ملفات وتقارير

هل اغتال سليماني شطح ردا على رسالته لروحاني؟

محمد شطح - اغتيال - سيارة - في بيروت 27-12-2013
محمد شطح - اغتيال - سيارة - في بيروت 27-12-2013
نقلت صحيفة النهار اللبنانية ترجمة حرفية لرسالة وجهها الوزير السابق محمد شطح إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني، نقلا عن صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، وهي الرسالة التي رأى كثيرون أنها قد تكون السبب في اغتياله من قبل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني؛ المسؤول الفعلي عن الساحات التي تتحرك فيها وتحرّكها إيران في الخارج؛ من العراق الذي يعد الأكثر نفوذا فيه، بحسب تعبير القائد الشيعي مقتدى الصدر، وحتى سوريا التي يدير المعركة فيها، وكذلك لبنان والخليج واليمن، وصولا إلى أفغانستان وباكستان وآسيا الوسطى، بل يشمل ذلك خلايا موجود في دول عديدة في طول العالم وعرضه.

وتقدر الدوائر اللبنانية أن قائد فيلق القدس، والرجل الأقوى نفوذا في السياسة الخارجية الإيرانية (السرية بالطبع) هو الذي أمر باغتيال محمد شطح، ردا على ما اعتبره تدخلا من قبله في الشؤون الداخلية الإيرانية، وشكواه الموجّهة ضد نشاطاته شخصيا، لاسيما أن هناك شعورا لدى سليماني بأن تيار روحاني يتقدم حثيثا نحو انتزاع بعض الملفات، بخاصة الملف النووي والمفاوضات مع الغرب، وما يستتبع ذلك لاحقا من ملفات إقليمية ستكون على طاولة البحث بعد انتهاء الشهور الستة الموصوفة بأنها مدة الاتفاق المرحلي.

ورأت الدوائر اللبنانية أن الرسالة المذكورة هي التي تجيب عمليا على السؤال الذي طرحه كثيرون، وهو: لماذا اغتيل محمد شطح تحديدا، رغم أنه ليس الرمز الأبرز في تيار 14 آذار، حتى لو قيل إنه أحد المقربين من سعد الحريري. واعتبرت تلك الدوائر أن سليماني لم يكن ليمرر ما فعله شطح، من دون أن تنسى الإشارة إلى أن دوائر حزب الله أيضا لا تبدي ارتياحا لمنظومة التقارب الأمريكي الإيراني، هي التي تبدو أقرب إلى سليماني منها إلى روحاني وفريقه، لاسيما أن خطاب الأخير ينزع منها السلاح الذي طالما استخدمته لتبرير الاحتفاظ بالسلاح. وفي حال سارت الأمور وفق ما هو متوقع، فإن تفاهم إيران مع واشنطن سيشمل تحويل الحزب إلى حركة سياسية لا صلة لها بالنشاط العسكري، بخاصة الموجّه إلى الاحتلال الإسرائيلي.

لم تكن دوائر 14 آذار، ولا سائر الدوائر اللبنانية في حاجة إلى شواهد لتأكيد صلة الحزب بعملية الاغتيال، نظرا لطبيعتها ودقتها التي لم تعرف إلا في عمليات الاغتيال التي نفذها النظام السوري، لكنها كانت تبحث عن تفسير اختيار شطح دون غيره، وهو ما وجدته واضحا وقويا في الرسالة التي ننشر تاليا نصها كما أوردتها الصحيفة الأمريكية، وترجمتها "النهار"، واعتبرها سليماني كما أشير من قبل، وربما الحزب أيضا؛ لعبا من طرف شطح وتياره على وتر التناقضات الداخلية الإيرانية، ومحاولة استثمارها ضد الحزب ونفوذه في لبنان.

رسالة محمد شطح المفتوحة إلى حسن روحاني 

فخامة الرئيس:

نتّخذ هذه الخطوة الاستثنائية بمخاطبتكم ومخاطبة سواكم من القادة الإقليميين والعالميين لأن بلادنا تمرّ  بمرحلة شديدة الخطورة. فأمن لبنان الداخلي والخارجي يتعرّض لتهديد خطير، لا بل إن وحدة دولتنا تواجه خطراً حقيقياً. من واجبنا أن نفعل كل ما باستطاعتنا لحماية وطننا من هذه التهديدات. واليوم، أكثر من أي وقت آخر، ستؤدّي الخيارات التي تتّخذها جمهورية إيران الإسلامية دوراً مهماً في تحديد نجاحنا أو فشلنا. لهذا نكتب إليكم بصفتكم رئيس جمهورية إيران الإسلامية.

