كتاب عربي 21

السبسي وحزبه: أضخم حالة تحايل في تاريخ تونس

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600
مرت ثلاثة أشهر ولم يستطع الحزب الأغلبي في تونس "نداء تونس" الذي لايزال يسيره فعلياً الباجي قايد السبسي رئيسه المستقيل شكلاً، بسبب وجوده في موقع رئاسة الجمهورية أن يقدم حكومة لمجلس نواب الشعب. بعد التشكيلة الأولى المقترحة والاعتراضات العديدة عليها والاحتمال الكبير لعدم حصولها على الأغلبية الكافية، قام رئيس الحكومة المكلف بالتشاور للقيام بأمر غير مسبوق: تحوير وزاري في حكومة لم تصبح حكومة بعد. 

كل بدائل السبسي وحزبه الفائز في الانتخابات الأخيرة "نداء تونس" فاشلة حتى الآن:
- أصروا لسنتين على ضرورة إقامة "حكومة تكنوقراط" وأرادوا أن يضعوا على رأسها موالين متسترين لهم على أساس أنهم تكنوقراط (محمد الناصر مثلاً الذي أصبح فيما بعد نائب رئيس "نداء تونس"). نتائج حكومة التكنوقراط على مستوى أكثر من مؤشر اقتصادي أساسي مثل التضخم المالي وعائدات السياحة وسعر الدينار أثبتت أنها تأخرت مقارنة بأرقام مرحلة "الترويكا". وآخر إنجازاتها التي ستمر في صمت قرض رقاعي من مؤسسات بنكية مالية أغلبها من أمريكا الشمالية، بفائدة دين غير مسبوقة تقرب من 6% (والمثير أنه سيستعمل لتسديد فوائد ديون سابقة) وعقود نفطية مرت دون مراقبة آخر نوفمبر 2014، أي في مرحلة تجميد عمل مجلس نواب الشعب في انتظار الحشد اللازم لانتخاب السبسي رئيساً. 

-في الأثناء، السبسي قال إن لديه كفاءات في حزبه ما يشكل حكومات في أربع دول. بعد حملة انتخابية مسعورة كان برنامجه الانتخابي فيها توظيف الذعر من الإرهاب بطريقة غوبلز "اكذب اكذب حتى يصدقك الناس". تحصل هذا الحزب منذ ثلاثة أشهر على الصدارة في الانتخابات. وإلى حد الآن لم يستطع تشكيل "ربع حكومة" على رأي عبد الستار المسعودي محامي السبسي وعضو المكتب التنفيذي لحزبه. المسعودي وقبله قسيلة وغيرهما شنوا حملة بعنوان "السبسي المحاصر في القصر". مشيرين إلى أيام بورقيبة الأخيرة؛ كأن السبسي انطلق حيث انتهى بورقيبة. 
قيادات في "نداء تونس" تتنافس منذ أسابيع في ترويج الاتهامات للسبسي وحاشيته في القصر بأن كل شيء يتم تسييره من قرطاج. عندما كنا نقول إنه سيحدث تغول رئاسي وأن السبسي الهرم سيركز السلطات لديه، وأنه سيعود بنا إلى الأيام الأخيرة لبورقيبة، كان هؤلاء أنفسهم يتهجمون علينا ويتنافسون في الحملة الانتخابية في الرياء والدفاع عن السبسي. لا يمكن أن نشعر بأي تعاطف مع سياسيين يؤسسون لأخلاق العبيد؛ إذ بمجرد أن فهموا أنه لن ينالهم شيء من كعكة المحاصصات والمكافآت رددوا ما كنا قلناه مراراً.

من إبداعات وغرائب الحزب الأغلبي الجديد أن أعضاء المكتب التنفيذي للحزب، الذي يفترض أن يكون هو مكتب قيادة الحزب ويقرر قراراته، أمضوا على عريضة وقرر بعضهم حتى تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر الحزب للاحتجاج على قرارات الحزب فيما يخص تشكيل الحكومة. هذه الحالة الكاريكاتورية نتيجة مباشرة لغياب أي مؤسسات منتخبة في هذا الحزب القائم على إرادة التعيين الفردية للحاكم بأمره السبسي، الذي قرر بالمناسبة قبل استقالته تعيين ابنه في أعلى قيادة الحزب لضمان تسييره من القصر. ابنه الذي تنحصر تجربته السياسية في عضوية إدارة فريق كرة وأنه طبعاً ابن السبسي.

