مقابلات

الحمداوي: "التوحيد والإصلاح" تجربة مغربية خالصة (فيديو)

المهندس محمد الحمداوي رئيس حركة التوحيد والإصلاح المغربية - عربي21
المهندس محمد الحمداوي رئيس حركة التوحيد والإصلاح المغربية - عربي21
أكد محمد الحمداوي، رئيس حركة التوحيد والإصلاح المغربية، أن قوة التوحيد والإصلاح، في كونها تجربة مغربية وفي انفتاحها على مختلف التجارب والإبداعات العالمية، وأنها لم تكن في يوم من الأيام عضوا لا في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ولا في تنظيم غيره، وذلك ردا على أصوات نادت بحل هذه الحركة بالمغرب مؤخرا، زاعمة ارتباطها العضوي بالإخوان المسلمين بعدما أعلنتها سلطات الانقلاب في مصر "تنظيما إرهابيا"، مخاطبا تلك الجهات بأن الحل ليس حلا وإن التوحيد والإصلاح أكبر من مجرد هيئة، رابطا خطابهم ذاك بسياق ظهور حركة تمرد المصرية قبل الانقلاب والتي تبعتها تمرد التونسية ثم المغربية.    

وأضاف المهندس الحمداوي، في مقابلة مع صحيفة "عربي21"، أن الحركة الإسلامية بالمغرب على تنوعها واختلافها استطاعت أن تتجاوز مرحلة التقاطب، وأن يكون هناك نوع من الاختلاف الذي لا يصل إلى الصراع الصفري الذي يقول إنه لكي تشتغل ينبغي أن تزيح الآخر. 

رئيس منتدى الوسطية بإفريقيا، الذي يضم في عضويته ثمانية دول في انتظار التحاق ثلاث أخرى قريبا، سلط الضوء في هذا الحوار عن جهود ومبادرات المنتدى في إطار مدافعة فكر الغلو والتشدد بإفريقيا والتمكين لفكر الوسطية والاعتدال، كما أنه تناول بالتقييم والتحليل مرور سنتين ونصف من عمر الحكومة المغربية بقيادة حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، معتبرا أن التحلي بالجرأة والشجاعة بالإقبال على ملفات لم يفكر البعض حتى في مجرد الاقتراب منها عنوان مؤطر لأداء حكومة عبد الإله ابن كيران.  

القيادي الإسلامي لأحد أكبر التنظيمات الإسلامية بالمغرب، قال إن تكهنات من سيخلفه على رأس التوحيد والإصلاح خلال المؤتمر الوطني الخامس الذي لم يتبق عليه سوى ست أسابيع، تبقى قاصرة مهما بلغت، عن توقع اللائحة الحقيقية للمرشحين الخمسة وهي العملية التي يساهم فيها حوالي 500 مندوب أثناء انعقاد الجمع العام بحسب الحمداوي، الذي يرى أن التوحيد والإصلاح مطالبة في المستقبل بتجاوز قياس مستوى الإسهام في ترشيد التدين إلى قياس مستوى التعاون مع كل أولئك المساهمين في ترشيد التدين وفي إنجاز الإصلاح ومحاربة الفساد. 

وفيما يلي نص المقابلة:

تعالت بعض الأصوات مؤخرا متهمة إياكم بالارتباط العضوي بجماعة الإخوان المسلمين، بعدما أعلنت من طرف سلطات الانقلاب بمصر "تنظيما إرهابيا" بل ذهبت ذات الأصوات حد المطالبة بحل حركة التوحيد والإصلاح التي ترأسونها، ما هو تعليقكم؟

