مقالات مختارة

حق النقد والنقد الحق

سيف الدين عبد الفتاح
1300x600
1300x600
النقد فرز وفن، فرز فى جوهره وغايته، وفن فى أدائه وممارسته، والنقد حق وواجب، حق يمارس الإنسان فيه حرية التعبير عن رأيه ورؤيته لما حوله من أوضاع ونظم وهيئات وأشخاص وتصرفات وقرارات، وواجب فى ذاته وفى طريقة أدائه. فلابد أن يكون حق النقد نقدا بحق ومستحق، من حقك أن تنقد وتنتقد، ولكن من واجبك أن تنقد بالحق وللحق، بالعدل وبالصدق، فلا تمام لكلمة إلا بالصدق والعدل، الصدق مطابقة الكلمة للواقع، والعدل مطابقتها للواجب، وتمام الكلمة صدق فى محتواها عدل فى مقامها وسياقها.

انتقد الإخوان كيفما شئت وفى المواقف التى تراهم فيها أساءوا وأخطأوا، لكن ليس كل من ينتقدهم ويمعن فى ذلك ببطل ولا فارس لمجرد أنه ارتاد هذا الميدان، وليس كل من يرى غير ذلك بممالئ أو متلون.. وليس نقد الإخوان بواحد يستوى فيه المنتقدون، وليس نقد الإخوان مشغلة هذا الوطن أو السؤال الإجبارى فى امتحان الثورة، وليس نقد الإخوان بحق إذا كان بروايات مخلطة فيها حق وباطل، وليس نقد الإخوان بعدل إذا خلا من نقد الآخرين وهم كثر لكنهم فى هذا المقام يمتنعون أو تمنح لهم مناعة من عالم المطففين.

انتقد الإخوان كيفما ترى ويسعك ميزان الصدق فى الوصف والتوصيف، وميزان العدل فى التكييف والتقييم والتوظيف، وميزان الحق والقسطاس المستقيم لا الطغيان ولا الإخسار ولا التحامل ولا المجاملة ولا التطفيف، لكن ضع الإخوان والسلفيين والمدنيين والأحزاب والمثقفين والنخب والشباب وكل من أسهم فيما بين 12 فبراير 2011 و3يوليو فى ميزان التجربة الواحدة والخسائر والمسئوليات المشتركة والمتقاطعة.

انتقد الإسلاميين كيفما شئت لكن ليس معنى ذلك أن تهدم أحقيتهم فى تبنى فكر مختلف عنك وخط مسار مختلف عنك والعيش فى أرض لم تكتب باسمك دونهم وفى وطن لم يخلق لك وحدك.

انتقد الشباب الثوار كيفما شئت، ولكن النقد الحق أن تذكر ما لهم كما أنت حريص على ذكر ما عليهم، وأن تنظر مقامات قوتهم وفاعليتهم، كما ترى مقامات تعثرهم وإشكالياتهم.

انتقد مسار الثورة كيفما شئت، لكن بميزان ومعيار لا بهوى وانفعال، ولا تنكر أنها ثورة، وأنها قامت ضد ظلم واستبداد وفساد وإفساد وتبعية وخراب عام وشامل، وما كان لها أن تمضى قدما بلا مقاومة من قوى الشر ومحاور الثورة المضادة، فالتعثر ليس دليل شر ولا دليل فساد فضلا عن أن يكون دليل انكسار للثورة والثوار.

انتقد الشعب كيفما شئت لكن ليس معنى ذلك أن كل الشعب كذلك أو أن الشعب ليس إلا كما تراه أنت كذلك.

انتقد مخالفيك فى الأفكار والرؤى والمواقف والمسارات والقرارات، لكن لا تنكر عليهم حقهم فى الاختلاف معك، فضلا عن حقهم فى نقدك، وواجبك فى تقبل النقد كما أن النقد حق لك.

انتقد التيار الآخر المنافس لك ــ فكرا وحركة ــ لكن لا تمد هذا النقد إلى مساحات النقض والهدم والإزاحة والإزالة، والاستبعاد والاستئصال، فهذا المنطق يحيل حق النقد إلى حق التضحية بالآخر.

انتقد صاحبك فى الطريق كيفما شئت، لكن لا تجعل حق النقد ينسيك خطر الفقد، فالانتقاد الذى مآله الافتقاد ليس من العدل والرشاد، لأن مآله التشرذم والانفراط والانفراد.

انتقد الرئيس المدنى المنتخب كيفما شئت وتظاهر ضده واضغط عليه فى نوفمبر وديسمبر 2012 وحتى 30 يونيو 2013 كيفما شئت ولكن ذلك لا يسوغ لك تبرير الانقلاب عليه بقيادة العسكر وقوى ليس لها من المقام شىء.

كذلك من حق النقد و«النقد الحق» أن يمارس على نطاق واسع ما يمكن تسميته بـ«النقد الذاتى» والمراجعة للمواقف والتوجهات، ذلك أن احتراف كثيرٍ من هذه القوى «نقد الآخر»، ونقض مواقفه من كل طريق إنما يشغل هذه القوى عن نقد ذاتها، ومن الأكيد أن فئة واحدة لم تكن هى الخطأ الوحيد ولكن كل هذه القوى قد أخطأت فى حق شعبها، وفى حق ثورته وفى حق وطنها.

إن النقد فى حقيقته وممارسته هو صدق فى تقييم الأحداث وليس بأى حال نوع من تزوير المواقف والتاريخ، نقول ذلك فى إطار ذلك الهرج والمرج الذى ساد الخطاب لأحداث محمد محمود وما تبعه من أحداث ذلك أن التزوير على التاريخ لا يعد نقدا فى حقيقته وإنما كذبا فى طريقته ومحاولة تحميل طرف بعينه المغارم كافة فى محاولة للتخلص من قوته بل وتجريده من وجوده، إن النقد لا يعنى بحال أنه طريق للاستئصال أو الاستبعاد.

كذلك فإن النقد حينما يتجه لأى فئة لا يعنى بحال استحلال الدماء وتبرير استباحة أرواحهم وإزهاق نفوسهم، فإن حرمة الدم والنفس فوق أى نقد يمكن أن يحرض على قتل النفس أو يفوض فى دماء.

اعتقاد أى قوى سياسية لعصمتها أمر من الخطورة بمكان ومحاولة شيطنة القوى الأخرى هو أمر خطير فى كل حال، ذلك أنه يسهم ليس فقط فى صناعة الكراهية ولكنه أبعد من ذلك طريقة فى تحميل جميع المآسى لطرف دون الأطراف الأخرى.

من مقصودنا ونحن نتحدث عن النقد الحق أن نشير إلى نقد يمكن أن يشكل ضمن الحالة الثورية إضافة حقيقية فى مسار هذه الثورة والحفاظ عليها ولكن ليس من النقد الحق أن يكون نقدا يسهم فى صناعة الكراهية ويبدد كل طاقات الإيجابية وحركة الفاعلية ويورث حالة من الحروب الفكرية أو الاحتراب الأهلى أو انقسام الجماعة الوطنية وتشرذمها، فهل يمكننا أن نمارس حق النقد بحبل موصول مع النقد الحق لأن بهما تلتئم المجتمعات وتحمى الثورات.

(عن الشروق المصرية)
التعليقات (0)