طب وصحة

فالح الرويلي: الجماهير لا تخضع للمحاكمة العقلية

الخبير التربوي فالح الرويلي - (أرشيفية)
الخبير التربوي فالح الرويلي - (أرشيفية)
إن تعدد مصادر الثقافة وتنوعها هو غالبًا ما يخلق حالة الحراك، وإن اقتصار البعض على مصدر واحد للثقافة هو كارثة في حد ذاته. أما إذا انعدم هذا المصدر أساسا وتحول الأمر إلى مجرد تناقل شفهي من هذا لذاك فإن المجتمعات تغرق في الجمود وتسود فيها عقلية القطيع أو التفكير الجمعي، وتتعذر فيها مسيرة الإبداع والتقدم للأمام. ولعل هذا ما أصبح سائدا في أيامنا هذه التي اتسمت بالاستقطاب.  

ويرى الخبير التربوي، والأخصائي في إدارة الأزمات الاجتماعية والثقافية، فالح الرويلي، أن "العالم العربي، شهد في السنوات السابقة تحولات كبيرة وعميقة ساهمت في تغيرات جذرية في البنى السياسية لعدد من لدول العربية، وكانت جماهير الشعوب العربية هي محور هذه التغيرات، ويمكن القول إن التحولات الكبرى في حياة الشعوب إجمالاً والتي تسبق تبدل الحضارات ليست تحولات سياسية في الأساس، ولكن السبب الحقيقي الذي يكمن وراء هذه الأسباب الظاهرية هو التغيير الذي يصيب أفكار الشعوب من آراء عامة، وتصورات، وهي تغيرات غير مرئية، لكن ينتج عنها تحولات سياسية ضخمة مرئية في الأنظمة الحاكمة التي تميزت باستبدادها طوال عقود حكمها الدموي".

ويشير الرويلي في تصريح خاص لصحيفة "عربي21"، إلى أن "الجماهير لعبت دورًا مهما عبر التاريخ في التغيرات الكبرى. ولعل هذا ما دفع الفيلسوف الفرنسي الكبير غوستاف لوبون إلى وصف العصر الحالي بأنه عصر الجماهير. حيث لم تعد مقادير الأمم تحسم في مجالس الحكام وإنما في روح الجماهير".

ويلفت إلى أن "الجماهير بواسطة قوتها التدميرية فقط، تمارس فعلها كالجراثيم التي تساعد على انحلال الأجسام الضعيفة أو الجثث. وعندما تنخر أسس الحضارة، فإن الجماهير تجيء لكي تقوضها. في تلك اللحظة بالذات يتجلى دورها".

وللإجابة عن سؤال يتعلق بدور التفكير الجمعي في حراكات ما سمي "الربيع العربي"، نبه المفكر التربوي البحريني إلى أنه ينبغي لذلك، الدخول أولاً في أسس علمية لتفسير طبيعة تحركات الجماهير. وافترض أن "أحد أبرز مفاهيم علم نفس الجماهير أن الجماهير غير ميالة كثيرا للتأمل، وغير مؤهلة للمحاكمة العقلية. ولكنها مؤهلة جدا للانخراط في الممارسة والعمل، لهذا فدورها الحاسم وتحركها يعتمد على القادة أو من يسمون بـ"المحركين أو المحرضين" الذين يعملون عمل الرأس في الجسد بالنسبة للجمهور، حيث تبدو الجماهير عاجزة عن تشكيل أي رأي شخصي ماعدا الآراء التي لقنت لها، وأوحيت لها من قبل الآخرين". وأضاف أن "القائد العظيم هو من لديه القدرة على جعل الجماهير ترى ما لا تراه، ولهذا فإن معرفة فن التأثير على مخيلة الجماهير تعني معرفة فن حكمها".

وقرّر الرويلي أن "الجمهور يتأثر بالتحريضات التي يتلقاها،  فيمكن أن تكون كريمة أو مجرمة، بطولية أو جبانة، بحسب نوعية المحرضات، ولكن هذه الانفعالات دائما قوية ومهيمنة على نفوس الجماهير إلى درجة أن غريزة حب البقاء تزول من أمامها".

ويخلص إلى أن "هذا يعني أن تحركات الجماهير سواء كانت سلبية أم إيجابية فإنها مرتبطة بمحركيها، ووصفها بأي وصف آخر ينم عن غياب للمعرفة والجهل بسيكولوجيتها".

وفي سياق متصل، أورد الكاتب كريستوفر كالدويل في صحيفة "فايننشال تايمز" في مقالة بعنوان "التفكير الجماعي لا يضاهي عبقرية الفرد"، أن "دراسة أجرتها جامعة ''فيرجينيا تك'' وبعض المؤسسات الأخرى، للتوصل إلى كيفية تفكير الأفراد في ظل الضغوط الاجتماعية، أسفرت عن أن أصحاب الأداء المنخفض حدثت لديهم استجابة عالية في الجزء المسؤول عن الشعور بالخوف في المخ".

 وخلص العلماء إلى أن "تعبير الأفراد عن قدرتهم المعرفية يتضاءل في نطاق المجموعات، وهو التأثير
الذي يتفاقم نتيجة تخيل الشخص أنه في مكانة أقل من زملائه، أو بعبارة أخرى، فالأشخاص ضمن المجموع يصبحون أكثر غباءً"، وفق مقالة كالدويل.

ولفت كالدويل إلى أن "أكبر العيوب التي اكتشفها العلماء في طريقة تفكير المجموعات، هو أنه بإمكانك التواصل مع شخص آخر أقل ذكاء عن طريق إيقاف قدراتك العقلية، ولكنك لا يمكنك التواصل مع شخص أكثر ذكاء من خلال إيجاد قدرات عقلية لا تمتلكها". 

وأضاف أن "من المرجح أن يفقد الإنسان قليلا من قدرته على التفكير نتيجة تبعيته للمجموعة، بغض النظر عن الإنجازات التي قد تقوم بها هذه المجموعة، كما أن الجدوى من اشتراكه في المجموعة تعتمد على ما تقوم به هذه المجموعة من مهام".

ويُذكر أن العقلية الجمعية  Mob Mentality أو عقلية القطيع Herd Mentality هي التي تعبر عن نوع من التفكير لدى أفراد الجماعات عندما تحاول الوصول إلى اتفاق دون اللجوء للتفكير المنطقي وتحليل الأفكار وتقييمها، حيث يتجنب الأفراد طرح أفكار تخالف روح الجماعة.
التعليقات (0)

خبر عاجل