بسم الله الرحمان والرحيم، لا شك أن الباحثين عن كل الصيغ لربط حركة التوحيد والإصلاح بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، غرضهم أن يتم استيراد ما حدث في مصر ويتم تعميمه في الحالة المغربية، وعلينا ألا ننسى بهذا الصدد أنه عندما ظهرت حركة تمرد في مصر والتي سبقت الانقلاب العسكري، ظهرت حركة تمرد كذالك في تونس وقد حاولت حركة النهضة تفويت الفرصة على ذالك التقاطب، وظهرت أيضاً حركة تمرد في المغرب، وعليه فالذين يعملون على استدعاء الحالة المصرية لتعميمها بالمغرب لا يمكن أن يجدوا في هذه العلاقة وسيلة لربط حركة التوحيد والإصلاح المغربية بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، فالتوحيد والإصلاح  هي حركة مغربية خالصة وفي ذات الوقت انفتحت وما تزال على إنتاجات وإبداعات مختلف مكونات الحركات الإسلامية عبر العالم، نماذج الحالة التركية والحالة الباكستانية وجماعة الإخوان المسلمين وبعض الاتجاهات العلمية من المدرسة السلفية إلى غير ذالك، فقوة التوحيد والإصلاح في كونها تجربة مغربية منفتحة على مختلف التجارب ولم تكن في يوم من الأيام عضوا لا في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ولا في تنظيم غيره، مما يجعل ذالك الربط غير ممكن بالمرة، والمسألة الثانية بهذا الخصوص هو أننا نتأسف بشدة لخطاب المطالبة بحل حركة التوحيد والإصلاح ونقول لأولئك أن هذا الخطاب انتهى، ولا يمكنه الوصول لتلك الأهداف، لأن الحركات الإسلامية ليس هيئة دورها مرتبط بمدى حلها أو منعها، بل على العكس ومن خلال الدور الذي قامت به الحركة الإسلامية عموما، فكل محاولات الحل أو الإقصاء أو المنع أو التضييق لم تفلح في إزالتها واستئصالها من واقع المجتمعات العربية والإسلامية، بل على العكس من ذالك أكدت ضرورة وجودها. وحلها من عدمه، مرتبط بمدى استمرار أدوارها في المجتمع والدول العربية والإسلامية، وبالتالي فهي جاءت نتيجة حاجة المجتمع إليها، وعليه أقول للمطالبين بحلها إن الحل ليس حلا، ولم يكن حلا من قبل، والإقصاء والمنع والتضييق لم يكن في يوم من الأيام حلا في حق الحركة الإسلامية أو غيرها، بل نرى اليوم أن الحالات التي تتسم بنوع من التوافق مثل الحالة التونسية والحالة المغربية، مسار الإصلاحات فيها سائر في الاتجاه الإيجابي، لأن أنظمة هذه البلدان لم تختار خيار الحل والمنع، وكل البلدان الأخرى التي اختارت خيارات الحل والمنع والتضييق والاعتقال نرى كيف أن ذالك كان له أثر على الانسداد السياسي وعلى التدهور الاقتصادي وعلى زعزعة استقرار تلك البلدان.

بحكم ترأسكم اليوم لمنتدى الوسطية بإفريقيا، ما هي أبرز المبادرات والجهود التي قمتم بها لمحاصرة أو الحد من فكر الغلو والتشدد خاصة ببلدان الساحل والصحراء؟
 
بالفعل يمكن الحديث عن مبادرات في هذا المجال بدل محاولات محاصرة فكر الغلو والتشدد، لأنه وكما يعلم الجميع هذا منتدى وليس تنظيما، ولا هيئة مركزية، وبالتالي فبعد سنتين من ترأس موريتانيا لهذا المنتدى في شخص جمعية المستقبل للدعوة والثقافة والتعليم برئاسة محمد الحسن ولد الدَّادُّو بعد التأسيس، تم نقلها منذ السنة الماضية للمغرب في شخص محمد الحمداوي، رئيس حركة التوحيد والإصلاح، وعليه فإن المنتدى يحرص على انعقاد هيئة الرؤساء لتبادل التجارب والمعطيات حول الوسائل المعتمدة لترشيد فكر الصحوة الإسلامية وترشيد التدين بهذه البلدان الأعضاء في المنتدى، وبين الانعقادين تعقد الأمانة العامة، حيث نكون سباقين في مجموعة من القضايا إلى إصدار بيانات وبلاغات من خلال قراءتنا لما يجري في تلك الدول، ويحضرني هنا كنموذج موريتانيا وحالة إفريقيا الوسطى ونيجيري، ونحس أن تلك البيانات خاصة عندما تكون في بداية عدد من المشاكل والأزمات تكون فيها إشارات وتأطير لهذه الحركات المنضوية في منتدى الوسطية، فمثلا وفي آخر زيارة قادتنا للسينغال الشهر الماضي، وجدنا أثرا للبيان الذي أصدرته الأمانة العامة للمنتدى، وعلى منواله تم إصدار بيانات أخرى سواء في السينغال أو في موريتانيا، وهي من الدول الأكثر ارتباطا بالمنتدى، واتفقنا كذالك على أن يقوم كل بلد عضو في المنتدى بتنظيم لقاءات للطلبة الذين يدرسون في نفس البلد وينتمون إلى الدول الأعضاء بالمنتدى، حيث أن الشباب والطلبة ومساهمة في ترشيد واقتناعهم بفكر الوسطية والاعتدال، سيكون له الأثر حينما يرجعون لبلدانهم للمساهمة في التقليل من فكر التشدد والغلو، ودعني أقول أن مواقف منتدى الوسطية في الكثير من القضايا كان فيها من الوضوح ما يكفي بأنها ترفض أي شكل من أشكال التطرف والغلو، وتدعوا دائماً إلى التوافقات بين مختلف الفاعلين بهذه البلدان كما حدث مع دولة مالي نموذجا.  

