة أسرهم، منها بيع الخبز والسجائر على أرصفة الطرقات، والعمل في محلات بيع الخضار والفواكه. 

وقال الطفل طه السواس البالغ من العمر 12 عاماً من مدينة "سلقين" بريف إدلب، إنه اضطر للعمل كي يساعد عائلته في مصروف المنزل، بسبب الغلاء الفاحش الذي تعاني منه بلدتهم، ويضيف طه أنه حُرم من المدرسة بعد تكرار قصفها من قبل طائرات نظام الأسد، وإن الـ "خمسمائة ليرة"، اثنين دولار أمريكي، الذي يجنيها أسبوعياً تكفيه ثمناً للخبز الذي تحتاجه عائلته.

ويعمل أبو أحمد في ورشة لتصليح السيارات، وهو والد لأحد الأطفال الذين تركوا المدرسة من أجل العمل، حيث يقول أبو أحمد في حديثه لـ "عربي21": "يؤلمني عمل طفلي البالغ من العمر أحد عشر عاماً، فالأطفال في عمره يرتادون المدارس والنشاطات المشابهة، لكنني أشعر بالعجز في هذه الظروف، المدارس مغلقة، وغلاء الأسعار أصبح كوحش كاسر يفتك بي وبعائلتي"، واختتم الحديث بقوله: "يحزن أطفالنا لتركهم المدرسة ونحن ايضاً، لكن لاسبيل لنا الآن سوى التأقلم مع ظروفنا الصعبة لنبقى جميعاً أحياء". 

ويعتمد أرباب العمل على الأطفال، لكونهم يعملون بنشاط لساعات طويلة مقابل أجور زهيدة، فقد يعمل الطفل لأكثر من 80 ساعة أسبوعياً مقابل مبالغ تترواح بين دولارين وثلاثة دولارات أمريكية. 

وأشارت مديرة المركز السوري لحقوق الطفل نسرين حسن، التي تديره من العاصمة دمشق إلى أن ملف عمالة الأطفال في سوريا هو محصلة لعدة ملفات، ونتيجة لعدة انتهاكات كانت موجودة منذ أعوام وبنسبة عالية جداً، واليوم تفاقمت بسبب الحرب التي تخلق مناخاً لاستغلال الأطفال اقتصادياً، وجنسياً، وفكرياً.

وتضيف الناشطة نسرين أن عمالة الأطفال هي شكل من أشكال الاستغلال، وهذا يأتي أحياناً من الأقارب بسبب الجهل والفقر، وحول جدية التعامل مع هذا الملف من قبل حكومة نظام بشار الأسد، تقول نسرين إن النظام السوري عليه أن يلتزم بالبند (38) من اتفاقية حقوق الطفل، الذي ينص على حماية الطفل خلال النزاعات المسلحة في المناطق التي يسيطر عليها كونه موقّعا على تلك الاتفاقية السابق، وتضيف: عمالة الأطفال تصنف عالمياً ضمن أسوأ أشكال العمالة، وخصوصاً في بلدان اللجوء المجاورة كـ"تركيا و لبنان"، لأنه لا توجد لديهم مرجعية واحدة، أو هيئة يمكن العودة إليها لمتابعة ملف الأطفال وحمايتهم، فلا يمكننا إلزامهم بتلك الاتفاقيات لأن الأمم المتحدة بالأساس لاتعترف بهم كجهة رسمية.
 
ونوهت نسرين حسن إلى أن وزارة الشؤون الاجتماعية التابعة لنظام بشار الأسد مقصرة جداً في ملف المرأة والطفل، وقد قامت منذ أسابيع قليلة رئاسة الوزراء بتوبيخ تلك الوزارة عبر كتاب رسمي أصدره رئيس الحكومة التابعة للنظام السوري "وائل الحلقي"، وسحب منها صلاحيات اللجنة العليا للإغاثة؛ بسبب تقصيرها في حماية المرأة والطفل. 

من جانبها، قالت مديرة مكتب وزيرة الثقافة وشؤون الأسرة في الحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة السورية ربى حنا إن ظاهرة عمالة الأطفال كانت موجودة سابقاً، لكن الظروف الحالية ساهمت في زيادة نسبتها نتيجة توقف الكثير من الأطفال عن الذهاب إلى المدرسة، وأن هناك أكثر من ثلاثة ملايين طفل دون تعليم حسب إحصائياتهم، والسبب الآخر هو النزوح المتكرر نتيجة المعارك الدائرة في قراهم ومدنهم، حتى إن البعض منهم أصبح معيلا لعائلته بسبب الحالة الاقتصادية والاجتماعية السيئة. وقالت ربى: "الحل هو تفعيل القوانين التي تعتبر عمالة الأطفال جريمة لا تقل شأناً عن غيرها من الجرائم، وتجريم كل من يسهل عمالتهم، يجب احتواء هؤلاء الأطفال ضمن برامج تؤمن حصولهم على التعليم المناسب لأعمارهم، سواء كانوا في المخيمات أو في بلدان اللجوء".

وحمَّلت مديرة مكتب الوزير المسؤولية لجميع المنظمات والجمعيات التي تنادي بحقوق الإنسان وحقوق الطفل؛ لتقصيرهم أو غيابهم الكامل عن تأدية دورهم وواجبهم في حماية هؤلاء الأطفال وضمان حقوقهم، وأضافت: لاشك أن المسؤول الأول عن هذه المأساة هو النظام السوري الذي لايزال مستمراً في تدمير المدارس وتشريد السوريين. 

يشار إلى أن الكثير من الأطفال السورين محرومون من التعلم، وتقدر نسبة الأطفال الملتحقين بالتعليم وفق التقرير الذي أعدته كل من اليونيسيف، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمة الرؤية العالمية، وهيئة إنقاذ الطفل، بحوالي 34% فقط من أطفال سوريا، حيث يضطر 10% من 1.5 مليون طفل من اللاجئين السوريين إلى العمل في ظل ظروف عمل صعبة في المقاهي وأعمال البناء لتمتد ساعات عملهم اليومية إلى 16 ساعة أحياناً مقابل أجر قليل.
التعليقات (0)