صحافة دولية

MEE: قائد جيش لبنان يحاول رسم خط فاصل بين العسكر والحكام

يشهد لبنان انهيارا اقتصاديا وسياسيا - جيتي
يشهد لبنان انهيارا اقتصاديا وسياسيا - جيتي

نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني تقريرا تحدّث فيه عن محاولات قائد الجيش اللبناني النأي بالجيش عن النخبة السياسية وسط تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن العماد جوزيف عون يحاول حماية الجيش من تداعيات الانهيار الاقتصادي وربما يهيئ نفسه للترشح للرئاسة. ومنذ تعيينه قائدا للجيش في آذار/ مارس 2017، نادرا ما علّق على شؤون البلاد الحالية. ولكن بعد أربع سنوات، خرج قائد الجيش عن صمته الشهر الماضي من خلال توبيخ الحكومة اللبنانية لخفض ميزانية الجيش في خطاب لاذع.

 تساءل عون بغضب، مستنكرا مزاعم مسؤولين سياسيين لم يكشف عن أسمائهم بأن الجيش أهدر الموارد: "هل تريدون الجيش أم لا؟ هل تريدون أن يقف الجيش على قدميه أم لا؟ نحن نرفض كل من يتعدى على حقوق الجنود".

 وذكر الموقع أن قيمة الليرة اللبنانية انخفضت منذ أواخر 2019 وفقدت أكثر من 80 بالمئة من قيمتها، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل كبير بأكثر من 400 بالمئة حتى الآن. وبات راتب الجندي اللبناني الآن أقل من 120 دولارا، أي ما يقارب 25 بالمئة من الحد الأدنى للأجور في البلاد التي تعاني من ضائقة مالية.

 

اقرأ أيضا: "الدولار المدعوم" يثير أزمة بلبنان.. ووزيرة العدل تدين القضاء

تشهد ميزانية الجيش تخفيضات سنوية. ففي حزيران/ يونيو، حُذف اللحم من قائمة طعام الجيش. وفي شباط/ فبراير، قدمت فرنسا 60 ألف دولار من المساعدات الغذائية للجيش، التي تضمنت فقط الأساسيات من زيت الطهي والكربوهيدرات والأطعمة المعلبة. ومع شعور الجيش بآثار الأزمة الاقتصادية في لبنان مثلهم مثل بقية الشعب، كانت الضغينة واضحة في البيان الذي ألقاه عون، الذي زعم أن الجيش ضحية حملات تشهير سياسية تهدف إلى زعزعة استقرار الجيش والأمن القومي.

طموحات رئاسية؟

كان لكلمات قائد الجيش صدى في جميع أنحاء البلاد. تكهن المحللون وكتاب الأعمدة بأنه ليس من المستبعد أن يترشح هذا المسؤول العسكري للرئاسة في لبنان، إذ أن الرئيس الحالي للبلاد واثنين من أسلافه كانوا جميعا قادة سابقين. ومن المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية في أواخر العام المقبل، لكن القائد العسكري لم يعرب صراحة عن رغبته في خلافة الرئيس الحالي الذي يحمل اللقب نفسه.

وأشار الموقع إلى أن الأمر الوحيد المؤكد هو أن العلاقة الوثيقة بين قائد الجيش ورئيس البلاد تدهورت خاصة أن المجتمع الدولي أصبح أكثر انتقادا لمعظم الأحزاب الحاكمة في لبنان. لم يردّ الجيش اللبناني على طلب ميدل إيست آي للتعليق على التكهنات السياسية الأخيرة وعواقب خطاب القائد العسكري. وبغض النظر عن التكهنات، فإن ما يتّضح بالتأكيد هو أن الجيش اللبناني يقف الآن عند منعطف حاسم في تاريخه.

شهد لبنان على مدى الأشهر الـ 18 الماضية انتفاضة وانهيارًا اقتصاديا تفاقم بسبب جائحة كورونا، وانفجار ميناء بيروت الذي دمر جزءا كبيرا من العاصمة. تصرفت الدولة المفلسة وكأنها في غيبوبة وفوضت الاستجابة لمختلف الأزمات إلى الجيش. ومهما كانت الدوافع، فمن الواضح أن جوزيف عون يحاول فصل الجيش عن النخبة السياسية الفاسدة في البلاد من خلال تقديم القوات اللبنانية على أنها ضحايا للفساد المستشري وسوء الإدارة، تماما مثل الكثير من السكان الغاضبين والساخطين الذين يعيش أكثر من نصفهم في الفقر.

مصافحة اليد التي تهزمك

في بلد يعاني من الانقسامات الطائفية والسياسية، يُنظر إلى الجيش اللبناني على أنه كيان نادر يفوق السياسيين قوّة - على الأقل من الناحية النظرية. من سنة 1975 حتى 1990، دمرت الميليشيات الطائفية التي لا تعرف الرحمة لبنان في حرب أهلية وحشية، وفي ذلك الوقت نأى الجيش بنفسه تاركا البلاد تحت سيطرة الميليشيات الطائفية ورعاتها. ومنذ ذلك الحين، تم الإشادة بالجيش من قبل اللبنانيين من جميع الأطياف كقوة موحدة وذي مكانة شبه مقدسة.

نقل الموقع عن المحلل السياسي بشار الحلبي قوله: "كان الجيش هو كيان الدولة الوحيد القادر على حشد دعم الأغلبية عبر الخطوط الطائفية. الناس لا يريدونه أن يتفكك". وعلى الرغم من أن الانخراط في الجيش لا يضمن لك حصانة من المحسوبية السياسية سيئة السمعة والمحاصصة الطائفية في لبنان، إلا أنه كان يضمن الأمن المالي ومستوى معيشي مقبول. وأضاف الحلبي: "كل الطوائف تنظر إلى الجيش على أنه كيان الدولة الذي تتجه إليه لضمان الاستدامة المالية. بشكل رئيسي خارج بيروت، الجميع مستثمر في الجيش".