ولعل من بين مؤشرات أثر وفعل منتى الوسطية بإفريقيا كذالك ما توصلنا به مؤخرا من طلبات للانضمام للمنتدى من طرف كل من دولتي التشاد والسودان اللتان سيلتحقان قريبا بالمنتدى، وفي الغالب ستنظم كذالك بعض الحركات الإصلاحية بالصومال إليه، وهي أمور إلى جانب أُخرى، سيتم البث فيها عشية انعقاد المؤتمر الوطني الخامس لحركة التوحيد والإصلاح شهر غشت القادم بعون الله، حيت ستلتئم الأمانة العامة لمنتدى الوسطية بالمغرب إن شاء الله. وإلتحاق تلك الدول سيعزز من أعضاء المنتدى الثمانية وهم كل من المغرب وموريتانيا والسنغال والجزائر والبينين ومالي والكوديفوار وغامبيا. 

أشرت للمؤتمر الوطني الخامس لحركة التوحيد والإصلاح والذي سينعقد أيام 8/9/10 من شهر غشت 2014، ما دلات توقيته وما هي أبرز الرهانات التي ستذهبون بها لهذا المؤتمر؟

زمن المؤتمر دلالته تعني الالتزام بمواعيد الجموع العامة للحركة، والتي ينبغي أن تجرى كل أربع سنوات وهذا أمر مهم، وإن كانت الحركة اعتادت عقد جموعها العامة في موعدها القانوني، فإننا نعلم جميعا، أنه من الناحية الديمقراطية ومن ناحية مشروعية المؤسسات القيادية للتنظيمات والحركات، فإن احترام هذا الموعد له دلالة كبيرة، لأن أي إخلال أو تعثر أو تمديد أو عدم الالتزام بهذه المواعيد، سيمس بمشروعية قيادة أي حركة أو جمعية مما يدفعها للاستنجاد بمشروعية تاريخية أو تأسيسية. في حين الحركة تتجه اليوم لعقد الجمع العام الوطني في موعده لأن أربع سنوات التي تنص عليها قوانين الحركة في موضوع تجديد قيادتها قد انقضت.
 
أما عن الرهانات فإن الرهان الأول للجمع العام الوطني الخامس -والرئيس الحالي في آخر ولاية يسمح له بها القانون- فهو أن ينعقد هذا الجمع وأن يختار قيادة جديدة للمرحلة المقبلة لهذه الحركة في ظل التحولات الجارية، ثم الرهان الثاني، هو تتويج نقاش عام ومفتوح في فضاءات الحركة المختلفة والتي تطرح من خلاله مشروعها ككل وأولوياته للنقاش، وما سيتولد عن هذه النقاشات من تحديد للتوجه العام للمرحة وتحديد أولويتها، وهذا رهان مهم لأن القيادة الجديدة عندما يتم اختيارها يجب أن تلتزم بما قرره الجمع العام من أولويات وخيارات.

