كتاب عربي 21

ابتزاز النظام السعودي الجديد!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
ذكرني "شبيحة السيسي" في تعاملهم مع دول الخليج، بمتسول في بداية التسعينات، كان يهين الناس، حتى صار في سلوكه يثير الشفقة أكثر مما يدفع للغضب!.

مرات كثيرة شاهدت فيها هذا المتسول، الذي كان يمارس نشاطه، في حافلات هيئة النقل العام، وفي الحدود من محطة جامعة عين شمس، إلى محطة العباسية. كان يصعد إلى الحافلة من الباب الخلفي، وكل ما يسيطر عليه، هو أن يتمكن من النزول في المحطة القادمة، ولأنها قريبة للغاية، ولأن الحافلة غالباً ما تكون مزدحمة شأن المواصلات العامة في القاهرة، فقد كان يزاحم الركاب الواقفين، ليتمكن من النزول من الباب الأمامي في "العباسية"، وكأن عقد عمله، هو ممارسة المهنة في حدود هذه المسافة، وليس عليه أن يتجاوزها!.

يصعد صاحبنا، وهو يهتف بصوت جهوري، وبلحن واحد، لا يتغير: "جائع".. "جائع يا ناس".. "يا ناس جائع حرام عليكم"، دون أن يكترث بالنظر للناس، فربما كان من بينهم من يهم بالدفع له، فقد كان مشغولاً بالوصول للباب الأمامي عند محطة النزول. وفي الحقيقة أنني ولكثرة ما شاهدته، فأستطيع أن أقرر أن أحداً من القوم لم يهم بشيء!.

وعندما يصل لمحطته الأخيرة، فإنه وفي كل مرة، يستخدم أحباله الصوتية القوية، في سب الجميع، وبالأب والأم، فقد قال لهم إنه جائع، وما ذلك لم يشفقوا عليه!.

كنت أقول ربما كان هذا الرجل، من جماعة مستشفى العباسية للأمراض العقلية، ففي إحدى السنوات، تولى موقع مدير المستشفي أحد الأطباء، الذي كان واضحاً أنه زميل سابق لهؤلاء المرضى، وقد ظن لهذا أنهم وحدهم العقلاء في مصر كلها، ففتح لهم باب المستشفي، لمن يريد أن يخرج، وصار مشهداً مألوفاً أن تجد أحدهم واقفاً ينظم المرور، وآخرا يلقي خطاباً سياسياً، وثالثا يسب أمريكا وإسرائيل، ورابعا يصعد للأتوبيس متسولاً، ولا يشغله سوى أن يصل للمحطة القادمة، وسب الناس الذين لم يتعاطفوا مع إعلانه أنه "جائع"!.

تذكرت هذه الواقعة، وأنا أشاهد الحملة القومية للإعلام الموجه في مصر ضد بعض دول الخليج، لأنها توقفت عن تقديم المساعدات لعبد الفتاح السيسي، وعلى طريقة متسول محطة جامعة عين شمس، الذي يرى أن من حقه على الآخرين أن يسارعوا لتلبية ندائه بأنه جائع، وإلا فإنه يباح له، أن يسبهم ويلعنهم!.

من يقفون وراء إعلام "الردح وفرش الملاية"، في مؤسسة الحكم، وقفوا على أن الجميع صاروا على علم من التسريبات أن من يدير هؤلاء هو سكرتير عبد الفتاح السيسي "عباس كامل"، وهو يتعامل معهم على  طريقة "المعلم وصبيانه".. فـ "الواد"، و"البت"، و"العيال". ولهذا فلم يكن طبيعياً أن يتم "الردح" للنظام السعودي الجديد مثلاً، الذي معه "أموال متلتلة كالرز"، ومع ذلك يبخل بها على متسول محطة جامعة عين شمس، لأن اللعبة ستكون مكشوفة، لذا فلا مانع من سب الخليج كله، وفي السعوديين بالجملة، والإمساك في مقال لكاتب، ليس فيه ما يغضب "شبيحة السيسي"، فيتعاملون معه على أنه يمثل إساءة لمصر، وعليه وجب التصرف معه، كما كان يتصرف المتسول إياه، عندما ييأس من الاستجابة لإعلانه بأنه جائع!.

