ملفات وتقارير

الإخوان وخيارات المستقبل: الانتقال للخارج، البقاء في الداخل.. أم المشاركة في الانتخابات

مؤتمر صحفي بديع مرسي
مؤتمر صحفي بديع مرسي
ماذا سيحدث للإخوان المسلمون حالة الإنتهاء من محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي وقادة الجماعة؟ وما هي الخيارات المتاحة أمامها لإعادة ترتيب أولوياتها والعودة بقوة للحياة  السياسية؟ فالحركة كما تبدو وبعد حملة القمع "مدمرة"، قادتها معتقلون أو هربوا من البلاد، أموالها مجمدة، مقراتها مغلقة، وتحت طائلة قانون الحظر أصبحت ممنوعة ولم يعد أفرادها  بقادرين على ممارسة نشاطاتهم العادية. 
بداية لا يتوقع أحد تبرئة مرسي من التهم الموجهة إليه، فليس الهدف من تقديمه للمحاكمة تبرئته بقدر ما هي محاولة لوضع "لمسات قانونية" على الانقلاب العسكري الذي عزله في تموز (يوليو) الصيف الماضي. كما هو استمرار لسياسة العسكر لاقتلاع شأفة  الإخوان المسلمون من الحياة السياسية المصرية.  
فإذا كان مرسي متورطا في الهجوم على المتظاهرين أمام قصر الإتحادية فلماذا لا تتم محاكمته إلى جانب وزير الداخلية التي شاركت قواته في الهجوم؟ والجواب كما يقول إريك تريغر الزميل الباحث في "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" بواشنطن، حي هو جزء من استراتيجية الحكومة الإنتقالية  السياسية لقطع رأس الاخوان وبالتالي تدمير حركتهم مما يعني أن محاكمات أخرى لقيادات في الحركة ستتبع محاكمة مرسي. ولا يستبعد الكاتب  في مقاله الذي نشرته مجلة "اتلانتك مونثلي" على موقعها انتصار الحكومة المدعومة من العسكر في المعركة الحالية ذلك أنها تملك قوة أكبر من تلك المتوفرة للإخوان وتحظى بدعم شعبي واسع. وأكثر من هذا يقول الكاتب أن المظاهرات التي ينظمها الأخوان وبشكل مستمر – وأحيانا ما تكون فوضوية-   وتقوم قوات الأمن  بفضها بالقوة وسط هتافات  المصريين المؤيدين للانقلاب مما عزز من موقع الحكومة. فالأزمة الحالية التي تمر بها الجماعة أدت إلى تشويش هيكلها الهرمي ويعمل مناخ الخوف الذي تعيشه على  منعها من القيام بنشاطاتها بشكل اعتيادي. 
 كل هذا لا يعني نهاية الحركة وأن علينا المسارعة لكتابة نعيها، فقد خرجت جماعة الأخوان المسلمون من النسيان مرتين. الأولى بعد اغتيال مرشدها حسن البنا في شباط (فبراير) 1949 حيث عادت الحركة الى الريادة السياسية ولعبت دورا مهما في حركة الضباط الأحرار التي أطاحت بالملك فاروق عام 1952. أما الثانية، فقد تبعت سنوات القمع التي مارسها جمال عبدالناصر ضدها في عام 1954 حيث خرجت الحركة من غياهب السجون واستخدمت الحرية النسبية التي منحها لها أنور السادات في سنوات السبعينات من القرن الماضي واستطاعت إعادة بناء بناها التي دمرت خلال عقدين من القمع الناصري، ووسعت من قاعدتها الشعبية التي استطاعت من خلالها الفوز بالسلطة بعد سقوط حسني مبارك  2011. 
