صحافة دولية

"جهادي أوروبي".. رحلة زعيم عصابة من كوبنهاجن لسوريا

ظاهرة "الجهادية الأوروبية" تؤرق بعض الدول الغربية - أرشيفية
ظاهرة "الجهادية الأوروبية" تؤرق بعض الدول الغربية - أرشيفية
عرضت صحيفة "الغارديان" البريطانية الثلاثاء على موقعها  فيلما عن دانماركيين قررا القتال في سوريا. وأعده نجيب خاجا  باسم "جهادي أوروبي" وتابع فيه رحلة الرجلين، أحدهما قطع الرحلة من شوارع وعصابات كوبنهاجن إلى ساحات المعركة في جبل الزاوية.

الأول عمره 40 عاما وأب لثلاثة أطفال، ولم يرد أن يكشف عن هويته، أما الثاني فليس مهتما ويعرف أنه طالما تجنب الجماعات الجهادية المصنفة بالإرهابية، فهو يعرف أنه لن يحاكم بموجب القانون الدانماركي.
 
في البداية تابع خاجا رحلة الرجلين من كوبنهاجن إلى هاتاي في جنوب تركيا، حيث انضما لعدد من المقاتلين الذين كانوا ينتظرون في بيوت آمنة كي يتم تهريبهما لداخل سوريا.

وانضم للدانماركيين شاب جهادي بريطاني. وثلاثتهم قرروا القتال في صفوف "أحرار الشام".

وركز الفيلم على شخصية الرجل الذي لم يخف الكشف عن هويته أو تقديم نفسه، والذي كان يعرف في شوارع كوبنهاجن بـ "بيغ إي" وقضى عشرة أعوام في السجن بتهم قتل وتشويه وضرب ويتزعم واحدة من أخطر عصابات الجريمة المنظمة في الدانمارك.

وفي جبهة القتال كان اسمه عبد الزراق بنعربي، ابن مهاجر مغربي، وولد في الدانمارك، وهو واحد من مئات المتطوعين الأجانب الذي وصلوا لسوريا لمواجهة نظام الأسد. 

وجاء قرار بنعربي السفر لسوريا بعد مروره بمرحلة اكتشف فيها هويته وأزمة صحية لشقيقه، حيث عاهد الله إن كان خاليا من مرض السرطان الذي أصاب شقيقه فسيتوب.

ولأن الصلاة لم تكن كافية لرجل له تاريخ في القتل والسرقة، قرر السفر والجهاد، كما يقول. 

ويصف المخرج رحلة بنعربي لسوريا عام 2012، "إنها مزيج من القلق والفضول والحاجة للتطهر الذاتي".

ويقول: "تابعت بنعربي وتجاربه في شمال سوريا، ولاحقا في كوبنهاجن من أجل إعداد فيلم تسجيلي لصالح الغارديان عرض الثلاثاء، وتم تصوير لقطات الفيلم في عام 2012، ولكن المشاهد التي تكشف عنها تقدم صدى جديدا في ضوء القلق المتزايد من تدفق أعداد من الأوروبيين للقتال في سوريا، حيث يقدر البعض عددهم بـ 1000 متطوع".

ويضيف أن الإبحار لم يكن سهلا لهذا الدانماركي، فقد دخل سوريا زحفا من خلال فتحة في السياج الذي يفصل الحدود التركية عن السورية، وركض مع زملائه المسافرين مدة 10 دقائق في الحقول قبل أن يصلوا لسيارة، "كانت تنتظرهم حيث نقلوا لجبل الزاوية في محافظة إدلب شمال غرب سوريا".

وهناك التقوا مع كندي من أصل عراقي بلحية طويلة وزي عسكري، حيث قال: "إن شاء سنستبدل بشار الأسد بدولة إسلامية، أنا متعب من الفجور في كندا ولو نجحنا فسأعيش هنا"، وكان في استقباله أيضا ثلاثة أوزبكيين، اثنان منهما لا يعرفان  التحدث بالعربية ولا بالإنجليزية، ويتواصلان مع المقاتلين بلغة الإشارات".

وتابع: "في كل صباح يذهب المقاتلون للمشاركة في المعركة المشتعلة قرب بلدة أريحا، أما بنعربي فهو يتحمل رحلة متعبة ومثيرة للإحباط مع المقاتلين، ولم يعط حتى هذه اللحظة بندقية. ويصادق مجموعة من المقاتلين الشباب، يقولون إن أعمارهم هي السادسة عشرة مع أنهم أصغر عمرا من هذا، ويرافقهم ويتشاركون في تدخين السجائر، ويقترض من أحدهم بندقية إي كي- 47 لاستهداف العدو، وهو بالتأكيد يعرف كيفية استخدام السلاح ولا يريد تدريبا".