"جمال خاشفجي" كتب مقالاً في "الحياة" اللندنية، ليس فيه ما يسيء لسلطة الانقلاب في مصر، فقط أراد أن يوضح لهم سر عدم التأييد الخليجي للغارة الجوية على "درنة"، فالسبب أن "داعش" نصبت للجيش المصري فخاً بجره إلى هناك، والأمر يحتم عدم الاندفاع لهذا الفخ حفاظاً على الجيش المصري من الاستنزاف، في معركة وعرة، فالقصف الدقيق "الذي يصيب مكاناً بعينه حددته استخبارات مسبقة يحتاج إلى قنابل ذكية أو طيار مغامر يقصف من علو منخفض، وكل ذلك غير متوافر".
وليس في الأمر إساءة للجيش المصري، فعندما نقول إن الجيوش النظامية ليست مؤهلة مثلاً لحرب العصابات فليس في ذلك إساءة للجيوش وتكريم للعصابات.

وفي الواقع أن الحملة القومية لتأديب "جمال خاشفجي"، لم تكن لأنه وضع النقاط فوق الحروف فيما يختص بحدود إمكانيات الجيش المصري، الذي كتب ما كتب من باب الخوف عليه، ولكن الحملة كانت لتصور أن "خاشفجي" محسوب على النظام السعودي الجديد، ليكون هو المدخل الآمن لإثبات قدرة القوم على ممارسة "الردح"، لتصل الرسالة إلى حيث يريدون، في القصور الملكية، وعلى طريقة "الصحفي المبتز" عندما يقرر ابتزاز معلن ليعلن في جريدته!.

مما قالوه، إن "خاشفجي"، مقرب من النظام السعودي الجديد، وهو أمر لم أتحقق منه، فالرجل محسوب على النظام السابق، الذي احتضن الانقلاب ورعاه. وهو يعمل مديراً لقناة فضائية، مملوكة للوليد بن طلال، الذي اعترف بدعم الانقلاب على الثورة في مصر، وقال مبتهجاً إن انتخاب السيسي ضربة قاصمة للإخوان وللربيع العربي.

وإن كانت الأمانة تقتضي القول، إنني عندما سألت عنه من يعرفه، فلست من متابعيه، أخبرني أنه رغم ارتباطاته الوظيفية، فإن يصنع لنفسه دائماً مساحة من الذاتية والآراء الشجاعة.

وقد يكون "جمال" مقرباً من النظام السعودي الجديد، فلست متأكداً من ذلك، فاليقين أنه قريب من النظام البائد، لكن لا أعتقد أن هذا يبرر هذا الغضب المصري العارم، لوجهة نظر، واستدعاء سلوك متسول محطة جامعة عين شمس بالإيعاز ان هذا أسلوبهم الذي قد يتعاملون به مع رأس هذا النظام، كما تعاملوا مع الكاتب السعودي، فيتعلم الجميع من كرامة "خاشفجي" المستباحة!.

لست ساعياً لدق إسفين بين الانقلاب في مصر والنظام السعودي، فالعلاقات بين الدول لا تقيم وزناً لسعي ساع للوقيعة، والعلاقات العربية بالذات لا تلقي بالاً للمصالح الاستراتيجية، فقد كان هم الملك السعودي الراحل أن يقضي على الربيع العربي، وعلى نجاح الدول التي شهدت ثورات على الأنظمة المستبدة، ولو كان يحاصر نفسه بأعدائه، كما جرى في اليمن، عندما جرى تمكين الحوثيين، في لحظة بروز إيراني مهمة. وسبق هذا مساعدة الملك السعودي في ضرب المثلث السني، المتمثل في مصر والسعودية وتركيا، ولم يشغل باله أنه يقدم دعماً عظيماً لإيران، وعليها أن تكرم اسمه باعتباره رجل هذا العام، كما ينبغي لها أن تشكر الرئيس الأمريكي السابق "بوش الصغير" لأنه قضى لها على القوة العراقية، وسلمها العراق "بيضة مقشرة"!.

ما يعنيني هنا، هو محاولة فهم الحملة القومية لتأديب "جمال خاشفجي"، والذي لم يكن هو مقصوداً بها لذاته، والدليل أن ما كتبه استغل للهجوم على السعودية كلها وعلى الخليج. حتى أحدهم والذي يجري وصفه إعلاميا بالمفكر طالب كل مصري بأن "يستفرغ معي على كل شيء يلبس الثوب والعقال" وقال إنه يموت من الضحك عندما يسمع نبرة تعال من خليجيين "فأنا رجل عندما يسمع تعبيراً مثل المفكر السعودي، أردد: كيف يجمع إنسان بين فكرتين متناقضتين في كلمتين: مفكر وسعودي"!.

