كتاب عربي 21

عكس اتجاه التاريخ

عبد الرحمن يوسف
1300x600
1300x600
السير عكس اتجاه التاريخ أمر ليس يسيراً، يحتاج إلى تركيبة تجمع بين الغرور، والغباء، والعناد.
لذلك تجد كثيراً من الزعماء المستبدين خاصة العرب، يسيرون في أغلب فترات حكمهم عكس اتجاه التاريخ، وهذا أمر لعمري عسير عسير.

يحاول النظام السوفيتي أن يقاوم شيخوخة الدولة، ولكن غروره يدخله إلى المستنقع الأفغاني، وغباؤه يمنعه من الانسحاب، وعناده يورطه إلى أن تعلن هزيمته النكراء، وبعد ذلك يفاجأ بحالة خزينة الدولة، وبوضع الجيش المنهار، وبأطراف الدولة المتمردة، فيحاول جورباتشوف (عبثاً) أن يداوي سرطان الدولة بحبوب منع الحمل، وفي لحظة تنهار الامبراطورية، دون توقع من أحد، ودون مقاومة من أحد، بعد أن سارت لسنوات طوال بقوة الدفع الذاتي، ثم يتصرف جميع رجال دولة الاتحاد السوفيتي، وكأنهم في مأتم لقريب يكرهونه، وغاية مرادهم دفنه، لكي ينصرفوا إلى حالهم بعد أن تخلصوا منه.

حكومة الاتحاد السوفيتي كانت تدير نصف الكرة الأرضية، وكانت ترعب النصف الآخر، وانهيار هذا الاتحاد كان يمكن أن يستغرق عشرين عاماً، ولكنه استغرق عشرين دقيقة !

صاحب الطموح الوحيد الموجود في روسيا كان "يلتسن"، فأخذ روسيا القديمة، وعاد بها دولة إلى حدودها التاريخية تقريباً.

وعادت غالبية الدول التي احتلها الاتحاد السوفيتي إلى ما كانت عليه قبل الاحتلال، وتحركت طموحات شعوب، وأجندات دول، ورسمت الخريطة الجديدة.

كانت خطط الاتحاد السوفيتي في مناطق نفوذه قائمة، وكانت خطط توسعه ما زالت موجودة، وكانت أجهزة التخابر التي تديرها هذه الدولة العملاقة تعمل في العالم كله، ولكن انهار كل ذلك في لحظة!

اليوم، يحاول بعض المتفذلكين أن يقنعوك بأن تستسلم لأن الولايات المتحدة الأمريكية قد قررت 
-حسب رأيهم- أن تقضي على ثورات الربيع العربي، وأن تحكمها مرة أخرى عن طريق أذنابها من العسكر.

يحاولون إقناعك بأن تستسلم لأن التقارير المخابراتية الغربية والعربية تؤكد أن خريطة جديدة للشرق الأوسط قد رسمت، وهذه الخريطة لا مكان فيها لثورة أو ثوار، ولا موقع قدم فيها إلا لمن ترضى عنهم أمريكا وإسرائيل.

وكأن شباب العرب قد تحرك في الموجة الأولى من ثوراته بأوامر أمريكية !

فلترتب أمريكا ما تشاء، ولتخطط كما تشاء، ستظل الموازين على الأرض في صالح ثورات الربيع العربي.
يحاول البعض أن يربط بين المصالحة المصرية القطرية، وما تلا ذلك من إغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر، وتغيير الجزيرة الإخبارية لنهجها، وبين فرص نجاح هذه الثورات، وخصوصاً الثورة المصرية.

وكأن ثورات الربيع العربي صنعتها قناة، أو مولتها دولة، أو أنجحتها مؤامرة، أو خططتها أجهزة أمن.
قد تكون هناك صفقة دولية تجري في القصور، وقد تكون هناك قوى إقليمية تحاول أن تخمد هذه الثورات لكي يستقر حكمها العضود، ولكن الحقيقة المرة أن جميع هذه الدول قد وصلت إلى مرحلة شيخوخة لا علاج لها، وهي في وضع أسوأ ألف مرة من وضع الاتحاد السوفيتي في أواخر أيامه (مع الفارق الرهيب)، وهي تسير عكس اتجاه التاريخ، وتنسج أكفانها بمنتهى الكفاءة.

لله سبحانه سنن في هذا الكون، وقد شاء أن يسير كل شيء وفق هذه السنن والقوانين، لكي تنضبط الحياة، لذلك لا يمكن أن تستمر هذه الدول إلى الأبد، ولا يمكن أن تهزم إرادة شباب في المراحل الإعدادية والثانوية والجامعة؛ شباب يرون الموت حياة، ويرون الشهادة خلوداً، ويرون الذل جحيماً، ويرون رؤساءهم أصناماً تعبد في الأرض من دون الله، ويرون أنفسهم غرباء في أوطانهم، ولم يبق لهم من حل إلا إصلاح هذه الأوطان.