ضمن هذه الرهانات كذالك، أن الحركة وبعد العنوان الذي أطر مرحلة (2010و2014) والذي هو الإسهام في ترشيد التدين وتعزيز سمو المرجعية الإسلامية في قضايا تدافع القيم، فاليوم وعلى ضوء النقاش المفتوح على المستوى الوطني والمحلي وبشكل تفاعلي بينهما منذ سنة تقريبا، يفترض أن يتجاوز ذالك النقاش عنوان المرحلة المنتهية إلى التعاون على ترشيد التدين والتشارك في ترسيخ قيم الإصلاح، بما يتجاوز قياس مؤشرات مستوى الإسهام إلى قياس مستوى التعاون مع كل أولئك المساهمين في ترشيد التدين وذالك انطلاقا من قناعة حركة التوحيد والإصلاح الراسخة من أن لا حركة ولا جماعة ولا حزب ولا وزارة ولا أي جهة كيف ما كانت لوحدها يمكن أن تعمل على إنجاز الإصلاح أو ترشيد التدين، وهو نفس الأمر على مستوى جهود إنجاز الإصلاح بشكل أوسع من خلال محاربة الفساد والدفاع عن القيم الأصيلة لهذه الأمة والقيم المرتبطة بالمرجعية الإسلامية، كقيم الحرية والصلاح والاستقامة والكرامة والعدالة والتي لا يكفي أن نكون معها في موقع المنادي بها والمتطلع لها أو المنبه للمس بها. وذالك بالتعاون مع مختلف المناصرين لهذه القيم ومع من يتفق معنا في الدفاع عن هذا الملف ويختلف معنا في ملف آخر. 

تثار عدد من التكهنات حول من سيخلف محمد الحمداوي على رأس حركة التوحيد والإصلاح وتخوض في تسمية عدد من الأشخاص، فهل لهذه التكهنات من مصداقية في نظركم؟

على هذا المستوى ينبغي التمييز بين أمرين، هناك تكهنات المتابع للحركة بشكل عام فهي متروكة لمستوى المتابعة والتحليل المنبني على ما يتوفر لهم من معطيات وما يفضي إليه من توقعات. أما بالنسبة لأعضاء الحركة فانتخاب الرئيس والهيئات القيادية لا يستند على التكهنات بل هناك مسار ومساطر تفضي في نهايتها إلى انتخاب رئيس الحركة، وهذا المسلسل ينطلق بالجموع العامة المحلية التي تنتخب المندوبين أو المؤتمرين للجمع العام الوطني، والقانون يجعل على عاتق هؤلاء المندوبين مهمة الترشيح لرئاسة الحركة، ثم التداول في الخمسة الأوائل ومدى أهليتهم للقيادة في المرحلة المقبلة، لتُستكمل هذه العملية بانتخاب واحد من أولئك الخمسة، وعلى عكس ما تعتمده بعض الجماعات والهيئات من حصر لائحة المرشحين بشكل مسبق فإن انعقاد الجمع العام لحركة التوحيد والإصلاح لا يعطي الحق لأي هيئة في وضع لائحة المرشحين سواء كانت المكتب التنفيذي السابق أو مجلس الشورى أو هيئة للحكماء أو ما يصطلح عليه البعض بأهل الحل والعقد أو الهيئة المؤسسة.

وعليه فمسلسل الاختيار الديمقراطي بهذا الشكل ينبغي أن نتقدم فيه ونقويه. وأن يبقى دور التداول والترشيح والاختيار حق مضمون لكل أعضاء الجمع العام. 

فمن أجل ذلك، فالتكهنات مهما بلغت تبقى قاصرة على توقع اللائحة الحقيقية للمرشحين الخمسة وهي العملية التي يساهم فيها حوالي 500 مندوب أثناء انعقاد الجمع العام. بل أكثر من ذلك وبهدف توسيع قاعدة الترشيح جاءت مراجعة القانون الداخلي ليطالب المندوبين باقتراح خمسة مرشحين عوض ثلاثة كما كان في السابق. وهو ما مكن من الخروج عن دائرة الأسماء المعتادة والتي تكثر التكهنات بشأنها.