ويتساءل تريغر عن الكيفية التي تعود فيها الحركة من جديد. ويقترح ثلاثة إحتمالات. الأول هو نقل الحركة قيادتها للخارج ومن ثم العودة حالة انتهت فترة القمع. وفي أثناء هذا تقوم الحركة بالاتصال مع قادتها وأركانها داخل مصر من خلال الشبكات الرقمية وأدوات التواصل الإجتماعي. ويعني هذا الخيار تعزيز قوة القيادات التي هربت للخارج، مثل السكرتير العام للإخوان محمود حسين الذي شوهد في تركيا وقطر، وجمعة أمين الذي يعيش في لندن، وستقع على عاتقيهما وأخرين إعادة بناء الحركة وإدارتها في هذه المرحلة الحرجة.
 ويرى الكاتب أن الإخوان قد وضعوا أسسا لهذه الاستراتيجية فقد نقلوا مركزهم الإعلامي للندن، وتقوم الجماعة باستخدام مراكزها في الخارج للتعامل مع كادرها الإعلامي في القاهرة. ويضيف تريغر أن هناك  سوابق لهذه الإستراتيجية فقد استخدمتها حركة النهضة التونسية في سنوات التسعينات من القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي عندما تمركزت قيادتها في لندن، لتعود إلى تونس بعد الثورة عام 2011 وتظهر كحزب سياسي قيادي في الحياة السياسية التونسية. واعتمد الإخوان المسلمون السوريون على هذه الاستراتيجية بعد حماة عام 1982  حيث نقلوا ما تبقى من القيادة للخارج ودعمت الجماعة وجودهم ماليا وتعليميا من أجل الحفاظ على التنظيم. ويرى تريغر أن هذا الخيار يتطلب صبراً، فقد انتظرت النهضة عقدين من الزمن كي تعود لتونس، فيما لا يزال الأخوان المسلمون السوريون ينتظرون العودة بعد العيش في المنفى لأكثر من ثلاثة عقود.
 أما الخيار الثاني فهو قيام القيادة الدنيا في الجماعة بإعادة بناء هرم القيادة من جديد ومن القاعدة للقمة.  وتقوم القيادات التي توزعت على "مناطق" بعد صدور الأحكام على قادة الإخوان بمن فيهم مرسي، بانتخاب قيادة مؤقتة، مما يعني بروز قيادات جديدة. وحتى ينجح هذا الخيار فيجب على القيادة الدنيا التركيز في هذه المرحلة على الحفاظ على الشكل التنظيمي والإداري للجماعة. وهي مهمة صعبة التحقيق في ظل استمرار الحركة احتجاجاتها وتظاهراتها المطالبة بعودة مرسي للحكم، لأن القمع المستمر جراء هذا يعقد من مهام التنظيم وإعادة بناء الحركة على المستوى المحلي. ومثل الخيار الأول فعلى الحركة أن تتحلى بالصبر لأن بناء الحركة من جديد يتطلب جهدا ووقتا قبل ان تظهر القيادات المناطقية وتؤكد حضورها على المستوى الوطني. 
الخيار الثالث هو قرار الجماعة المشاركة في الإنتخابات البرلمانية  حيث يشارك القادة في المستوى القيادي الأدني ليس باعتبارهم كتلة ولكن كأفراد. ويرى الكاتب أنه في  حالة اتخذت الحركة هذا القرار الإستراتيجي فإنها ستفوز بعدد جيد من المقاعد. وسيساعد الأخوان على الفوز واقع تنافس أكثر من شخص على مقعد برلماني  وقدرات الأخوان المعروفة في التنظيم والتحشيد. وسيضمن فوزها في مقاعد برلمانية عودتها للحياة السياسية والتي ستقوم من خلال بالتعبير عن مواقفها واهتماماتها. ويرى تريغر أن كل استراتيجية تعتمد على تعامل الإخوان مع واقع ما بعد الإنقلاب والإعتراف أن ما حدث في الصيف الماضي لا رجعة فيه. وفي الوقت الحالي ستتمسك الحركة بمطالبها لكنها قد تجبر لاحقا مع صدور الحكم على مرسي وقادة الجماعة على اعتناقه.
0
التعليقات (0)