سياسة عربية

حالة التفاؤل بـ"الرئاسي اليمني" تتلاشى.. لماذا؟

اليمن.. مواجهات عسكرية  (الأناضول)
اليمن.. مواجهات عسكرية (الأناضول)

تتلاشى حالة التفاؤل التي رافقت تشكيل المجلس الرئاسي بسرعة، في ظل عجز هذا الكيان وبعد ثلاثة أشهر تقريبا من قدومه لواجهة السلطة في اليمن، من القيام بأي إصلاحات تلامس هموم واحتياجات اليمنيين، ما يثير علامات استفهام وأسئلة عدة حول هذا العجز وأسبابه.

وشهدت مؤخرا، مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد، جنوبا، احتجاجات شعبية منددة باستمرار تدهور الأوضاع المعيشية والخدمية في المدينة، وعدم وجود معالجات اقتصادية لانهيار قيمة العملة المحلية أمام العملات الاجنبية، بعدما نكثت السعودية بوعودها التي قطعتها عقب الإعلان عن تشكيل المجلس مطلع إبريل/ نيسان الماضي، بدعم الاقتصاد اليمني بأكثر من ملياري دولار أمريكي.

ويسود التشكيك بتحقيق المجلس الرئاسي أي نتائج إيجابية لزيارته الأخيرة، شملت دولا خليجية إضافة إلى مصر، في الأسبوعين الماضيين، نتيجة حالة الانقسام داخل المجلس، وهيمنة السعودية والإمارات على قراراته وزمام الأمور في المناطق المستعادة، جنوب وشرق البلاد.

وعلى الرغم من تعهد دولتين خليجيتين، شملتهما زيارة، رئيس المجلس الرئاسي وأعضاء فيه، بتقديم دعم مالي للموازنة العامة للدولة وتنفيذ مشاريع تنموية في مدن عدة، يبرز هنا تساؤل مهم: أي دور يمكن أن تلعبه تلك الدول أمام جدار الصد وهيمنة الرياض وأبوظبي على مسارات الأحداث في المناطق الخاضعة عمليا، لسيطرة المجلس وحكومته؟

"لم تقبل بأي دور"

وفي هذا السياق، يرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني، أحمد الزرقة، أنه منذ اليوم الأول لإعلان المجلس كان واضحا مآل الأمور في اليمن وأهداف المجلس التي حددها بيان نقل السلطة أو بالأصح بيان الانقلاب الثاني على الشرعية والإطاحة بها.

وقال الزرقة في حديث لـ"عربي21": "فالمجلس الذي جيء به على عجل وبنصائح فاشلة من منظمات مدعومة غربيا كان الهدف منه هو تعزيز فرص المليشيات المتعددة شمالا وجنوبا في السيطرة على مقاليد السلطة وحرف أنظار اليمنيين عن معركة استعادة الدولة اليمنية من فم المليشيات الحوثية ومليشيا الانتقالي والساحل الغربي الموالية لأبوظبي".

وتابع: "وبالتالي فإنه لم يقترب مجلس القيادة الرئاسي من أي من تلك الملفات المعقدة، ولم يستطع حتى اللحظة تحقيق أي مكاسب سياسية أو اقتصادية أو عسكرية".

وأشار الكاتب اليمني إلى أن المجلس أيضا، فشل في إقناع مجتمع المانحين بمشروعه، وهذا ما ظهر جليا في نتائج زيارة العليمي ومرافقيه من أعضاء المجلس في الإقليم الذي بات يعرف أن المجلس ليس إلا أداة صنعتها الرياض وأبوظبي للتخلص من عبء الملف اليمني وتمهيدا لإنفاذ مشاريع تجزئة البلاد لكانتونات صغيرة.

وبحسب المحلل السياسي الزرقة فإنه "لا أحد من الدول التي زارها العليمي قبلت أن تلعب دور المصلح لما أفسده التحالف في اليمن"، مؤكدا أنه إذا كانت الرياض وأبوظبي قد رفضتا الإيفاء بتعهداتهما المعلنة عند تشكيل المجلس فكيف يمكن إقناع الآخرين بإصلاح ما أفسدته تلك الدولتين في اليمن؟

"نحو الأسوأ"

من جانبه، قال الكاتب والصحفي اليمني كمال السلامي، إنه من الواضح أن الأمور بعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي تتجه نحو الأسوأ، وفي كل المجالات، فالمجلس بقيادة العليمي لم يتمكن حتى اللحظة من تحقيق أي إنجاز على المستوى الاقتصادي والخدمي، وحتى السياسي والعسكري.

ولعل أبرز معالم المرحلة السابقة، وفق السلامي في حديثه لـ"عربي21": "هو تمكن الحوثي من انتزاع مكاسب غير مسبوقة، كفتح مطار صنعاء وتخفيف القيود عن ميناء الحديدة (غربا)"، مشيرا إلى أن هذه المكاسب التي فهمتها الجماعة على أنها تراجع في مواقف الشرعية، لترفع بعد ذلك من مستوى خطابها، وترفض فتح الطرقات أو أي إجراءات أخرى تصب في خانة التهدئة".