من جهة أخرى فالجمع العام سيكون مناسبة كذالك لملائمة هياكل الحركة مع حاجاتها المستجدة والمواكبة لتطورات الذات والمحيط، والتي أبرزها هذه المرة، -والتي ستعزز البعد الديمقراطي عند الحركة- ما يتعلق باعتماد الاستفتاء العام ليدخل كوسيلة من وسائل اتخاذ القرار، وهذا الأمر إذا تم اعتماده فسيكون فيه إشراك للجميع ويعطي قوة للقرارات التي يحس جميع الأعضاء بالاعتزاز بالإسهام في اتخاذها، والعنصر الثاني ما اقترح من تأسيس لمجالس للشورى على المستوى الجهوي، وهو المقترح الذي سيكمل مشروع اللامركزية الذي انخرطت في الحركة، فالإضافة لما تم من إنشاؤه من مكاتب تنفيذ جهوية وما فوت لها من صلاحيات، تأتي الحاجة لمجالس شورى جهوية كذالك لمتابعة العمل الجهوي، كل هذا طبعا إذا أعتمد المؤتمر هذه المقترحات.  

مرت تقريبا سنتين ونصف من عمر حكومة عبد الإله ابن كيران، كيف تقيمون في حركة التوحيد والإصلاح أداء الحكومة؟

بداية إن تقييم أي مؤسسة ينبغي أن يكون مرتبطا بمؤشرات محددة مسبقا، ولعل أول مقياس علمي وموضوعي ينبغي تقييم عمل الحكومة على ضوئه، هو ما أعلنته من خلال برنامجها الحكومي، وإلا فهناك البرامج الانتخابية لأحزاب التحالف الحكومي، وهناك انتظارات المغاربة قبلها، وهناك انتظارات الحركة الإسلامية بالداخل والخارج حول ما ستحققه هذه الحكومة ذات القيادة الإسلامية، وبناء عليه يمكن تأطير الأداء العام للحكومة الحالية بعنوان التحلي بالجرأة والشجاعة بالإقبال على ملفات لم يفكر البعض حتى في مجرد الاقتراب منها، وذالك على الرغم من كون أولوية هذه الإصلاحات وملحاحيتها كانت محل اتفاق بين مختلف الفاعلين والحكومات السابقة، لكن طبع موقف السابقين نوعا من التوجس لحساسية هذه الملفات،  ويمكن أن يشار على هذا المستوى لملفات كبرى من قبيل صندوق المقاصة، وأنظمة التقاعد، وإصلاح منظومة العدالة، وتفعيل الدستور والإصلاح الضريبي... حيث خاضت الحكومة في عدة ملفات وتقدمت في بعضها واقترحت في بعضها الآخر ووجدت مقاومة في أخرى، وهي الملفات التي ظلت عالقة لسنوات طوال لاعتبارات عدة منها الخوف على شعبية هذه الحكومة أو ذالك الحزب، مما أخر إنجاز العديد من الإصلاحات والملفات الشائكة. ويمكن أن يثار في مستوى هذا التقييم، الملف الاجتماعي الذي أنجزت فيه هذه الحكومة خطوات غير مسبوقة من قبيل منح الطلبة التي لم تعرف ولو زيادة بدرهم واحد في قيمتها منذ السبعينيات إلى أن جاءت هذه الحكومة التي رفعت من قيمتها ووسعت من حجم المستفيدين منها، وهناك موضوع الأرامل والاستفادة المرتقبة ل 300 ألف أرملة في زمن تُصم فيه الآذان بالحديث عن حقوق المرأة دون أن تُطرق مثل هذه الملفات، يحضر أيضاً في هذا الصدد ما تم من تخفيض غير مسبوق لثمان 1500 دواء، والإنجاز هنا ليس باكتشاف الثمن الباهر للأدوية أو أن المغاربة يقتنون أدوية أغلى أحيانا حتى من دول أوروبية بل الفضل في خوض هذا الإصلاح وإنجاز أمر عملي فيه لصالح المواطنين على الرغم من صعوبات الملف، ويمكن ذكر الرفع من الحد الأدنى للتقاعد بالنسبة لموظفي الجماعات المحلية الذي لم يعد أقل من 1000 درهم والأمثلة كثيرة. وطبعا هناك ملفات أخرى الحكومة موقنة بضرورة إنجاز الإصلاح فيها لكن الأمور فيها إما بطيئة أو متعثرة أو فيها مقاومة، والسياسة في المجمل هي فن الممكن، وسُجل لهذه الحكومة نجاحها كذالك في تدبير وإدارة قيادتها (حزب العدالة والتنمية) للتوافقات مع المخالفين له إديولوجيا عبر إعمال المقاربة التشاركية مع مختلف الفاعلين، فضلا عن تفاديها الاستدراج للعديد من التقاطبات والمعارك الهامشية. 

