اقتصاد عربي

الأمن الغذائي يتصدر جدول أعمال مجلس التعاون الخليجي

قمة مجلس التعاون الخليجي الأخيرة في الكويت- أرشيفية
قمة مجلس التعاون الخليجي الأخيرة في الكويت- أرشيفية

يأتي الأمن الغذائي على رأس أجندة مجلس التعاون الخليجي لهذا العام، حيث تجتمع الدول الأعضاء الشهر القادم لمناقشة كيفية تفادي العجز المستقبلي في الموارد الغذائية في المنطقة التي تستورد ما يتراوح بين 80 في المائة و90 في المائة من أصولها الغذائية.
وهذه ليست بمسألة جديدة، ففي عام 2008 هبطت أسعار النفط بمقدار ثلاثة أرباع حيث ارتفعت اسعار الغذاء بسبب سوء الاحوال الجوية وتزايد استخدام الوقود الحيوي والقيود على الصادرات الزراعية، مما اثار تخوف دول الخليج بشأنالمدةالتييمكنأنتعتمد فيهاعلىالموادالغذائيةالمستوردة.
والآن ومع الاضطرابات التي اصابت دول الشام وشرق أفريقيا (حيث تتهم الدول الخليجية بالاستحواذ على المرافق الزراعية بشكل اغضب السكان المحليين) بدأت دول الخليج باعادة التفكير في هذه الاشكالية.
كما أن الزيادة السكانية تعتبر عاملا هاما. حيث يقول ريتشارد بافيت (رئيس المعرض الزراعي الوحيد في المنطقة: اجرا ميدل ايست) أن ما يقرب من 90 في المائة من المتطلبات الغذاية يتم استيفائها من خلال الواردات. "ومع توقع زيادة السكان في دول الخليج بمعدل 50 مليون نسمة بحلول عام 2020 تزايدت أهمية الموضوع في المنطقة."
ترتبط قضايا الأمن الغذائي اما بتقلب الأسعار او انقطاع الامدادات. وتاريخيا حاولت دول الخليج تهدئة ارتفاع الاسعار من خلال الدعم أو رفع الحد الأدنى للأجور، ولكن المخاوف بشأن التضخم وارتفاع تكلفة "دولة الرفاه" تقلل من امكانية تأثير هذه الاستراتيجيات الآن.
وانقطاع الامدادات هو التخوف الأكبر الآن. فتوصيل المنتجات الغذائية الى الخليج لابد أن يمر من خلال احدى المعابر الاستراتيجية الثلاث: قناة السويس، أو مضيق باب المندب، أومضيق هرمز. وعلى مدار التاريخ لم تتمتع أية من هذه المعابر بفترات طويلة من العبور الآمن المضمون. وفي الوقت الحاضر يشكل الارهابيين تهديدا لقناة السويس، ويعاني مضيق باب المندب من مشاكل القرصنة، ويعتمد المرور من مضيق هرمز على طبيعة العلاقات مع ايران.
ويقول كريس ديفدسون (الباحث في شئون الشرق الأوسط بجامعة دورهام) معلقا على هذا الأمر: "يمكنك أن تلحظ التوتر الذي يبدو على السياسات الأمنية في دول الخليج فيما يتعلق بهذه المعابر المائية".
يتمركز الأسطول الخامس الأمريكي في دولة البحرين، والهدف منه هو أن يشكل نقطة توازن مضاد لايران وكي يكون نقطةانطلاقلجهودمكافحةالقرصنةقبالةالسواحلالصومالية. وفي الأشهر الأخيرة كانت دول مجلس التعاون الخليجي داعمة بشدة لنظام السيسي العسكري في مصر آملين أن يقلل نظامه من النشاط الجهادي في سيناء. ووفقا لمؤسسة تشاتهام هاوس، يتم شحن 7.5 مليون طن من القمح والحبوب الخشنة من الأمريكتين وأوروبا عبر قناة السويس كل عام، وكلها تذهب الى دول الخليج. وهو ما يعادل 81 بالمائة من اجمالي واردات هذه البضائع الى دول الخليج.
وقد شهدت الأشهر الأخيرة أيضا بعض المحاولات لزيادة الانتاج الزراعي المحلي. وبطبيعة الحال فان دول الخليج ابعد ما تكون عن توافر الظروف الصالحة للزراعة على اراضيها، وحتى في أكثر الاعوام هطولا للامطار تحتاج شبه الجزيرة العربية الى اكثر من ضعف معدل هطول الامطار لتلبية الحد الادنى من انتاج الحبوب البعلية التي تعتمد على الامطار. وتتعرض 95 بالمائة من الاراضي الى التصحر، ويفاقم الازمة التغيرات المناخية، حيث تقلل درجات الحرارة المرتفعة من نسبة المحصولات بشكل كبير.
ومع ذلك فقد قامت الامارات بمضاعفة جهودها للنمو المحلى وقام المسئولون باعلان جائزة للابداع في مجال الزراعة(وتحدث بيل جيتس في الحفل)، وقامت بتفتيشأكثرمن 70 مزرعةلمعرفةمااذاكانتمناسبةللزراعةالمائية.
وتدعي شركة Desalt Innovation Middle East (وهي شركة متخصصة في التكنولوجيا الغذائية ومقرها دبي) انها قامت باختراع "رمال مضادة للماء"، حيث يقول رئيس الشركة ان هذه الرمال تمنع المياه من التسرب الى المياه الجوفية او الى مستوى تربة اقل من مستوى بذور المحصول، كما تمنع المياه الجوفية من الصعود الى مستوى اعلى حيث عادة ما يتسبب ذلك في نقل الاملاح الى سطح التربة. ويعني الاختراع ان المحصول يحتاج الري لمدة دقيقتين فقط كل يوم، وقد تم استخدامه بالفعل لزراعة كميات صغيرة من البرسيم والطماطم وغيرها من المنتجات.


