مقالات مختارة

وعادت روسيا ...

هالة مصطفى
1300x600
1300x600
بالزيارات المتبادلة بين القاهرة وموسكو وآخرها زيارة وزيري الدفاع والخارجية الروسيين في زيارة هي الأولي من نوعها علي هذا المستوي منذ السبعينيات‏.

تفتح مصر أبوابها لعودة صديق قديم له رصيد تاريخي في العلاقات معه هو روسيا. وهي عودة ربما لم تكن لتتم لولا التوتر الكبير الذي اعتري العلاقات المصرية الأمريكية بعد إقدام واشنطن علي تجميد جزء من مساعداتها العسكرية السنوية لمصر بسبب الخلافات السياسية التي تصاعدت بين الجانبين مؤخرا.

من هنا تصدرت العلاقات المصرية الروسية عناوين أغلب الصحف المصرية و الأمريكية والروسية معا, علي أساس أنها علاقات ثلاثية الأطراف( مصر, أمريكا, روسيا) واعتبرتها بعض الآراء بديلا عن علاقات مصر بأمريكا, وحملت بعضها إدارة أوباما مسؤولية عودة النفوذ الروسي إلي بلد اقليمي مهم مثل مصر, وسارع بعضها الآخر إلي نفي أن تكون العلاقات المصرية الروسية علي حساب مثيلاتها المصرية الأمريكية, مثلما طالبت آراء أخري بأن يكون هناك توازن في تلك العلاقات بحيث تكسب مصر أمريكا وروسيا معا. وهي مطالب علي وجاهتها, الا أنها من الناحية العملية قد تكون صعبة التحقيق علي المدي الطويل. إذ أن لكل دولة منهما( أمريكا و روسيا) حساباتهما وتوجهاتهما ومصالحهما الدولية و الإقليمية. وبالتالي تنتظران من حلفائهما أن يدعموا سياساتهما, في زمن تشتد فيه المنافسة الدولية و لم يعد فيه مكان لما كان يعرف بسياسة عدم الانحياز. كان خيارعبد الناصر هو التوجه شرقا أي إلي الكتلة السوفيتية فخسرعلاقته بالولايات المتحدة والغرب. وكان خيار السادات علي العكس فخسر الاتحاد السوفيتي وأنهي نفوذه في مصر. ان الجمع بين الطرفين( الأمريكي و الروسي) كان دوما صعبا, إن لم يكن مستحيلا, خاصة إذا كنا نتحدث عن علاقات تحالف قوية وليس مجرد علاقات ثنائية عادية.

اليوم تتوجه مصر إلي روسيا وتعود الأخيرة إليها, ورغم الإقرار بأنها ليست الاتحاد السوفيتي إلا أنها وريثته سواء من ناحية القوة العسكرية, باحتفاظها بجزء كبير من ترسانته النووية, أو بالمقعد الدائم بمجلس الأمن أو بالاعتماد علي نفوذه التاريخي بالمنطقة.
ولكن يبقي السؤال هو عن أية عودة نتحدث؟

من المؤكد أن اهتمام روسيا بالشرق الأوسط كان ومازال كبيرا, بحكم جواره الجغرافي لأوراسيا( المنطقة الأوروآسيوية التي يشغلها الاتحاد السوفيتي) وكان سببا في الحروب التي خاضتها مع الإمبراطورية العثمانية سعيا للوصول إلي المياه الدافئة في البحر المتوسط, وهو عامل لم يتغيرحتي اليوم, فمعروف أنها تحتفظ بقاعدة عسكرية بميناء طرطوس السوري.