لكنها أزمنة استثنائية لإيران أيضاً. بعد سنوات طويلة من المواجهة بين إيران وجزء كبير من المجتمع الدولي، أرسل انتخابكم رئيساً الصيف الماضي مؤشراً لكثيرين في المنطقة والعالم بأن الشعب الإيراني يريد أن يضع بلاده على مسار جديد؛ مسار الإصلاح والانفتاح والعلاقات السلمية مع باقي العالم. لقد أحيا الاتفاق الموقت الذي جرى توقيعه أخيراً بين إيران ومجموعة 5 زائد واحد، والتصريحات الصادرة عنكم منذ انتخابكم، الآمال بأن إيران ربما تتخذ فعلاً الخطوات الملموسة الأولى لسلوك ذلك المسار الإيجابي. نأمل حقاً في أن يكون هذا صحيحاً.

لكن بالنسبة إلينا، نحن ممثّلي الشعب اللبناني، ليس المحك الحقيقي إذا كانت إيران ستتوصّل إلى اتفاق نهائي مع القوى الغربية حول برنامجها النووي، ولا إذا كانت الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية ستُطبَّق بنجاح - على الرغم من أهمية هذه الأهداف للعالم وللشعب الإيراني. بالنسبة إلينا في لبنان، المحك الحقيقي هو إذا كانت إيران مستعدّة فعلاً لاعتماد مسار جديد في سياساتها حيال باقي المنطقة، ولا سيما حيال لبنان.

فخامة الرئيس،

إنها حقيقة لا جدال فيها أن الحرس الثوري الإيراني يستمر في إقامة علاقة عسكرية استراتيجية مع "حزب الله"، التنظيم العسكري الذي أدّى الحرس الثوري الإيراني دوراً أساسياً في إنشائه قبل 30 عاماً. في ذلك الوقت، كان لبنان يشهد حرباً أهلية مروّعة، وكان جنوب لبنان تحت الاحتلال الإسرائيلي. اليوم، بعد 23 عاماً على انتهاء الحرب الأهلية وحلّ كل الميليشيات اللبنانية الأخرى، وبعد 13 عاماً على تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي (والذي أدّت فيه المقاومة اللبنانية دوراً محورياً)، لا يزال "حزب الله" يحتفظ بقوة عسكرية مستقلّة ومدجّجة بالسلاح خارج سلطة الدولة. ويحصل هذا بدعم ورعاية مباشرَين من بلادكم. 

لا شك في أنكم توافقون على أن وجود ميليشيا مسلّحة بالتوازي مع القوات المسلحة الشرعية وعملها خارج سيطرة الدولة وسلطتها السياسية لا يتعارضان فقط مع الدستور اللبناني، إنما أيضاً مع تعريف الدولة السيادية - أيّ دولة سيادية. هذا هو الحال بغض النظر عن الانتماءات الدينية لهذه الميليشيات غير الدولتية أو القضايا التي تدّعي الدفاع عنها.

شكّل إصرار "حزب الله" على الإبقاء على تنظيم عسكري مستقل، تحت راية "المقاومة الإسلامية"، عائقاً أساسياً في وجه الجهود الوطنية الضرورية جداً لتعزيز مؤسسات الدولة ووضع حد لإرث الحرب الأهلية ولانتشار السلاح في مختلف أنحاء البلاد. كما أن هذا الواقع أدّى حكماً إلى إضعاف الوحدة الوطنية في لبنان وجعل البلاد عرضةً لتداعيات اتّساع خطوط التصدّع المذهبية في المنطقة، كما ساهم في صعود التطرّف الديني والنزعة القتالية باسم الدين.

هذا فضلاً عن أن استخدام - أو التهديد الضمني باستخدام - تفوّق "حزب الله" في مجال التسلّح لجعل ميزان القوى السياسي الداخلي يميل لصالحه جعل من شبه المستحيل إنجاز المهمة الحسّاسة المتمثّلة في إدارة المنظومة السياسية اللبنانية، وتسبّب بشلل تدريجي على مستوى المنظومة ككل. وقد جاءت الحماية الفاضحة التي يؤمّنها "حزب الله" لخمسة من عناصره الذين وجّهت إليهم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الاتهام في قرارها الظنّي الصادر في قضية اغتيال رفيق الحريري، لتزيد من الشكوك وعدم الثقة.

فخامة الرئيس،

خلال العام الماضي، تسبّبت مشاركة "حزب الله" المباشرة في النزاع في سوريا بتفاقم شديد للأوضاع في لبنان التي تعاني أصلاً من الهشاشة. من المعلوم أن الرأي العام اللبناني منقسم بشأن الحرب في سوريا. نحن، أعضاء التحالف السياسي الواسع لفريق 14 آذار، ندعم الشعب السوري دعماً كاملاً، على المستويين السياسي والمعنوي. نعتبر أن نظام الأسد فقدَ شرعيته الأخلاقية وقدرته على إرساء السلام والوحدة في سوريا. لكن بوصفنا ممثّلين عن الشعب اللبناني، تركيزنا ومسؤوليتنا الأساسية هما حماية لبنان من الخطر الداهم للحريق المشتعل في الجوار والذي ينتشر باتجاه بلادنا. في الواقع، لقد طال النزاع في سوريا عدداً كبيراً من البلدات والقرى الحدودية وتسبّب باندلاع أعمال عنف متفرّقة وأعمال إرهابية مقيتة. كما تعلمون، استُهدِفت السفارة الإيرانية في بيروت في تفجير إرهابي مدان، كما تعرّضت مساجد وأحياء مدنية للاستهداف.

