قضايا وآراء

محو الأمية تعبير سيئ السمعة

محمد الأسواني
1300x600
1300x600
إن المجتمعات الإنسانية عامة والعربية منها خاصة، كثيرا ما تركن إلى ما هو شائع على كونه صحيح مما يجعل العامة يتلقون الشائع دون تحقيق أو مراجعة ومن ثم تثبت المغالطات في الأذهان وتصبح المفاهيم الخاطئة كما لو هي جزء من الموروث المعرفي الذي لا يجب انتقاده ولا يستحق التدقيق فيه، وأنا أرى أنه في ظل التوترات السياسية والصراعات الإقليمية والحروب ولا سيما بلادنا العربية لم تتوقف الاعتداءات عليها من المحتلين وقلما نجد من يصحح مثل تلك المفاهيم وهكذا نجد أنفسنا أمام هذا اللفظ الغريب وهو (محو الأمية).

إن لفظ الأمية كمصطلح شائع يفهم على نحو خاطئ وقد رسخ في العقول بأن كلمة أمية تشير إلى الجهل بالقراءة والكتابة! وعندما بدأنا البحث والتنقيب في الكتب والمراجع لاحظنا شيء غريب وهو غياب هذه الكلمة المسماة بـ (محو) من جميع أمهات الكتب وعدم اقترانها بكلمة الأمية في أي وجه من الأوجه بحيث تثبتنا وتأكدنا بأن هذا اللفظ المسمى (بمحو الأمية) لم يكن متداولا على الإطلاق في الوثائق القديمة ولم يظهر وينتشر هذا التعبير إلا إبان حكم الملك فؤاد الأول في مصر حينما كان مستشاروه من اليهود (الصهاينة) هم من كانوا يسيطرون على المطابع والنشر وكان مستشارو وزارة المعارف والسينما والإذاعة في العشرينيات من القرن الماضي هم أنفسهم من ملؤا الكتب بهذه التعبيرات، والشائع حينها أن الكثيرين من اليهود المصريين يحملون أسماء عربية ما يدفعك لتصديقهم.

وكان أحدهم اليهودي دنلوب: مبشرا إنجليزيا عمل مستشارا في وزارة المعارف المصرية، وهو كان ممن يعنون بالمناهج التعليمية في مصر وأشرف على تنفيذها بنفسه وكان من بين الأعضاء المصريين حبر اليهود في مصر حاييم ناحوم، وهو تركي استقر في مصر وتجنس بجنسيتها، وكان على حظ وافر من معرفة الألسن الشرقية والغربية ومنذ ذالك الوقت بدأ نشر تلك المفاهيم التي تربط لفظ الأمية بعدم معرفة القراءة والكتابة أو بالجهل وبينما كان بني إسرائيل وفي وقت الأنبياء يحصرون مفهوم أميين وحتى وقت مجيء الرسالة الإسلامية في معنى محدد وهو الأمم الأخرى أي قويم (جويم) ممن لا يستحقون تعلم الكتاب أي الرسالة الموسوية ولذلك ظلت التعاليم التوراتية حكرا على اليهود دون الأقوام الأخرى من غير بني إسرائيل، وبعدما تيقنوا بأن النبي الخاتم من أبناء إسماعيل أي من الأميين أي من أمة من غير بني إسرائيل أثارة غضبتهم وحقدهم وهكذا بدأوا ينفثون أفكارهم السامة وأشاعوها بين البشر بأن القويم (الأميين) ليسوا فقط جهلاء بل هم مثل الكلاب وكذلك ألصقوا مفهوم الجهل بالأميين والمتتبع لسيرة المسيح ابن مريم سوف يتعرف على السر الدفين الذي بسببه كان عداء اليهود له وهو حرصه عليه السلام على نشره للتعاليم التوراتية الصحيحة بين أقوام أخرى من غير بني إسرائيل، وهذا ما جعل أحبار اليهود حاخاماتهم حانقين عليه وكارهين له وأنكروا عليه أن يكون مسيحهم وما لبثوا أن دبروا له الكثير من المكائد للخلاص منه.

من هذا يتضح أن محور الصراع بين بني إسرائيل والأقوام الأُخرى (الأميين) هو الكتاب أي الرسالة (التوراة) التي احتكرها (اليهود) ولم يرغبوا في نشر تعاليمها واحتكروا الشريعة لأنفسهم وحرموا الجويم من اتباعها ولذا عاتبهم وعاقبهم الله بأن نزع منهم الرسالة، وأعطاها لنبي من قوم غير بني إسرائيل أي نبي من الأميين فكان كلام القرآن قطعياً في أن الله أعطى الرسالة للنبي الخاتم كي يُعلم الأقوام الأخرى، لأن اليهود كانوا يخفون التعاليم عن كل من يرغب في تعلم الرسالة الموسوية أو رسالة النبي موسى وكانوا يضلونهم عن التعاليم الحقيقية و لهذا نجد أن (الأميين) لا يعرفون من الكتاب إلا اليسير وليس من حق الأميين ولا آباءهم من الأقوام الأخرى تعلم الكتاب أي ( التوراة).

