بورتريه

المالكي: متناقض وغامض يسير بالعراق نحو المجهول(بورتريه)

نوري المالكي- عربي21
نوري المالكي- عربي21
كثيراً ما ردد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش كلمات وزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس التي قالت للكونغرس ذات يوم إن "المالكي يعيش ضمن وقت مستقطع".

أميركا القوية التي تحكم قبضتها على الكرة الأرضية، وعلى الكون عبر غزو الفضاء، وضعت إرثها ومستقبلها لدى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي المتناقض والغامض الذي يسير بالعراق نحو المجهول.
 
وقليلا ما اعتمدت أميركا على زعيم أجنبي واحد في ترميم بيتها الآيل للسقوط كما اعتمد بوش على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.

نشأت علاقة متقلبة على جمر التصريحات الفضفاضة بين بوش والمالكي، وفي لقاء  لهما في عمان، قال بوش وهو ينظر إلى المالكي: "هو الرجل المناسب للعراق".

هل كان المالكي، كما ذهبت مجلة "نيوزويك"، "خياراً سيئا معقولاً وسط رزمة من الخيارات السيئة"؟

انخرط بوش والمالكي في رقصة بطيئة غريبة وحذرة من تبادل الغزل خشية الوقوع، كل منهما بحاجة إلى شريك، "لكنهما لا يحتملان الرقص معا عن قرب شديد"  والتعبير للصحافي الأميركي مايكل هيرش.

لم تكن تصريحات بوش حول المالكي مغرقة دائما بالغزل، ففي إحدى المرات اندفع بوش في هجومه على المالكي، ووصف الحكومة العراقية بأنها "تزال تفتقر للنضج السياسي" خاصة بعد إعدام الرئيس الراحل صدام حسين.

ولم يخف بوش خيبة أمله في حكومة المالكي، وقال له مقرعاً: "الطريقة التي أعدم بها الرئيس السابق تبعث رسالة مربكة للعالم مفادها أن صدام أعدم بأسلوب انتقامي". وفي إشارة إلى نفاد الصبر المتزايد استخدم بوش لغة صارمة في تحذير المالكي "التزام أمريكا له ليس مطلقا". وهو ما قصدته رايس بالوقت المستقطع.

إذا نحن أمام علاقة تشاركية اضطر إليها الاثنان، ولكنها لن تدوم العمر كله مثل زواج كاثوليكي مرتبك، إذ كثيرا ما هددت الإدارة الأمريكية  بإنهاء دور الحكومة الحالية، والبحث عن أخرى، قادرة على تحسين صورة أميركا في العراق، بعد أن باتت عاجزة وضعيفة أمام "الفوضى الخلاقة" التي انتهجها بوش.

وفي أكثر من مرة سربت وسائل الإعلام الأمريكية كما كشفت صحيفتا "لوس أنجلوس تايمز"، و"الواشنطن بوست"، عن نية أميركا لتغير حكومة المالكي، والبحث عن بديل مناسب .

وفي ظل المشهد العراقي الحالي المشطور طائفيا وعرقيا وجغرافيا، فإن تحقيق الاستقرار في العراق، لا يبدو مهمة ممكنة في ظل الحكومة الحالية، إذ يؤكد مراقبون وسياسيون، أن هناك تنافرا بين رئيس الحكومة المالكي، وعدد كبير من وزرائه، كما أن آلية المحاصصة الطائفية والسياسية بين الكتل، كبلت يد المالكي إلى حد كبير.

ويسود اعتقاد كبير بين الطبقة السياسية في العراق، بأن المالكي "غير جاد في تحقيق المصالحة الوطنية"، بحسب النائب صالح المطلق، الذي يؤكد أن "المصالحة الوطنية هي عبارة عن قرارات على ورق فقط".
 