وأكد الكاتب اليمني أنه من الواضح أن الرئاسي وجد لهدف معين يريده شركاء الشرعية الخارجيين، وهو الوصول إلى صيغة سلام تضمن أمن المنطقة، ولا بأس في حال تركت اليمن بيد الانقلابين شمالا وجنوبا.

وعلى المستوى الداخلي، يوضح السلامي أنه لم يعد يخفى على أحد أن المجلس الرئاسي أصبح رهينة بيد الانتقالي، ينفذ ما يملي عليه عيدروس الزبيدي وحسب".

 

اقرأ أيضا: ما هي فرص استمرار الهدنة "الهشة" في اليمن؟


وقال: "حتى إن المعلومات تشير إلى أن كل القرارات التي أصدرها العليمي سابقا تم تجميدها باستثناء تلك التي تصب في مصلحة الانتقالي وحلفائه الخارجيين".

وأما بخصوص احتمال وجود دور إقليمي إيجابي، فذكر المتحدث ذاته أن هذا الأمر متعلق بمدى موافقة ورضا السعودية والإمارات، فاليمن أصبحت بقبضتهما من جهة، وقبضة إيران من جهة أخرى.

ولفت الكاتب اليمني السلامي إلى أن الوعود التي قطعتها السعودية والإمارات قبيل تشكيل المجلس لم يتحقق منها شيء، وأي وعود لاحقة من أي دولة، ستكون مقيدة بشروط، مستبعدا قدرة قيادة المجلس الرئاسي على تنفيذها، بسبب حالة الانقسام والتباين داخل تلك القيادة.

"ضحية لنفوذ أبوظبي"

من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي اليمني ياسين التميمي، إنه منذ أن جرى نقل السلطة إلى المجلس الرئاسي كان التفاؤل لدى معظم اليمنيين مشوبا بالحذر، لأن ما بدا أنه توحيدٌ للقوى العسكرية والسياسية لم يكن سوى تمكين لقوى الأمر الواقع وتحريرها من المرجعية الدستورية للسلطة العليا التي تمثل المشروع الوطني والدولة اليمنية بكيانها القانوني المعترف به دوليا غير قابل للتفكيك أو التجزئة.

وأضاف التميمي خلال حديثه لـ"عربي21": "هذا التمكين تجلى في صورة السيطرة شبه الكاملة على الشرعية والتحكم في قرارها ورهنه بالكامل لدولتي التحالف".

وأشار إلى أن المؤشرات الأولية تبرهن على أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي وعددا من أعضاء المجلس سيواجهون مجددا عقدة التعايش مع قوات الأمر الواقع في عدن التي يمثلها المجلس الانتقالي الذي يدفع باتجاه إحياء طموحاته الانفصالية إلى الحد الذي يهدد التماسك الظاهري الهش لهذا المجلس.

وتابع: "يأتي ذلك، في وقت يعاني فيه المجلس الرئاسي من تراجع منسوب الدعم الفعلي السياسي والاقتصادي من جانب دولتي التحالف وربما بات ضحية لاستمرار النفوذ الإماراتي المهدد للسيادة اليمنية في جنوب البلاد".

وبحسب الكاتب اليمني: "فقد أحكمت دولتا التحالف سيطرتهما على القرار السياسي والاقتصادي، واغلقا الباب أمام أي مبادرة من جانب دول المنطقة لدعم اليمن في هذه المرحلة، على الرغم من المؤشرات العديدة على تجاوز الأزمة الإقليمية الأكثر تأثيرا على وحدة وبسلامة الأمن الاقليمي وأعني بها الأزمة الخليجية".

وأكد السياسي التميمي أن وجود رشاد العليمي (رئيس المجلس الرئاسي) في الرياض يبدد الآمال التي انتعشت منذ عودة المجلس إلى عدن لممارسة مهامه من العاصمة المؤقتة".

ويمضى قائلا: "ولأن الرئيس لم يصارح اليمنيين بظروف عمل المجلس في عدن، فإنه لن يصارحهم بسبب وجوده في الرياض دون برنامج عمل معلن، سوى تلك الإشارة التي وردت في تغريدته بشأن طلبه من الأشقاء مساعدة الحكومة على مواجهة الوضع الكارثي في المناطق المحررة جراء أزمة الطاقة والتدهور المعيشي في هذه المناطق (المحررة)".

وكان العليمي رئيس الرئاسي اليمني، قد أجرى في الأسابيع الماضية، زيارة بدأها بالكويت مرورا بالبحرين ومصر، واختتمها بدولة قطر، تلقى خلالها وفق وكالة الأنباء الرسمية "سبأ"، وعودا بتقديم دعم مالي لموازنة الدولة وتنفيذ مشاريع تنموية منها في مجال الطاقة الكهربائية في مدينة عدن، عاصمة البلاد المؤقتة.

التعليقات (0)