وقد قامت قطر بتخصيص المليارات لتمويل مشروع اكتفاء غذائي يسمى البرنامج القومي القطري للأمن الغذائي.
كما تشهد تربية الأحياء المائية نموا ضخما في الخليج. وتتصدر السعودية وعمان معدلات النمو في المزارع السمكية حيث اعلنت السعودية استثمارات بقيمة 10 مليار دولار في ديسمبر 2013. كما تتباهى الامارات بامتلاكها لأكبر مزرعة لسمك الحفش في العالم.
وصحيح ان الانتاج المحلي في تزايد (وخاصة في الامارات ثم عمان) الا ان الخبراء يشككون في مدى قدرة التكنولوجيا المتطورة على التأثير على معدل الانتاج الغذائي المحلي.
وقد قامت السعودية باجهاض مخططات دعم الزراعة المحلية في 2008 وتعهدت بالاعتماد على الواردات فقط حتى عام 2016، فقد اثبتت التجربة ان زراعة الغذاء في المناخ الجاف والحار هي عملية مكلفة للغاية حتى لو توفرت الموارد النفطية اللازمة لذلك.
كما يحذر آخرون من خطر خفي وهو ضعف محطات التحلية على طول ساحل الخليج، حيث يقول كريس ديفدسون "هناك فقط امدادات تكفي لبضعة ايام في هذه المحطات. وتعتمد دول الخليج بشكل كلي عليها. فاذا فكرت بما يمكن ان يحدث في حالة اي ضربة عسكرية فربما تحدث كارثة." ويعتقد ان شركة المانية تعمل الآن على مشروع حل طاريء لأبو ظبي التي تعترف ان امدادات المياه في الامارة لا تكفي في حالة الطواريء. وسيتم الانتهاء من المشروع في عام 2015.
وتقوم الكثير من الدول بتغيير استراتيجيات "السيطرة على الاراضي" التي تعني قيام الشركات الخليجية الكبيرة بدعم من الدولة بشراء المرافق الزراعية الضخمة في الدول النامية. وتقول التقارير الصحفية ان السودان واثيوبيا وكينيا وموزمبيق وتنزانيا كانت الدول الرئيسية المستهدفة من هذه الاستراتيجية المثيرة للجدل. ويقول تقرير اصدره معهد اوكلاند الامريكي انه في عام واحد قام المستثمرون الاجانب بشراء او استئجار ما يقرب من 60 مليون هكتار من الاراضي في افريقيا، وهي تساوي مساحة فرنسا.
في ابريل 2012، استحوذت شركة النجمة السعودية التي يمتلكها الملياردير السعودي محمد العمودي، استحوذت على 10000 هكتارا من مزارع الارز في اثيوبيا ولكن قامت جماعة مسلحة بنصب كمين لموظفيه وقتل خمسة منهم.
وقد انتقدت منظمة هيومان رايتس ووتش شركة "النجمة السعودية" بسبب ما تردد عن تورطها بالتهجير القسري لآلاف من السكان المحليين.  
ومع تزايد المشكلات الامنية والسياسية في العالم النامي لجأت دول الخليج الى التركيز على الشراء من الدول الاكثر نموا. فعلى سبيل المثال قامت شركة اماراتية مقرها ابو ظبي بالشراء من صربيا والولايات المتحدة واسبانيا، وقد قدمت حكومة ابو ظبي الى صربيا قرضا بقيمة 400 مليون دولار للصناعات الزراعية.
وكذلك قامت شركة "الحصاد" القطرية بدعم من الحكومة بالاستثمار في قطاع الزراعة الاسترالي وحصلت على ما يقرب من 250000 هكتار. وقد رحب بعض الاستراليين بذلك من منطلق انه سيساعد القطاع الزراعي في استراليا ولكن ايضا عارضه بعض السياسيين القوميين.
ويشكك ريتشارد ريف في استراتيجية "الاستيلاء على الاراضي" قائلا: "هناك طرق أخرى لتأمين الامدادات الغذائية" في اشارة الى الصفقات التجارية. "الحلربمايأتيمنوسيلةسعيدة،وإيجادتوازنبينالمستوردينمعمخاطرأقل وتكاليف أعلى."
وفي الختام يعلقكريسديفيدسون من جامعةدورهام قائلا: "ولكن يبدومنغيرالمرجحالاستجابةمن القوى الاقليمية،نظراللخلافاتالأخيرة بينها. لقدولتأيامالأمنالجماعي؛في اعتقادي سوفتقوم الدول بتبني استراتيجيات فردية."

ميدل ايست مونيتر



التعليقات (0)