وإذا كانت حكومة المالكي تحتضر وتلفظ أنفاسها الأخيرة  وأن الانتخابات في نيسان/ إبريل المقبل طوق نجاة له ربما، فإن التفكير في البديل لا يبدو سهلا، فالشخصية الجديدة ستصطدم  بمراكز القوى الذين صنعهم المالكي في الدولة العراقية، وهم الأشخاص الذين لهم انتماءات مع الميليشيات وفرق الموت والعناصر الطائفية المسلحة، كما أن تجاهل العامل الإيراني في العراق ينم عن ضيق أفق وضعف في التحليل، فإيران لن ترضي بأي حال من الأحوال سقوط حليفها المدلل في بغداد.

ورغم وصفها بأنها "حكومة وحدة وطنية"، ترسخ الحكومة الحالية مبدأ المحاصصة الطائفية عبر توزيع الحقائب الوزارية على أحزاب شيعية وسنية وكردية. 

حصيلة المالكي في السلطة هزيلة وتفتقر إلى الإنجاز، وتعاني من عدم الحسم في مسائل سياسية مهمة جدا. إلى ذلك، فإن إدانة العالم لطريقة إعدام الرئيس صدام حسين خلّف لدى الأسرة الدولية انطباعا بان الأمر يتعلق بعملية انتقام وليس بمحاكمة قضائية.

المالكي كان طيلة فترة جلوسه على كرسي رئاسة الوزراء يقود هجوما معاكسا لإجهاض أي خطة سياسية من شأنها إحداث انقلاب سياسي أو عسكري على حكومته، لصالح رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي العلماني والليبرالي.

وكما هي علاقاته بين مد وجزر مع واشنطن،  فان المالكي يتقلب أيضا على جمر النار في علاقاته مع الطرف السني في العراق وأيضا مع حلفائه مثل جيش المهدي وزعيمه مقتدى الصدر الذي أعلن بشكل مفاجئ الانسحاب من المشهد العراقي.

وكثيرا ما وأد المالكي المحاولات الأميركية لاستهداف ميليشيا المهدي، وكثيرا ما تدخل لتأمين إطلاق سراح مؤيدي الصدر الذين يريدون تحقيق هدف واحد، غير طرد الاحتلال، وهو السيطرة على الأحياء السنية عبر النهر شرقي بغداد.

ويعتقد أن خروج مقتدى الصدر المفاجئ من العملية السياسية في العراق بعد مسيرة حافلة بالنزاعات العسكرية وغير العسكرية، هو "هدية مجانية" للمالكي تحديدا  قبل أسابيع من الانتخابات البرلمانية، بحسب ما يرى محللون.

وكعادته شن الصدر في  أول تصريحات له منذ إعلانه القطيعة مع السياسة وحل تياره، هجوما لاذعا على المالكي، واصفا هذا الأخير بـ"الطاغوت"، وأضاف في إشارة إلى المالكي،  أن العراق "تحكمه ثلة جاءت من خلف الحدود لطالما انتظرناها لتحررنا من ديكتاتورية لتتمسك هي الأخرى بالكرسي باسم الشيعة والتشيع".

وقال رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي كلاما مشابها بعد أن قال هو الآخر إنه "لن يبقى في عملية سياسية تكرس هذا الانحراف الخطير (..)" وقال علاوي وكأنه يردد كلمات مقتدى "لا يشرفني أن أكون جزءاً من عملية تديرها إيران في العراق".

علاوي يعرف المالكي جيدا، ويعرف بأنه ذاهب في علاقته مع إيران إلى أبعد الحدود  يقول إن: "المشكلة مع نوري المالكي أنه لا يلتزم بكلامه ووعوده التي يقطعها أو عهوده التي يوقعها. فالسياسي يحترم كلمته، فما بالك إذا ما وقع اتفاقاً. هذا الرجل لا يوثق به لأنه لا يلتزم".

المالكي، المولود عام  1950 أو في عام 1949 وفقا لبعض المصادر، والذي يدعي  أنه خريج مدرسة الإمام الصدر، ينحدر من أسرة زاولت السياسة حيث كان عمه وزيراً في العهد الملكي، وأكمل تعليمه الجامعي في كلية أصول الدين في بغداد، وحصل على الماجستير من جامعة صلاح الدين في ارابيل. وانضم إلى حزب "الدعوة" تحت اسم حركي هو "جواد المالكي". 

