قضايا وآراء

سوري.. عندما تكون الجنسية تُهمة!

هناء الكحلوت
1300x600
1300x600

منذ سبعة أيام وأنا أبحث عن كلمات تعبر عن حالة تعتريني عندما أقرأ وأشاهد ما يحدث للمواطن السوري عند بحثه عن عمل في غير وطنه! أحدث نفسي عندها، بأننا أحيانا نكون بحاجة إلى نسيان ما يحدث؛ حتى نستطيع احتمال العيش في هذه الحياة الصعبة. إذ علينا أن نخترق المعاناة، بمزيد من المغامرة ضد المعاناة نفسها! 

سمعت عن ذلك الشاب السوري الطموح الذي تخرج من كلية الهندسة في جامعة مؤتة الأردنية بترتيب الثاني على الدفعة، والذي بدأ بالبحث عن عمل في الأردن فلم يجد، فقط لأنه "سوري"!

فالجنسية السورية باتت تنسب له كأنها تُهمة! هو من كان عنده رغبة في الحياة بامتلاء، بعد أن تخرج حاملا شهادته، يهيئ شيء آخر له في الأفق. يقاوم، ويناضل باحثا عن عمل من أجل حلمه، حتى لا ينقرض، مثل من سلّموا للأمر الواقع، وباتوا نائمين، غير مبالين؛ بسبب ما فُرض عليهم من إجراءات، وقوانين، وتجهيزات، حتى يتعين أحدهم في وظيفة تكاد لا تسد رمق عطشه، ولا تروي ظمأ حلمه بأن يكوّن الشيء الخاص الذي طالما حاول أن يحصّله ليفخر به، فبات غير مبالٍ من شدة ما لاقى من الصدمات التي ثبطت أحلامه.

يقول الشاب السوري، محمد نوح بأسى وحزن: بعد بحث عن العمل، طال ثمانية أشهر، وجدت وظيفة بصعوبة بالغة، وقدم لي راتب يقدر بأقل من الحد الأدنى لأجر المهندس حديث التخرج، بمعنى أنني أظلم، إذ أقدم لهم جاهدا كل ما أستطيع، وآخذ أقل مما أستحق! 

ويتابع نوح: "مضطر أنا لأن أقبل هذا العرض، حتى لو كان بدون تأمين، أو ضمان، لأنني بحاجة للعمل، رغم أنني أشعر بالظلم، والإجحاف. عدا عن رؤيتي لمن يحملون الجنسية الأردنية وهم موظفون معي، ويأخذون ضعف راتبي، علما بأنني أعمل مثلهم، لكن الفارق الوحيد هو أنني: سوري!".

بعد البحث الحثيث عن عمل يليق بشهاداتهم، يعودون مُنكسرين الرأس كراية مهزومة! حاملين على ظهورهم ثقل أحلامهم، التي ما عاد يسعها وطن!

هم، من أبناء هذه الأرض "الأردن"، نشؤوا وترعرعوا به، منذ نعومة أظفارهم، ودرسوا في مدارسه، وجامعاته، وسعوا فيه طالبين لأن يحققوا نجاحهم، في بلاد ليست لهم على جوازات السفر، ولا تعترف بهم إلا بأنهم "أجانب"، فهم أصحاب جنسيات مختلفة، لكنهم يحملون في قلوبهم حبا كبيرا لمكان عاشوا فيه سني حياتهم، ولم يعرفوا انتماء لبلد مثله، حتى لو كانت بلده نفسه "سوريا". فمنذ أن شبّوا على أرض هذا الوطن زُرع فيهم كل ما فيه من خيرات، فأصبحوا يريدون أن يستنشقوه لآخر نفس.

صُدموا كثيرا عندما وجدوا بأن الوطن الذي احتضنهم طوال حياتهم، وعلّمهم، تخلّى عنهم في المرحلة الحاسمة، التي يجنون فيها ثمارهم! المرحلة التي كانوا يحلمون، علما بأنها ليست مستحيلة، لكنهم يحرمون من أدنى حقوقهم فيها!

في لحظة سُكون -بعد شرح طويل لمعاناتهم في البحث عن العمل- أتأمل هذا الخواء المُخيف، أُسائل نفسي: عن أي تشجيع للاستثمار في الأردن يقولون؟ وهم يمنعون تقديم أي شيء يفيد الاقتصاد في هذا البلد سوى من أهل البلد نفسه، أو من غيرهم ولكن بعد الكثير من العقبات، والدهاليز، والوساطة!

تنسحب الأسئلة الكثيرة، ليحل محلّها صمتٌ وكآبة! وأسئلة تستعصي على الخروج! تتحول كلماتهم وهم يشرحون حالهم لتمتمة ثم إلى لا شيء.

ما التُهمة في أن أكون سوريّا وما المانع في أن أعمل وأقدم جلّ ما أستطيع؟ لا تجعلوا أحلامنا تنهال من بين أصابعنا كالرمل الناشف، بعد أن نمسكها، نراها هباءً منثورا!

أنا مثلك.. أردنيا كنت أو فلسطينيا أو مصريا أو حتى غربيا، مثلك.. عندي حُلم، ولدي أمل بأن أحققه، لذا لا تحرمني من أبسط حقوقي، ولا تعاملني، كأنني عالة على المجتمع، لأنني لست كذلك. أنا مثلك أطمح بوظيفة تشاركني فيها، لا فرق بيني وبينك. كلانا يعمل لهدف واحد نحقق من خلاله ما نصبو إليه، أنا مثلك عندي حُلم بأن أعمل وأتزوج، وأكوّن أسرة، ويصبح لدي أطفال.

أحلامي بسيطة، لا تجتثها من جذورها، ولا تكسر فيّ الأمل! أنت أخي. تربيت معك في حي واحد، وجاورتك على مقعدك بالمدرسة، وكنت صديقي في الجامعة ألا تذكر؟ فلا أنا أفضل منك، ولا أنت أفضل مني، كلانا سواسية. أنظر إلي بعينين مفتوحتين، عن آخرهما.. ألا ترى بأنني مثلك؟
التعليقات (0)