وسرعان ما تحول مصطلح الأميين عند اليهود من كونهم أقواما أخرى وحسب أو كونهم لا يستحقون تعلم الكتاب أي (التوراة) وكفى، بل إنهم يستحقون المحو والفناء وفقاً لما يعتقدونه وهكذا أصبح شائعا بينهم بما أن الأميين لا يعرفون الكتاب والشريعة فهم كالبهائم وصاروا محقرين في نظرهم، فتسرب المصطلح الثاني الذي يقصد منه الفناء للجويم أو الأمميين (الأميين) ومن ثم تم ترويج شعار محو الأمية الذي يقصد منه إبادة الأميين (أي الأمم من غير بني إسرائيل) أي محو كل الأمم الأخرى فهم لا يستحقون تعلم الكتاب أي الرسالة الموساوية لأنهم ليسوا من نسل يعقوب ولذلك ظلت التعاليم التوراتيه حكرا على اليهود دون الأقوام الأخرى من غير بني إسرائيل وقال عز من قائل في القرآن الكريم (آل عمران) الآية 20، بسم الله الرحمن الرحيم: (وقل للذين أوتو الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلمو فقد اهتدو وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد).

هنا نلاحظ أنها دعوة صريحه لبني إسرائيل والأميين أي الذين لم يتعلما التوراة والإنجيل بأن يتبعوا خاتم الأنبياء محمد رسول الله.

بسم الله الرحمن الرحيم (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل..).

 ومن هذا يتضح أن الإشارة إلى الأميين ليس لها مقصدا عندهم سوى كونهم من الأقوام الأخرى من غير بنى إسرائيل والأمر محصور في هذا المعنى فقط  ولا أكثر من ذلك ونظرة التحقير كانت تلازمهم على كل من هم جويم وعندما يحتقرون شخصا يقولون له يا (جوي) فهكذا قلوبهم ممتلئة غيظا من الأميين وكلما دب الخلاف بين بني إسرائيل والأقوام الأخرى يحقرونهم بأنهم جويم حينئذ، ويصفون أنفسهم على أنهم أبناء الله وشعبه المختار دون باقي البشر.

بسم الله الرحمن الرحيم: (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) سورة (الجمعة) آية 2.

من هذا يتضح أن محور الصراع بين بني إسرائيل والأقوام الأخرى (الأميين) هو الكتاب أي الرسالة التى احتكرها اليهود ولن يرغبوا في نشر التعاليم والشريعة لغير ذويهم فبالتالي عاتبهم وعاقبهم الله بأن نزع منهم الرسالة وأعطاها لنبي من قوم غير بني إسرائيل أي نبي من الأميين فكان كلام القرآن قطعيا فى أن الله أعطى الرسالة للنبي الخاتم كي يعلم الأقوام الأخرى لأن اليهود كانوا يخفون التعاليم عن كل من يرغب فى تعلم الرسالة الموساوية أو رسالة النبي موسى ويضلونهم عن التعاليم الحقيقية ولا يعرفون من الكتاب إلا اليسير وأصبح ليس من حق الأميين ولا آبائهم من الأقوام الأخرى تعلم الكتاب ونلاحظ هذا جليا فى سوره (البقرة) 77، 78، 79.

بسم الله الرحمن الرحيم: (أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون ما يعلنون ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون). وشطر الآية الثاني يعاتب الله فيها بني إسرائيل فيقول عز من قائل: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون).

ومن هنا يتضح أن الإعلام الصهيوني يتعمد نشر تلك المصطلحات التي كررها بمفهوم خاطئ وأشاعها ودسها في الكتب، واستخدمها العرب بدون تحليلها أو إدراك مغزاها الحقيقي الذي يكمن في تحقير الشعوب من غير بني إسرائيل وأصبحت من التعبيرات الشائعة في مجتمعاتنا ومن أشهر الكلمات سيئة السمعة ذلك المصطلح والتعبير المسمي بـــ (محو الأمية) ومثل تلك المصطلحات من أدبيات اليهود التي نشروها بيننا لتحقير بني إسماعيل، ولا تجد هذا التعبير إلا في كتب العرب الحديثة فقط وفي جميع (لغات) العالم تستخدم تعبيرات أخرى تفيد تعلم القراءة والكتابة وحتى في اللغات الأخرى لا يقال عنها (محو الأمية) ولكن يقال عنها تعلم الحروف أو تعلم القراءة والكتابة أو الذين لا يجيدون حروف الهجاء  ( Literacy)، ونجد من اليهود ممن أشاعوا في بلاد العرب بأن كلمة أمي تساوي جاهل كذلك تساوي عدم معرفة القراءة والكتابة كما لو أن تلك الكلمة ليست بعربية، فإن كان مخترع هذا المصطلح من أصل عربي أو مسلم لكان أجدر به أن يستخدم تعبيرات تدل على البلاغة في استقامة المعنى وتناسق التعبير وجمال التركيب، فمثلا اللسان العربي الذي تعلم من رسول الإسلام الذي كان يدعو بالحسنى ويقول: (إن الدين النصيحة)، فبالتالي يصبح التعبير هكذا (اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد)، وحتى إن لم نقدر على إيجاد تعبير بليغ كهذا لكان على الأقل القول في هذا الشأن مثلا: (حملة القراءة والكتابة، هيا نتعلم الكتابة، أو القراءة مفتاح العلم أو القراءة باب العلم أو العلم مدخل الإيمان، أو تعلموا حروف لسانكم العربي أو حملة النور والمعرفة ) وغير ذلك الكثير من التعبيرات البديلة، فمن واجب العرب ألا يسقطوا في وحل التقليد الأعمى الذي مع مرور الوقت يصبح كما لو كان جزءا من التقليد والعادة والواقع المفروض ويجب علينا ألا نستعمل تلك التعبيرات المغرضة المحقرة للإنسان فكلمة محو الأمية تعبير غير مفيد وجملته ليست من لسان العرب ولابد أن نرسخ التفسيرات الصحيحة.
التعليقات (0)