وقد شهدت حقبة ما بعد الحرب الباردة- التي شهدت وجودا مكثفا للاتحاد السوفيتي في المنطقة- مرحلة جديدة من السياسات الروسية ربما لم تصل الي صيغتها النهائية بعد, فقد تراوحت بين التراجع والانكماش( فترة جورباتشوف و يلتسين) الي التقدم و الطموح في استعادة القوة و المكانة ومزاحمة النفوذ الأمريكي( القيادة الحالية لبوتين) فباتت روسيا حاضرة بقوة في العديد من الملفات من إيران وسوريا و لبنان الي العراق وأفغانستان وحتي الجزائر والمغرب وقبلهما كانت ليبيا وهكذا. ولكن من المهم هنا التطرق الي ملامح السياسة الروسية الحالية, وأولها أنها لم تعد تتقيد بالمعايير الأيديولوجية التي كانت تحكم السياسة السوفيتية بل باتت تتسم بنزعة برجماتية واضحة بحيث يصعب معها تصنيف أصدقائها أو خصومها وفق هذا المعيار. فعلي سبيل المثال تتبع روسيا سياسات المواجهة لحركات المقاومة الإسلامية في الشيشان وغيرها من الحالات المماثلة في الدول المجاورة و تصنفها كمنظمات إرهابية, ولكنها تدخل في الوقت نفسه تتحالف مع إيران الدولة الإسلامية المساندة لكثير من التنظيمات المشابهة و تزودها بالتكنولوجيا العسكرية, خاصة فيما يتعلق ببناء مفاعلها النووي بوشهر مثلما قامت- أي روسيا- اباستقبال قيادات حماس2007( التي تدعمها إيران) وبررت ذلك بكونها ـ وصلت الي الحكم من خلال انتخابات ديمقراطية حرة ـ صحيح أن بعض التصريحات الروسية الحالية تشير إلي تصنيفها جماعة الإخوان المسلمين كجماعة ارهابية, إلا أن حماس تظل في النهاية فرعا منها, وفي ذلك نوع من الازدواجية. ناهيك عن أن أغلب التنظيمات المسلحة في المنطقة من حماس وحزب الله في لبنان والمجموعات الجهادية والمليشيات المنتشرة شرقا وغربا من سيناء الي ليبيا تستخدم السلاح الروسي.

الملمح الثاني للسياسة الروسية, يتمثل في التركيز علي الجانب الاقتصادي والتجاري في تعاونها مع دول المنطقة ولكن سياساتها ـ بعكس الولايات المتحدة ـ لا تقوم علي تقديم المنح والمساعدات وإنما علي المصالح وتبادل المنافع, أي هو تعاون مدفوع الثمن وهو أمر لا عيب فيه في ذاته وإنما لابد من أخذه في الاعتبار عند التوجه ناحية موسكو. ولا شك أن تصريحات بعض ممثلي شركات السلاح الذين رافقوا المسئولين الروس في زيارتهم للقاهرة بأن الإمداد بالسلاح يظل مستمرا طالما بقيت هناك قدرة علي تسديد قيمته تفهم في هذا السياق. كذلك فان مجالات التعاون الأخري لا تخرج عن الأسس التقليدية أي تبادل أو تعاون بين دولتين تصديرا واستيرادا, وفي هذا السياق تعد روسيا من أهم الدول التي تستورد منها مصر القمح.

الملمح الثالث, يكمن في تفضيل روسيا- بحكم خلفيتها التاريخية و الايديولوجية- التعاون مع الدولة, فليس معروفا عنها دعمها لمنظمات المجتمع المدني أو وضعها لمسألة الديمقراطية علي اجندتها الخارجية مثلما تفعل الولايات المتحدة التي تعتبر هذه المسألة هي جزء أصيل من سياستها الخارجية وموقفها تجاه الدول المختلفة. وربما هذا الملمح تحديدا قد يكون مريحا للدول المتعاونة مع موسكو لكونه يبعدها عن التدخل في الشئون الداخلية مصدر الازعاج الدائم للدول المرتبطة أو المتعاونة مع واشنطن. وبالتالي لم يكن لروسيا دور فيما عرف بثورات الربيع العربي, بل وتحفظت كثيرا علي ما حدث في ليبيا وساندت بقوة نظام بشار.

ويبقي الملمح الأخير, ويتعلق باسرائيل التي تربطها بها علاقات تعاون وثيقة في عديد من المجالات السياسية والتجارية, ورغم ما تطمح اليه روسيا في أن تكون وسيطا بينها وبين العرب, الا ان الأخيرة أي اسرائيل مازالت تتحفظ علي هذا الدور معطية الأولوية القصوي للولايات المتحدة.

ان التوجه نحو روسيا هو أمر مفيد, ولكنه يجب ان يكون بمنطق الربح والخسارة والميزات النسبية, فروسيا تنافس الولايات المتحدة علي نفوذها في الشرق الأوسط و لكن ليس الي الحد الذي يدخلها في مواجهة أو صدام مباشر معها.
(الاهرام 23 نوفمبر 2013)
التعليقات (0)