كانت أحد الشعارات السياسية للحزب "الولاء المطلق لتونس" و"ولا ولاء إلا لتونس" وخطاباً "وطنياً" في الظاهر، ولكنه معبأ برسالات التخوين مشابه في جوهره للخطاب الفاشي الذي ترعرع في مصر بعد انقلاب السيسي. المفارقة أن آخر شيء يمكن أن يزايد به هذا الحزب هي الوطنية. في منتصف فيفري 2013 بعد اغتيال الشهيد شكري بلعيد صرح مانويل فالس وزير الداخلية الفرنسي آنذاك (المثير للجدل بمواقفه المعادية للعرب والموالية لإسرائيل)، أن "فرنسا مستعدة للتدخل لدعم الديمقراطيين التونسيين". لاقت تصريحاته تلك رفضاً من أغلب المعارضين للترويكا باستثناء تصريح واحد دعم بوضوح تدخل فرنسي عسكري ضد تونس. كان التصريح كالتالي: "عندما تقوم الحكومة بممارسة الإرهاب ضد شعبها، وتغرق البلاد في المديونية وتحدث في ظلها اغتيالات سياسية، يصبح التدخّل (الأجنبي) مشروعاً وفق قوانين المنظومة الدّوليّة". كان ذلك تصريح أمين عام نداء تونس الطيب البكوش ووزير خارجية بلادنا الآن الذي سيسهر على حماية سيادتها الوطنية. 

لكن ليطمئن الشعب التونسي فسمير بالطيب زعيم الحزب، الذي لم يتحصل على أي مقعد بسبب تذيله المفرط لحزب السبسي "يدعم حكومة الصيد"، و"الجبهة الشعبية" اليسارية تقوم بالواجب المعتاد إذ إن شرطها الرئيسي لدعم الحكومة منع مشاركة أي طرف من الترويكا وخاصة النهضة. والمعلق الكوميدي "ميغالو" يتعرض للضغط إذ اكتشف أن من كان يشجعه بالأمس لنقد الرئيس المرزوقي لا يتحمل أي نقد هزلي مماثل، وبدؤوا يضغطون عليه مثلما صرح هذا الأسبوع للتوقف، مثلما فعلوا مع صحفيين ورسامي كاريكاتور وفنانين آخرين، وأحياناً لم يتقلدوا السلطة بعد. المدون السجين ياسين العياري في إضراب جوع وحشي قبل أن تلتحق به أمه بعد أن جرده سجانوه من سلاحه الوحيد: قلمه. ومثلما قال أخوه اليوم مطيع بعد زيارته في السجن "بات واضحاً أن السبب الرئيسي للإمساك بياسين، هو الفيديو الذي قام بتصويره ليلة الانتخابات الرئاسية بعد أن شتم السبسي الشهداء". 

ليطمئن الشعب التونسي مادام السبسي حقق حلمه ويرقد مطمئناً في قرطاج، ومادام رئيس الجمهورية يلبس ربطة عنق. 

"نداء تونس"، يجب أن نكررها كل يوم، أضخم حالة تحايل في تاريخ تونس. 
التعليقات (1)
علي الأسطي
السبت، 31-01-2015 06:23 ص
آري المشكلة في تونس اكثر مما هي في ليبيا عكس ما يبدو للمتابع ،فمشكلة ليبيا مشكلة أتت من الخارج فحالما يرفع هؤلاء ايديهم عن ليبيا سيستقر الوضع ،بينما في تونس داخلية متجدرة بها ،والمشكلة المالية في ليبيا وقتية، بينما هي في تونس هيكلية تعيش معها في ظل الوضع الحالي .