نحن لا نراهن على جيل يناير فقط، بل نراهن على امتدادات هذه الجيل، فهناك أجيال لم تر يوم الخامس والعشرين من يناير، هؤلاء يمثلون جزء كبيراً من مشهد الثوار في الشوارع اليوم، إنهم هؤلاء الأطفال الذين شاهدوا الثورة في التلفاز، وشاهدوا الثوار من شرفات منازلهم، وحبسهم آباؤهم في المنازل لكي لا يشاركوا في معركة الجمل، ولكنهم نزلوا إلى الميدان بعد خلع مبارك، ورأوا ولمسوا الحرية عياناً بياناً، فأصابتهم (نداهة) الثورة، فأصبحوا يبذلون أرواحهم رخيصة في سبيلها.

هذا الجيل الذي دفع آلاف الشهداء والمصابين والمعتقلين والمطاردين وما زال مستمراً.. لا يبالي، ولا يعبأ بأي صفقة عقدها أغوات العرب مع أسيادهم الأمريكان !

إن قدرة الأمريكان على تغيير الواقع على الأرض اليوم في أضعف حالاتها، وهم بعد أثمان غالية دفعوها في أفغانستان والعراق، لا يملكون سوى قدرات نظرية، وقدرات وكلائهم في القصور، وقدرة الأنظمة العربية على استشراف أي رؤية ترضي شعوبها ولو مرحلياً أو جزئياً معدومة، وقدرة اقتصاديات هذه الدول على تمويل أحلام الملك المزعومة محبطة لهم، لا لنا.

وفي الوقت نفسه، قدرة شعوبنا على الصبر انتهت، ورغبة شبابنا في التحرر لا مثيل لها، ودافعهم بعد كل هذه الدماء لا يمكن الاستهانة به، وحواجز الرعب القديمة لم تعد قائمة عند هذا الجيل الذي ألف مشاهد الدم.

لقد قررت أمريكا ما قررت في أفغانستان، وفشلت، وفي العراق، وفشلت، وفي إيران، وفشلت، وفي غالبية دول أمريكا الجنوبية، وفشلت فشلاً تاريخياً ذريعاً.

وعليه، لا تخوفونا بخطط دولية وإقليمية مزعومة بين العملاء الذين يحكموننا وبين أسيادهم، لأننا خلعنا من قبلَهم، وأفشلنا خططاً أقوى بنياناً، وأعمق جذوراً، وأكثر تماسكاً، من هذه الخطط الجديدة المرسومة كدخان الحشيش في الهواء !

ليس لي إلا طلب أو رجاء أو التماس واحد : تذكروا جيداً أن رغبة الدنيا كلها ضدنا، وأن أمريكا ضدنا ... لكي لا يقول أحمق حين ننتصر إن ذلك كان برغبة أمريكية، كما قيل ذلك في الموجة الأولى من ثورات الربيع العربي !

عاشت مصر للمصريين وبالمصريين ..