دعا بعض المتظاهرين المناهضين للحكومة إلى الحكم العسكري في لبنان، في الغالب بشكل انتقالي. لكنهم يمثلون نسبة ضئيلة مقارنة بأولئك الذين يقدسون المؤسسة. إنها حقا علاقة معقدة، تتضح أكثر على تقاطع جل الديب على الطريق الساحلي السريع، الذي أصبح منطقة ساخنة خلال انتفاضة 2019.

وذكر الموقع أنه على الرغم من أن الجيش ابتعد إلى حد كبير عن الاحتجاجات في العاصمة، إلا أن قواته كانت مكلفة في كثير من الأحيان بتفريق المتظاهرين عن الشوارع في أماكن أخرى. في جل الديب، حاول الجيش في كثير من الأحيان احتواء الاحتجاجات. في إحدى المرات، كافح جندي كي يحبس دموعه بينما كان المتظاهرون يهتفون بالنشيد الوطني اللبناني، وكان أحد المتظاهرين يواسيه. في وقت لاحق، شوهد أحد المتظاهرين وهو يعانق جنديا يبكي، بعد أن تلقى أوامر بإبعاد المتظاهرين بالقوة لإخلاء الطريق السريع.

لكن في نفس الأماكن التي عانق فيها الجنود والمدنيون بعضهم باكين، حدثت أيضا أعمال عنف. في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر، اعتدى جنود بالضرب على المتظاهر فادي نادر على طريق جل الديب. لقد تعرض للدهس والركل والضرب بأعقاب البنادق والهراوات وغطت الكدمات جسده.

في اليوم التالي، عاد نادر إلى الطريق السريع، هذه المرة على كرسي متحرك وموصول بقسطرة وريدية. لقد كان مستاء مما حدث له، لكنه لم يلم الجيش. وقال للصحافة: "لا يمكن للحكام أن يضعونا والجيش ضد بعضنا البعض، فهم إخواننا. قلت للجنود إننا نفخر بزيكم العسكري، وأحذيتكم على رؤوسنا". وصفق الحشد من حوله.

ولكن ما يعكر الصورة ادعاء المتظاهرين في عدة مدن بأنهم تعرضوا للتعذيب على أيدي قوات الأمن والجيش في البلاد. كما حوكم المتظاهرون في محاكم عسكرية في لبنان، ووجهت إليهم أحيانا تهم بالإرهاب.

بندقية في يد وطرد غذائي في اليد الأخرى

ذكر الموقع أن سنة 2020 كانت كارثية وصعبة على لبنان. بينما وقفت الدولة مكتوفة الأيدي، قامت الأحزاب السياسية الطائفية وشبكات المحسوبية سيئة السمعة في لبنان بتعقيم الأحياء خوفا من انتشار فيروس كورونا ووزعت حزم المساعدات على أولئك الذين يكافحون. من جهتها، خصصت الحكومة دفعة نقدية لمرة واحدة للأسر ضعيفة الدخل. ومع ذلك، أرجأت وزارة الشؤون الاجتماعية العملية بعد اكتشاف تناقضات في القائمة، وطلبت من الجيش فحص الوثائق.

في ذلك الوقت، كانت المساعدة النقدية تساوي حوالي 140 دولارا، لكن التأخير في توزيعها إلى جانب ارتفاع الأسعار جعلها عديمة الجدوى. وحتى وزير الشؤون الاجتماعية نفسه قال إن حوالي 75 بالمئة من السكان بحاجة إلى المساعدة. كما وقع تكليف الجيش بتوزيع المساعدات.

نقل الموقع عن ناصر ياسين، أستاذ السياسة والتخطيط بالجامعة الأمريكية في بيروت: "عندما لا تتمكن الإدارات المدنية من القيام بوظائف معينة، فإنهم يطلبون من الجيش القيام بذلك"، مضيفا أن مؤسسات الدولة غالبا ما تكون غير مجهزة بالقدر الكافي ويقع إدارتها بطريقة سيئة. وصرح قائلا: "لماذا الجيش؟ إنه فعال وموثوق به إلى حد كبير من قبل المواطنين، على عكس السياسيين".

بعد أربعة أشهر، انفجر ميناء بيروت، مما أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة الآلاف وتشريد 300 ألف شخص. سيكلف إصلاح العاصمة المدمرة حوالي 15 مليار دولار.

أشار الموقع إلى أن قائد الجيش كان يلتقي بشكل روتيني مع عمال الإنقاذ والمسعفين، وينسق عمليات البحث والإنقاذ مع الفرق الدولية. من جهتها، وضعت السلطات بيروت في حالة طوارئ، ومنحت الجيش صلاحيات استثنائية، لا سيما في المرفأ ومحيطه. وأصبح الجيش أيضا المستلم والموزع الرئيسي للمساعدات الإنسانية الأجنبية. حتى أنه قام بمسح أكثر من 85 ألف مبنى متضرر.

وقال ياسين إن قيام الجيش بدور فاعل في أعقاب كارثة مثل انفجار بيروت أمر مفهوم، لكن دوره متعدد الأوجه يعني أنه "يمثل الآن الدولة في الشارع". قد يعني ذلك أن محاولة جوزيف عون فصل الجيش عن الطبقة الحاكمة لن تكون مهمة سهلة، لا سيما أن الحياة تزداد صعوبة بالنسبة للبنانيين مع احتمال ضئيل للتعافي الاقتصادي.


 

التعليقات (0)