"المفكر المصري"، كان يشغل موقع مدير شركة "شل" البترولية الأمريكية في القاهرة، وقد حصل على اللقب "مفكر" بواسطة "انيس منصور" لأنه رجل علاقات عامة في المقام الأول، وقد أصدر مجلة "شل" التي استكتب فيها قيادات صحفية كبرى ودفع لهم بسخاء في سبيل استمرارهم في تقديمه على أنه "مفكر".

ويلاحظ  ان انيس منصور وصفه بالجاهل بعد ذلك، ولم يتورع "طارق حجي" من أن يهاجمه بقسوة، ويقول إن منصور لا يجيد الانجليزية، ومع هذا يترجم نصوصاً لعلماء عالميين، بالفهلوة، ونسي أن قيمته كـ"مفكر" استمدها من كونه صديق أنيس منصور الذي وصفه بالمفكر في "الأهرام"!.

ولأن "المفكر" يبحث عن الوجاهة الاجتماعية، فقد أنشأ حديقة أمام شركته أطلق عليها اسم "سوزان مبارك"، لكنه عزل بعدها من "شل" وقامت الثورة، فأراد أن يجرب حظه مع الانقلاب، ليكون من أذرعه الإعلامية!.

"المفكر طارق حجي" يقول إن له أكثر من ثلاثين كتاباً، وذلك في معرض منح نفسه سلطة تقييم الخليجيين، وله بطبيعة الحال ولكونه "مفكرا" ورجل علاقات عامة بامتياز، مئات المقالات في الصحف، لكن لا اعتقد أن له بصمة في مجال الفكر أو الكتابة، وقد كنت كثيراً أسأل نفسي، عن هذا الشخص الذي منحه أنيس منصور لقب المفكر، قبل أن يصفه في وقت لاحق بالجهل، ومع ذلك لم أقرأ له نصاً، ولم أجد في حياتي من قال لي أنه قرأ له. وجاء مستوى هجومه مؤخراً ليثبت لنا أن الأذرع الإعلامية للانقلاب سواء، لا فرق بين "الدكتور" توفيق عكاشة، و"المفكر" طارق حجي، فالكل ينهل من معين واحد هو معين "خالتي فرنسا"!.

فقط أود أن ألفت انتباه القوم بأن هناك فرقا بين تقاليد التسول وقواعد "التثبيت" وقطع الطريق على من معه أموال كالرز، باستخدام السلاح الأبيض، وليكن لكم درس في متسول محطة جامعة عين شمس، فقد كان يشتم الركاب، وفي اليوم التالي لا يفلح أسلوبه في دفع الناس للتعاطف معه!.
لقد فشل الانقلاب في البر والبحر، ولم ينجحوا حتى في أن يكونوا متسولين شرفاء!



[email protected]
التعليقات (3)
احمد
الثلاثاء، 03-03-2015 09:53 م
وانت برده من الأذرع الإعلامية بس لصالح مستفيد تانى مش معنى ان الحكم العسكرى حكم وسخ وباطش ان حكم الإخوان هو الى كان كويس الأتنين أوسخ من بعض ده حكم عسكرى ديكتاتورى والتانى فاشية دينية يمينية متطرفة وأزمتها بالأساس داخلية قبل متكون مع النظام المستبد بالعكس دى يمكن تكون أخطر من العسكر بطلوا تغنوا علينا بقى لأن كلكم كدابين سواء إعلم الإخوان أو العسكر
معتد
الإثنين، 02-03-2015 12:46 م
هههه مفكر سعودي ماتجي طيب طلع واحد سعودي مثل عكاشه استغفر الله بصراحه ماضيع مصر الا ادعاء اهلها انهم افضل شعوب الارض واعلمهم واذكاهم ياخي ترى اليهود اختصروها وقالو هم شعب الله المختار ( على كل حال صدق الله لافرق...)
ابراهيم حسن
الأحد، 01-03-2015 08:07 م
والله انت صعبان عليه