أضاف: "لكن مشهد المعارك متجهم حتى لرجل جرب العنف، مقاتل على مدفعية يصاب بوجهه ليس بعيدا حيث كنت أقف، وتخترق الرصاصة جمجمته وتصيب مقاتلا  كان خلفه في صدره، وأصيب مقاتلان آخران حيث كانا يطلقان النار على القناص، وتبعتهما إلى المستشفى الميداني وهو عبارة عن غرفة نوم  في واحد من البيوت، واخذت بالتصوير في الوقت الذي كان فيه الأطباء يحاولون إنقاذ حياة مقاتلين أخرين أصيبا ولكن بدون فائدة، ومات  الثلاثة وقام رفاقهما الذين أصابهم الحزن عليهم بتغطيتهم بالشراشف".

ومع تزايد القصف المدفعي يلجأ بنعربي والمقاتلون إلى  الطابق الأرضي في عمارة، والفكرة هي أن القذائف لا تخترق الطوابق العليا، وكل ما فعلوه هو الإنتظار والصلاة في الوقت الذي كان فيه يرتفع صوت الطائرات وسقوط القنابل، وبدأت الإنفجارات تقترب أكثر فأكثر، بحسب الكاتب.

وفجأة حدث انفجار هز البناية، وانهارت الأنقاض وتحطم الزجاج، وامتلأ الجو بالغبار، كان الهجوم قريبا".
 وفي هذا الجو جلس قائد المجموعة إبراهيم أبو محمد- رجل صغير الحجم ويتكلم بهدوء وبخدود وردية- يقرأ القرآن.

وقال "سنبقي هنا ونظهر لهم أننا صامدون" و "وسنريهم أننا لا نخشى إلا الله".

في تل الليلة بدأ الدانماركي الثاني يتصرف بطريقة غريبة، حيث أثر عليه ما شاهده من عنف وأصبح مصابا بالرهاب ويعتقد أن المقاتلين يريدون قتله، واعتقد أن كاميرا المخرج تجعلهم يتصرفون بعصبية "وحتى أشعره بالطمأنينة توقفت عن التصوير وقلت للقائد إن الكاميرا كسرت".

في الأيام الأربعة التي تلت الحادث أنخرط بنعربي في القتال، وجاء في ليلة وقد أصيب بشظية في ظهره، وقد أثنى المقاتلون على شجاعته في قيادة المجموعة، وتطوع للقيام في كل مهمة.

وعبر المقاتلون الشبان عن أملهم في أن يقودهم بنعربي يوما ما، وتحدث بنعربي عن شراء بيت في البلدة، ودعم وتسليح الفرقة بنفسه "وأصبح أكثر حماسا في اعتقاده بأهمية القتال، وأنه يقاتل من أجل قضية عادلة".

وقال: "يجب أن نوقف تقدم الجيش السوري وإلا حدثت مجازر أخرى مثل داريا".

و"لكن القائد اكتشف سريعا أن فائدة بنعربي أفضل في الخارج، حيث يقوم بجمع التبرعات والإمدادات وهو في كوبنهاجن. وهو ما أغضب بنعربي الذي عقد اتفاقا مع القائد أنه سيحضر المساعدات مقابل السماح بالبقاء والقتال في سوريا"، بحسب الكاتب.

في العاصمة الدانماركية يجمع بنعربي مبلغ 50.000 جنيه استرليني. وقيل إنه جمعها من خلال فرض ضرائب على تجار المخدرات. واشترى ثلاثة سيارات وملأها بالمعدات الطبية.

ويقول أيضا أنه ينقل بعض المعدات المتقدمة مثل مناظير ليلية.

يقوم بنعربي بقيادة الحافلات هو والمساعدين له باتجاه سوريا ويقدمها للمقاتلين. ويخطط البقاء ومواصلة القتال. "ثم يختفي، واكتشف لاحقا أنه عاد لكوبنهاجن، ولكنه لم يقل لماذا لم يبق في سوريا، ولكن حدثت سلسلة من المعارك بين العصابات في الدانمارك وانتشرت شائعات أن عصابة منافسة له كانت تحاول لتقوية موقعه". التقي مع بنعربي في المغرب، حيث كان مختف من تهمة ارتكاب اعتداءات جسيمة.

وقال الكاتب: "مع ذلك فهو  فخور بما فعل في سوريا ولا يزال يتحدث  وكأنه متدين ولكن ولاءه لعصابته تفوق على كل شيء".

ويقول عن أفراد العصابة: "هؤلاء هم إخوتي، الذي نشأت معهم وعندما يحتاجوني فعلي أن أفعل ما يمكنني فعله من أجلهم".

في الوقت الحالي بنعربي يقبع في السجن في كوبنهاجن، وآخر ما سمعته عنه أنه في المستشفى بعد تعرضه للضرب من عصابة منافسة.
التعليقات (0)