موقع إلكتروني: www.arahman.net

بريد إلكتروني: [email protected]
التعليقات (9)
أيمن عصمان
الثلاثاء، 30-12-2014 02:44 ص
رغم طلبك سيخرج من يقول إنها مؤامرة صينية!!!!!!!!!
هديه سلامه
الإثنين، 29-12-2014 06:19 م
الظلمه نجحوا فى تخويف الشباب بعد القتل والاعتقالات حتى البنات لم تسلم وكل ذنبهم انهم فرحوا بالحريه وطلعوا فى المظاهرات وعودة رموز النظام السابق الى الحقل السياسى والحرب على الدين الاسلامى
د اليماني الفخراني
السبت، 27-12-2014 08:56 م
العلامة القرضاوي آية الله العظمى د /اليماني الفخراني [email protected] آية الله العظمى لقب علمي يطلق على الفقيه إذا بلغ مرتبة الاجتهاد ،وليس مجرد لقب يشعر برفعة المسمى وعظمته،وهل هناك من بلغ هذه المرتبة العلمية العظيمة في هذا العصر وأكثر استحقاقاً لها كالعلامة القرضاوي ؟؟؟.فمن هو العلامة الذي اجتمع عليه كارهي الإسلام ومن تبعهم من الجاهلين والحاقدين ،حتى وضعوه على قوائم الاعتقال للبوليس الدولي؟؟. العلامة القرضاوي:هو العلم الواسع،والثقافة الغزيرة،والحكمة البالغة،والآية الناطقة ،والحجة البالغة،والمعارف الكونية والإلهية،والفيوضات الربانية، والعلوم الكسبية واللدنية ،مع فصاحة اللسان،والبيان الساحر والأدب الباهر، والبلاغة التي تمتلك العقول والقلوب ، والملكات الأخرى التي تستهوي الأسماع والنفوس والعيون مما دون في مؤلفاته الثمينة أو سجل في محاضراته العميقة،ومؤلفاته خير شاهد ودليل ،ففي فقه الزكاة العمدة فيه هذه الفريضة،وفي فقه الجهاد الميزان بين الجهاد والإرهاب،وفي الحلال والحرام في الإسلام الوسطية التي يأبهاها المتطرفون والمفرطون ويقبلها العقلاء. العلامة القرضاوي :هو الأخلاق القدسية ،والمواعظ القرآنية،والعلامة الربانية،والشمائل المحمدية،والقدوة الحسنة،والأسوة المثالية،والصدق في القول والفعل،والإخلاص في السر والجهر،والتفاني في الموعظة والنصيحة،والوفاء في القرب والبعد،هو العزيز النفس،والكريم البذل،والسخي في العطاء يستوي عنده العسر واليسر،هو العفيف في الشباب والكهولة، والحليم عند الغيظ والمغاضبة،إلا إذا انتهكت حرمات الله،كان يعفوا مع القدرة على المؤاخذة،ويتواضع ويخفض الجناح للمخلصين،وهو الشهم المترفع على المنافقين والمستكبرين،وهو اللين للحق وأهله ، والشدة على الباطل وجنده ، هو الشجاعة التي تهابها الأمراء والعظماء،يقرع رأس الظالمين،ويطيح بهامة الجاحدين،عجز الرؤساء عن الدنو من مكانته،وحسدوه لرفعته،ونقموا منه لإيمانه،فكادوا له كل المكائد،فأخرجوه من قريته لطهارته،وسجنوه حتى مات سجانه،رفع الله ذكره ،ووضع وأخفى ذكر سجانه،فعلى الله توكل ،وعلى سيرة نبيه صلى الله عليه وسلم سار،فكان الله معه فما خاف غيره،وكان قدوته نبيه صلى الله عليه وسلم فعز وارتفع،فالإيمان والتوحيد،والصبر في القرآن وأين الخلل كلها تنطق بموسوعيته الأخلاقية . العلامة القرضاوي:هو الأعمال النافعة،والمشروعات الناجحة،والمؤسسات الخيرة النافعة،والمساعي الجديدة،والمعاهد التعليمية البناءة،والاجتهاد في ترقية الأمة،البناء للنفوس،والمهذب للأرواح، والمدافع عن الملة،والحامي للعقيدة والشريعة،وفيلسوف الخلاق العظيم،والداعي إلى التوحيد والتأليف،اشتغل بالتعليم والتأديب،والتربية الصحيحة للمريدين،جمع بين علوم الدنيا والدين،كما اهتم بمواساة البائسين والمعوزين،وكفالة أولاد الفقراء والمساكين،وأنا على ذلك من الشاهدين فأنا ابن قريته،والشاهد لكرمه وسخائه،فمعهد الصحوة الديني الإعدادي الثانوي،ومسجد الصحوة ومستشفى الصحوة خير دليل على ذلك . العلامة القرضاوي :هو الآمال البعيدة،والنجوم الشاهقة،والكواكب الدرية، والعمارات الناطحة،والجبال الراسخة،هو المقاصد الحميدة،والأهداف النبيلة التي كانت مطوية في ذلك الجرم الصغي،الذي انطوى فيه العالم الكبير، هو الآمال التي تتضاءل دونها همم الملوك والأمراء،وتتصاغر أمامها نفوس الزعماء والأغنياء الذين هم عن استعمال مواهبهم مصروفون،وعن الثقة بربهم محجوبون،وعن سسن الله في خلقه جاهلون،وعن الاقتداء بنيهم ذاهلون،والتأسي بأخلاقه معرضون.إلا من رحم ربك . العلامة القرضاوي :هو المصلح العظيم ،والفيلسوف العميق،والصوفي الإيجابي،والمجدد الحكيم،إنه لم يظفر في شعب من الشعوب الإسلامية - فيما أعلم - بمن يصلح أن يكون خليفة له،ومتمما لإصلاحه بما يرجى به دوامه،ومكملاً لمشروعه،ومستمراً في اجتهاده،بعد أن وجه إليه الوجوه،وعلقت بطلبه القلوب،على كثرة من المصطبغين بصبغته،وهو الإمام المصلح بلا نزاع،وهذه المكانة وأعني بها إمامة الإصلاح والتجديد،لا يرتقى إليها بوسائل الذكاء والتفكير والتربية والتعليم وحدها،بل لا بد فيها من الاستعداد الروحي والمواهب الفطرية ،والاصطفاء الرباني،والفيض الإلهي. العلامة القرضاوي: سليم الفطرة،قدسي الروح،طاهر النفس وكبيرها،تقي القلب وذكي العقل،نقي التصوف،صحيح العبادة،ملك الدنيا ولم تملكه،لهثت خلفه المناصب ولم تشغله،أعده الله تعالى لوراثة هداية الأنبياء،فكان نجما في سماء العلم والتربية،هذا النجم يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار،وهو سيف الله المسلول سلطه على رقاب أعداء هذا الدين ،فأخذوا في التدبير والمكر له،ولكن هيهات هيهات فلآية الله العظمى القرضاوي رب يحميه.
محمد ابوالمجد
السبت، 27-12-2014 06:21 م
لو كان كل شئ بالخطيط والمؤمرات ولكن الكل يدعى انة خطط ويستعمل الوهن والخوف عند الشعوب الضعيفة فيسخر الوضع الحالى لصالحة ويركب الموجة لهذا الكون الة هو المدبر
pearsl shine
السبت، 27-12-2014 06:18 م
الثائر رغم المصاعب والمحاربه والظروف.فسلامآ.

خبر عاجل