ملفات وتقارير

الذكرى الثالثة لانطلاقتها: إلى أين وصلت حركة "20 فبراير"؟

إحدى مظاهرات حركة 20 فبراير في المغرب
إحدى مظاهرات حركة 20 فبراير في المغرب

تحل اليوم الخميس الذكرى الثالثة لحركة "20 فبراير" التي أطلقت شرارة الاحتجاج على "الفساد والاستبداد" بالمغرب في مثل هذا اليوم عام 2011، ضمن تفاعل الشباب المغربي مع رياح الربيع العربي التي عصفت ببعض الديكتاتوريات وقوضت حكمهم، فيما تعاملت معها أنظمة أخرى بذكاء وأخرى اعتمدت المراوغة وأجادت الانحناء للعاصفة حسب تحليلات عديد من الباحثين.

حركة "20 فبراير"، وكما كل سنة، أعلنت عن برنامج احتجاجي يحاول استرجاع ذكرى الانطلاقة والتأكيد على مطالبها من خلال الخروج للاحتجاج بأكثر من مدينة مغربية طيلة الأيام المقبلة، إضافة إلى بعض المدن الأوروبية، وخصوصا في فرنسا وألمانيا وبلجيكا.
 
كثيرون يطرحون اليوم سؤال ماذا بقي من حركة "20 فبراير" ومطالبها بعد ثلاث سنوات من خروجها للشارع؟ وما هي أسباب تراجع زخمها؟ وهل من أفق احتجاجي لهذه الحركة بالمغرب؟ وهي أسئلة نقلتها "عربي21" إلى باحثين في العلوم السياسية فكانت اجوبتهم كالتالي:
 
"20 فبراير" إصلاحية لا ثورية
 
محمد زين الدين، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسن الثاني في المحمدية، اعتبر أن حركة "20 فبراير" منذ نشأتها إلى اليوم انطلقت حركة إصلاحية. واستند زين الدين في تحليله هذا إلى مطالب الحركة التي لم تكن تطلب رأس النظام بل ركزت على مطالب إصلاحية ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، وهو ذات الاتجاه الذي اتخذ الباحث والأستاذ في العلوم السياسية إسماعيل حمودي، حيث أكد أن مختلف بيانات الحركة وأرضيتها لم تشر بأي شكل من الأشكال إلى استهداف رأس النظام المغربي أو إزالته، على الرغم من الشعارات العارضة التي رفعت بشكل أو بآخر في بعض تظاهراتها وفي عدد محدود من المدن.

وأكد الحمودي أن مطالب الحركة مدرجة في أول بيان للحركة والذي صدر في 16 شباط/ فبراير 201. ومطالب الأرضيات طالما نادت بها القوى والأحزاب الوطنية، وهي مطالب إصلاحية وليست ثورية، ومن بينها مطلب "الملكية البرلمانية"، وهو أقصى المطالب إلى جانب محاربة الفساد مطلب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
 
الدولة تستوعب مطالب الحركة

سجل كثيرون بالداخل كما بالخارج أن النظام المغربي تعامل بذكاء مع مطالب الحركة وقام باستيعابها من خلال محطات مختلفة، أولها عدم قمع هذه الاحتجاجات في المجمل، ثم الخطاب الملكي في 9 آذار/ مارس2011 وبعده حل البرلمان بغرفتيه والذهاب نحو انتخابات مبكرة تميزت بنزاهة وشفافية غير مسبوقتين في تاريخ المغرب، وإن كان البعض الآخر يرى في خطوة الدولة المغربية التفافا على تلك المطالب وأنه أجادت عملية الانحناء للعاصفة حتى مرورها.

في هذا الصدد، يقول محمد زين الدين إن الدولة حاولت القيام بغربلة مطالب الحركة في مختلف الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأخذت منها ما هو جوهري وأدخلته من خلال دستور جديد حاول الموازنة على مستوى السلطات الثلاث الأساسية. وفي نفس الوقت - يتابع زين الدين - لم تحقق الدولة مطالب الحركة إلى بشكل كامل.

ويرى الأستاذ الجامعي أن جانب كبير من الإصلاحات التي طالبت بها حركة "20 فبراير" تمت وآخر بسيط لم يتحقق أما موضوعي محاربة الريع والفساد فهي تتطلب وقتا أكثر.

إسماعيل حمودي، الذي أجرى دراسة حول الحركة تحت عنوان "حركة 20 فبراير الهوية والمسار"، قال في حديثه لـ"عربي21" إن ما يحسب للحركة أنها ساهمت في تسريع وثيرة الإصلاحات بالمغرب، وهي إصلاحات لم تأت مع الحركة بل انطلقت منذ فترة التسعينيات.
 