لا يمكن أن ننجح في محاربة هذه الآفة وحماية لبنان من تداعيات أسوأ في حين أن حزباً لبنانياً أساسياً يشارك مباشرة في النزاع السوري. فـ"حزب الله" يستفزّ بذلك من يتلقّون قنابله ورصاصاته كي ينقلوا الحرب إلى عقر داره، أي إلى وطننا المشترك. يحصل هذا، ويا للأسف، بدعم من الحرس الإسلامي في إيران وبالتنسيق معه.

فخامة الرئيس،

يعيش لبنان اليوم أزمة على مختلف المستويات. من الواضح أن المسكّنات لم تعد كافية. علينا حماية لبنان من مواصلة التدحرج على منحدر شديد الانزلاق. ونعتبر أنه لا يمكن تحقيق ذلك إلا إذا أبدت القوى الإقليمية والدولية، بما في ذلك إيران، استعداداً لاتخاذ الخطوات الضرورية. الخطوط العريضة موجودة، فقد جرى تحديدها في الإعلان الوطني الذي صدر بصورة مشتركة عن مختلف الأفرقاء السياسيين العام الماضي، ويُعرَف بإعلان بعبدا. لقد أكّد الإعلان الهدف المتمثّل بصون أمن لبنان من خلال: 1) حمايته من تداعيات الأحداث في سوريا، وفي شكل عام اعتماد الحياد في التعاطي مع النزاعات والتحالفات الإقليمية والدولية؛ و2) استكمال تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 1701.

يقتضي ذلك، في نظرنا، اتّخاذ الخطوات الملموسة الآتية التي يجب الاتفاق عليها وإطلاقها من خلال عقد اجتماع خاص لمجلس الأمن أو مؤتمر دعم أوسع نطاقاً:

1. التزام معلن من جميع البلدان الأخرى، بما في ذلك إيران، بتحييد لبنان بحسب ما ينص عليه إعلان بعبدا. من الواضح أنه لا يكفي أن يعلن لبنان رغبته في اعتماد الحياد. الأهم هو أنه على البلدان الأخرى أن تلتزم حماية رغبة لبنان الوطنية؛

2. وضع حد لكل المشاركات المسلّحة للجماعات والأحزاب اللبنانية، بما في ذلك "حزب الله"، في النزاع السوري؛ 

3. فرض الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية سيطرة فعلية على الحدود مع سوريا، بدعم من الأمم المتحدة عند الاقتضاء كما هو منصوص عليه في قرار مجلس الأمن الدولي 1701؛

4. الطلب من مجلس الأمن الشروع في الخطوات الضرورية لاستكمال تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 1701، وذلك بهدف إخراج لبنان من الحالة الراهنة المتمثّلة في وقف الأعمال الحربية مع إسرائيل بصورة موقتة والانتقال إلى وقف دائم لإطلاق النار مع اعتماد تدابير أمنية بإدارة الأمم المتحدة، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى وضع حد للانتهاكات الحدودية من جانب إسرائيل، وإلى فرض القوات المسلحة اللبنانية سلطتها الأمنية الكاملة والحصرية على الأراضي اللبنانية كافة.

قد تبدو هذه الرؤية وخريطة الطريق جذريتين، نظراً إلى أن لبنان لم يشهد سيطرة كاملة وحصرية للدولة على أراضيها وعلى السلاح منذ أربعة عقود. لكنها أيضاً الحقوق الطبيعية الأساسية لأي بلد يسعى إلى أن يكون حراً ومستقلاً. يقع على عاتقنا، بوصفنا ممثّلين عن الشعب اللبناني، أن نفعل كل ما باستطاعتنا لاستعادة تلك الحقوق. لقد دعمنا طوال سنوات - وسنستمر بدعم - حق فلسطين بأن تكون حرّة ومستقلة. وكذلك ندعم حق إيران الوطني كدولة حرة وسيادية تسيطر على مصيرها وأمنها داخل حدودها. بوصفنا دولة صغيرة إنما أبيّة، لا يمكننا أن نتطلّع إلى ما هو أقل من ذلك.

فخامة الرئيس،

هذه قضية لبنان. سنفعل كل ما بوسعنا لحشد كل الدعم الذي تحتاج إليه وتستحقه. في نهاية المطاف، لا يتوقّف نجاحنا أو فشلنا على القرارات التي يتّخذها الشعب اللبناني وحسب إنما أيضاً القرارات التي يتّخذها الآخرون بما في ذلك شخصكم الكريم. مما لا شك فيه - لكنه أمر مفهوم أيضاً - أن هناك الكثير من المشكّكين بإيران في لبنان والمنطقة. نأمل في أن تثبت خيارات إيران في لبنان أنهم على خطأ.

مع فائق المودّة،

محمد شطح
التعليقات (0)