ونحن في حركة التوحيد والإصلاح نؤمن على أن العمل السياسي والحزبي والحكومي هو واحد من مجالات الإصلاح والتغير، من المهم تقييم أداء الحكومة لكن الأهم أن نسائل أنفسنا حول دورنا في هذه المرحلة، إن على مستوى العمل التربوي أو الدعوي أو على مستوى المجتمع المدني، وهذه هي الأوراش التي إن قامت بدورها كما ينبغي فهي تتكامل والمجال السياسي لتحقيق النهضة والإصلاحات التي ينشدها كل بلد وتنشدها الأمة الإسلامية جمعاء. 

كيف تنظر لواقع الحركة الإسلامية اليوم بالمغرب على مستويات تفاعلها وتدبيرها للاختلاف البيني وأفق تعاونها؟

في موضوع الحركات الإسلامية وعندما نقارن بين ما هو موجود في المغرب وحالات التقاطب والصراع الحاد في الكثير من الدول بالعالم العربي على الخصوص وحتى بالعالم الإسلامي، -كالحالة التركية مثلا وليست هذه المرة الأولى،- نقدر أن الحركة الإسلامية بالمغرب على تنوعها واختلافها استطاعت أن تتجاوز مرحلة التقاطب وأن يكون هناك نوع من الاختلاف الذي لا يصل إلى الصراع الصفري الذي يقول بأنه لكي تشتغل ينبغي أن تزيح الآخر، وإن كانت هذه المرحلة حاضرة في مرحلة من المراحل السابقة، وبالتالي ينبغي أن نثمن هذا المستوى من الإنصات للطرف الآخر، وهذا المستوى من التفهم، وأن نبقي على هذا المستوى من التنوع الذي يُصرَّف أحيانا على شكل مواقف مختلفة أو انتقاد من طرف لآخر، لكن المشكل ليس هنا والضرر ليس هنا، بل الضرر والمشكل هو حينما يعتقد طرف ما أن اشتغاله وتقدمه لا يتم إلا عبر إضعاف أو إزالة الطرف الآخر، وهذا والحمد لله تم تجاوزه في كثير من الحالات،  خاصة عندما نتحدث على الأقل عن ثلاث مدارس كبرى هي مدرسة حركة التوحيد والإصلاح ومدرسة جماعة العدل والإحسان والمدرسة السلفية التي هي بصدد التشكل بأشكال متنوعة بين راغب في العمل السياسي وآخر في العمل المدني وآخر يصرف المواقف إلى غير ذالك، وبالتالي هناك نوع من التفهم بين مكونات الحركة الإسلامية بالمغرب. وما يمكن أن تسجله كذالك هو أن مكونات الحركة الإسلامية بالمغرب لم تسقط في فخ التقاطب (ديني/لاديني)، لأنه لا ينبغي أن يكون هناك صراع بين الحركات الإسلامية بل المطلوب التفهم، لكن شخصيا لست متفقا على أن يكونوا في محور أو قطب أو جبهة تجمع الحركات الإسلامية وتضع أمامها جبهة أخرى لأناس ليسوا من الحركة الإسلامية لكنهم في نفس الوقت ليسوا ضد الدين ولا ضد التدين وليسو أعداء إديولوجيين، وقد استطاعت الحركة الإسلامية بالمغرب بكل تلويناتها أن تجد نقط إلتقاء مع أطراف أخرى وهذا يظهر لي أمر مهم للمغرب ومهم للأمة بصفة عامة، لأن كل الدول التي وقع فيها التقاطب بين إسلامي وغير إسلامي كانت نتائجه حتى على الحركة الإسلامية نفسها نتائج سلبية. 




التعليقات (0)