حول العالم

"الطابون".. تراث عريق في طريقه للاندثار (صور)

الطابون في الحياة الفلسطينية - عربي21
الطابون في الحياة الفلسطينية - عربي21
"الطابونحكاية عريقة متجذرة على مر التاريخ الفلسطيني، تتناقلها جداتنا اللواتي اعتدن على صناعته واستخدامه، وخلال السنوات الأخيرة بدأ تضاؤل وجود هذه الظاهرة التراثية لأسباب جلية، فالتطور التكنولوجي والتقني أصبح يفي بالغرض والاستعاضة، إضافة إلى التغيرات الاجتماعية والوظيفية في المجتمع الفلسطيني.

من القلائل المحافظات على استخدام "الطابون"، الحاجة عريفة حامد (65 عاما) التي تحدثت لـ"عربي21"، عن علاقتها الوطيدة بـ"الطابون"، وقالت: "تعلمت من أمي صنع الطوابين ولكن توقفت عن صنعها منذ سنوات لأنني لم أعد قوية، هذا الطابون الذي أملك صنعته منذ 17 سنة وما زلت أستخدمه منذ ذلك الوقت، كذلك أخواتي وزوجات إخوتي يستخدمنه في الخبيز وطبخ الصواني واستخدامات أخرى".

وأضافت، أن الطابون من التراث الفلسطيني العريق، فما كان بيت ليخلو منه، لكن في هذه الأوقات لا يكاد بيت تجد فيه أثر "طابون"، مع أنه لا يحتاج إلى كثير من التعب؛ موعزة السبب إلى إهمال الناس لـ"الطابون" والتطور التقني الحاصل، كما تتوفر بدائل جاهزة في السوق، وتوفر التدفئة والغاز ما يوفر احتياجات الطبخ، وغير ذلك.

وتعلق الحاجة عريفة قائلة وهي تضع "صينية باذنجان" في "الطابون": "بنات اليوم مدللات عند أهلهن وبفكرن أن استخدام هذه الأدوات أقل من مستواههن (...) وما يجلب الفقر هو ما يعيشه الناس في هذه الفترة، وأنا سأظل مثل أمي وجدتي، واللي الله أعطاه نعمة لا "يتجعمص" عليها وما رح أستنى "البياعين" مشان أشتري زر بندورة".

وبالنسبة لاستخدامات "الطابون" ومنتجاته، فهي متنوعة وكثير بحسب الحاجة عريفة، فمنها: الخبز، والحلويات، والصواني، وتسخين الماء، والشاي والقهوة، فـ"الطابون" بديل اقتصادي عن الغاز، ويتم استخدامه صيفا شتاء أي في جميع الفصول؛ والملفت للنظر أنه يوفر الفحم، فيتم استخدامه للتدفئة أو بيع الفحم، بالإضافة إلى أن تكاليف تشغيله بسيطة ومن الإنتاج المحلي.

ويحتاج "الطابون" لتشغيله إلى: الحطب، وروث الحيوانات، بحيث يتم إشعال الحطب قبل استخدامه بساعات، ويتم تغطية الحطب بروث الحيوانات ومن ثم تغطيته بالرماد (السكن)، ويتم استغلال حرارة الحطب لإنتاج الحاجة المرادة سواء الخبز أو أي شيء آخر.

وترى الحاجة عريفة التي بدت صاحبة شخصية قوية أن سبب تمسكها في الطابون هو تجديد النشاط، واقتصادي يوفر عليها المال، لدرجة أنها لم تستخدم سوى جرة غاز واحدة طيلة السنة، كما تستفيد من الفحم عندما تبيعه، إضافة الى توفير ثمن التدفئة، حيث تستخدم فحم "الطابون".

 وليس استخدام "الطابون" وحده هو ما يميز الحاجة عريفة عن بقية الناس، فهي تشرب الماء من البئر (مكان يخزن فيه ماء المطر)، وتغسل الأواني بالصابون البلدي، ولا تأكل إلا مما تزرع ودائما تردد "لا خير في أمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تصنع"، فهي تزرع الخضرة بجميع أنواعها والبذور بمختلف أشكالها وتتنوع ما بين القمح والشعير والحمص والبامية والحلبة والصبر والكثير من الأنواع .

ومن استخدامات الطابون أيضا صنع السمنة، حيث يوضع اللبن في "السعل" ( قربة جلد) ويتم خض اللبن فيها حتى يصبح زبدة ويوضع الملح عليها لمدة خمسة  أيام، وبعدها يتم وضع الزبدة في الطابون لتصبح ذات لون أصفر وتسمى سمنة.

ومن جهة مغايرة تقول الشابة نسرين قاسم (21 عاما) لـ"عربي21" أن التخلص من الطوابين أمر "حضاري"، فهي ترى أن للطوابين أضرارا صحية بسبب الدخان وروث الحيوانات المستخدم. وتضيف: "هو تراث ونعتز به ولكن لآثاره السلبية صحيا علينا التخلص منه، والتطور منحنا بديلا عنه وعلينا أن نواكب العصر، وبأسهل الطرق وأيسرها وأكثرها صحية".

بدوره، قال الناشط في حماية التراث أحمد السدة لـ"عربي21" إن "النمط الاستهلاكي صفة العصر الحالي، وطبيعة المجتمع الفلسطيني أنه اتجه للاستيراد وعدم الإنتاج، وهذا نتج عنه إهمال للأرض وفلاحتها، وما ينعكس على الأدوات ذات العلاقة بها ومنها الطابون، الذي يعتبر أداة إنتاج ذاتية".

وأضاف: "ارتبط التراث ومتعلقاته عند الجيل الحالي بمفهوم التخلف، وهو تصور خاطئ لتقصير الأجداد في نقل موروثهم بشكل يتناسب مع وعي الأجيال الجديدة والتطور التقني الحاصل، وأيضا تقصير المؤسسات ذات العلاقة، ويرتبط هذا المفهوم أيضا بمشكلة معقدة تظهر في المجتمع تجمع جوانب اقتصادية وسياسية وقيمية نتج عنها طغيان النمط الاستهلاكي، حتى بطبيعة الوظائف التي يعمل بها أغلب المواطنين، وهي وظائف خدماتية وليست إنتاجية، لعدم توفر المصانع والمرافق الاقتصادية، إضافة إلى استهداف الاحتلال للأرض والتراث الفلسطيني".

الجدير ذكره أن الطابون يصنع من الطين المكون من التراب الأبيض والتبن، ويتم وضعه على السطح وقلبه ثلاث مرات على فترات متفاوتة، ومن ثم ينقل الطين إلى مكان الطابون، ويضع حول صاج على شكل أسطوانة، ويوضع في هذه الأسطوانة أحجار رقيقة تسمى "رضف" يتم جلبها من الأرض، حيث تكون هذه "الرضف" بمثابة عين الغاز أي يتم وضع المنتوج في الأسطوانة فوق "الرضف" ويتم تغطيتها بدائرة حديدية لتحفظ الحرارة.
 
التعليقات (0)