لماذا تراجع الزخم؟
 
تراجع زخم الحركة حقيقة أصبحت واضحة للعيان. فبعد مسيرات للحركة كانت تقدر بداية الربيع العربي بعشرات الآلاف، وتتجاوز عدد احتجاجاتها في يوم واحد 100 احتجاج في مناطق مختلفة من مدن المغرب وإحيائها، لم تعد تتجاوز مظاهراتها اليوم العاصمة الرباط.

ويقول محمد زين الدين إن التراجع يعود أساسا لما اعتبره "تعاملا ذكيا" للدولة مع مطالب الحركة من خلال خطاب الملك في 9 آذر/ مارس الذي امتص زخم الحركة، ثم طبيعة تركيبة الحركة والتي كانت هجينة. فقد ضمت شبابا بنزعة إصلاحية لكن مكوناتها غير متقاربة إيديولوجيا، وهو عامل ذاتي أثر عليها كذلك، حيث ركبت المكونات حافلة واحدة دون أن تعلم حقيقة من معها ولا وما هي وجهتها، فكان طبيعيا أن تنزل المكونات في محطات مختلفة، حسب تعبير زين الدين.

المعطى الآخر وهو موضوعي - يضيف المحلل السياسي - يتعلق بما حدث دوليا وإقليميا من غياب للاستقرار السياسي بدول الربيع العربي.

إسماعيل حمودي، صاحب أطروحة "إمارة المؤمنين في النظام السياسي المغربي قراءة سياسية ودستورية"، فسر تراجع الزخم بكون الحركة عرفت مدا متزايدا قبل دستور 2011، وبعد ذلك "سنشهد تراجعا في المد الاحتجاجي للحركة كاد أن يختفي مع الانتخابات التشريعية السابقة لآوانها، ثم تراجع بشكل شبه كلي مع انسحاب جماعة العدل والإحسان من هذه الاحتجاجات نهاية 2011.

كما اعتبر حمودي أن المد الذي عرفته الحركة هو مد غير أصيل، وإنما متأثر فقط بالمحيط العربي وموجة الربيع، فضلا عن معطيات ذاتية اعتبرها حمودي أساسية في تفجر الحركة من الداخل، وهي المتعلقة بالخلاف في الرؤى الكبرى للإصلاح بين مكونات الحركة، كما أن سقف إصلاح الدستور أقنع الكثيرين وأدى إلى تراجع زخم الحركة.

خلاصة كلام الحمودي أنه وبعد ثلاث سنوات من خروجها، صارت حركة "20 فبراير" حلما جميلا، وخلقت حالة احتجاجية بسبب تراجع منسوب الخوف في نفوس الكثير من الفئات.
 
مستقبل مجهول
 
كثيرون يرون أن حركة "20 فبراير" لم تجلب شبابا جديدا للسياسة، وإنما أخرجت من كانوا مؤطرين أصلا في هيئات سياسية ومدنية وحقوقية، وهي التي شكلت دعما قويا للحركة. غير أن تلك  الهيئات ستكون سببا في تراجع زخم الحركة بارتهانها لمطالب تلك التنظيمات وسقوفها، فضلا عن بروز تناقضات مكوناتها التي كاد الخصام بينها في الشارع يصل حد المواجهة، خاصة بين جماعة العدل والإحسان ومختلف التيارات اليسارية، أو في ما بين المكونات اليسارية نفسها، بين من كان يعارض صراحة النظام الملكي ويعلنها وبين من كان سقف مطالبه عال دون أن يصل إلى رأس الدولة.

هكذا يلاحظ آخرون أن عنصر اجتماع تيارات مختلفة ومتناقضة في دول مثل تونس ومصر وليبيا، والمتعلق بالاتفاق على ضرورة إسقاط النظام أولا، مطلب لم يتوفر في المغرب ولم يتم الاتفاق حوله، ولذلك كان للتقاطب الإيديولوجي الكلمة الأخيرة في مسار حركة راهن عليها الكثيرون في تعميق نفس الربيع العربي، بعكس آخرين حسموا منذ البداية موقفهم من الحركة وأكدوا أن الإصلاح لا يُستنسخ وأنه يخضع لشروط ومحددات داخلية بالأساس، وهو التيار الذي استفاد من ثمار هذا الحراك فنقله إلى رئاسة الحكومة، وهو الذي رفع شعارا لحملته الانتخابية شعار "صوتك، فرصتك لمواجهة الفساد والاستبداد".

وعن مستقبل الحركة، فإن كثيرين يرون صعوبة للخوض فيه، ويعتبرون أنه خاضع بالضرورة للسياقات والتحولات الذاتية والموضوعية. وإن ترجّح ميلاد شكل احتجاجي آخر، فبالتأكيد لن يكون هو حركة "20 فبراير" بالشكل الذي خرجت به في البداية.
التعليقات (0)