غادر المالكي العراق عام 1980 بعد أن صدر حكم بإعدام كل من ينتمي إلى حزب "الدعوة" بسبب علاقات الحزب بإيران في أوج الحرب العراقية الإيرانية .

وما لبث  بعد أن أمضى في إيران نحو خمس سنوات أن غادرها متوجها إلى سوريا عام 1985 مع إبراهيم الجعفري إثر خلاف بعض قياديي الحزب مع وجهة نظر الإمام الراحل أية الله الخميني حول"ولاية الفقيه" ودور الحزب في الحرب العراقية الإيرانية.

وتعرض الحزب إلى أكثر من هزة تمثلت بخروج أكثر من قيادي عن صفوفه.

تدرج المالكي في الحزب واختير فيما بعد أمينا عاما للحزب بدلاً من إبراهيم الجعفري.

أثناء  وجود المالكي في سوريا ترأس تحرير جريدة "الموقف" التي كانت معارضة لنظام الحكم في العراق، وتولى أيضا رئاسة "مكتب الجهاد " الذي كان مسؤولا عن تنسيق أنشطة حزب "الدعوة " داخل العراق .
 
وساهم المالكي في تأسيس مجلس الحكم وكان نائبا لأول "مجلس وطني" شكل بعد الاحتلال وسقوط بغداد، وفي 2003  أصبح نائبا للرئيس في حملة "اجتثاث البعث". و شغل منصب الناطق الرسمي باسم "الائتلاف العراقي الموحد".

في عام 2006 أصبح  رئيسا لحكومة عكست تركيبة "الائتلاف الشيعي الموحد" الفائز في الانتخابات التشريعية.

وبادر المالكي إلى إطلاق "مبادرة للصلح والمصالحة مع جميع مكونات الشعب العراقي باستثناء من يحمل السلاح ضد الحكومة وأجهزتها الأمنية والعسكرية" كما جاء في بيان حكومته الأولى، إلا أن الحملة لم تجن ثمارا إيجابية وغرقت في وحل التطهير الطائفي.
 
و في نظر بعض المحللين، يعتبر المالكي من المسؤولين عن أعمال العنف الطائفي في العراق بتغطيته على فرق الموت التي تقوم بأعمال قتل وتهجير وإبادة. في حين يعتبر القسم الآخر أن المالكي عاجز عن السيطرة على الوضع الأمني بسبب تغلغل فرق الموت في أجهزة الدولة نتيجة لانتشار الفساد والمحسوبية والتكتلات الحزبية.

ونشرت صحيفة "التايمز" البريطانية في وقت سابق، تقريرا انتقدت فيه المالكي حيث وصفته بـ"الطائفي الذي وضع العراق على حافة الحرب الطائفية مرة أخرى". خصوصا بعد حملته العسكرية على المحافظات السنية في العراق.

وأضافت أن المالكي "فشل في إدارة ملف البلاد الأمني، وهذا ما جعل مقاتلي السنة ومشايخ العشائر يتأكدون أن بداخله شيعيا متحزبا ومتشددا، ولهذا فهو يحصد ما زرع".

كما حمل برلمانيون أميركيون بشدة على المالكي واتهموه "بتغذية موجة العمليات الانتحارية بفعل التباطؤ في المصالحة بين السنة والشيعة وبسبب علاقاته مع إيران."

في العراق، النفط والقاعدة وإيران والطائفية والمصالح الحيوية للولايات المتحدة على المحك، والمالكي بعد ثماني سنوات في السلطة يعرف كيف يرضي طهران، وكيف يثير مخاوف واشنطن من تنظيم القاعدة، فيما يسير العراق تحت سطوته نحو استنساخ دوامة العنف الطائفي التي تسببت في وفاة أكثر من مليوني عراقي بين عامي 2006 و2008.
التعليقات (0)