صحافة دولية

البايس: أمريكا خسرت حرب أفغانستان رغم كسبها المعارك

بايدن خلال زيارة للمقبرة الوطنية لقتلى الجيش الأمريكي في فرجينيا- جيتي
بايدن خلال زيارة للمقبرة الوطنية لقتلى الجيش الأمريكي في فرجينيا- جيتي
نشرت صحيفة "البايس" الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن تعهد الولايات المتحدة بسحب قواتها من أفغانستان دون شروط بحلول أيلول/ سبتمبر.

وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن الولايات المتحدة أعلنت عن نيتها سحب قواتها من أفغانستان بعد حرب استمرت قرابة 20 سنة، دون أن يتضح إلى الآن ما إذا ربحت أو خسرت في أطول صراع تدخلت فيه.

ومن المفترض أن تنتهي الأزمة التي يسميها البعض "الحرب التي لا نهاية لها" قبل الذكرى العشرين لهجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001 بالنسبة للقوات الدولية التي لا تزال منتشرة في الأراضي الأفغانية - حوالي 10 آلاف جندي تحت مظلة الناتو 2500 منهم تابعون للولايات المتحدة - ولكن ليس بالنسبة لأفغانستان التي تغرق في حالة من عدم اليقين.

وأضافت الصحيفة أن رئيس الوزراء السويدي السابق والوسيط الدولي كارل بيلت تحدث عن هذه الأزمة في مقال نُشر قبل وقت قصير من إعلان الانسحاب الأمريكي قائلا: "في خطاب ألقاه في الرابع عشر من شهر شباط/ فبراير بمناسبة الذكرى 32 للانسحاب السوفيتي من أفغانستان، أوضح رئيس أفغانستان أشرف غني أمرا في غاية الأهمية".

وقالت: "لم تندلع الحرب الأهلية التي دمرت أفغانستان بسبب رحيل القوات السوفيتية، وإنما بسبب انعدام القدرة على صياغة خطة قابلة للتطبيق لمستقبل أفغانستان. الآن بما أن الولايات المتحدة تفكر في مغادرة البلاد، يجب أن تأخذ هذا الدرس بعين الاعتبار".

وأشارت الصحيفة إلى أن الجنود الأمريكيين الذين خدموا في أفغانستان، والذين أجرت الصحافة الأمريكية مقابلات مع بعضهم، يتركون انطباعا بأنهم يغادرون بلدا على حافة الهاوية ودون أن يوضحوا ما إذا كان النسيج المؤسسي الأفغاني قد تحسن بعد مرور 20 سنة من التدخل الذي كلّف المليارات. ومن غير المعروف أيضا ما إن كان الجيش الأفغاني قادرا على الحفاظ على الأمن حتى لا يعاني شعبه مرة أخرى من الاستبداد، مثل ما عاناه من حكم طالبان.

وحسب الباحث في معهد إلكانو الملكي الإسباني، فيليكس أرتيغا، فإن الأمريكيين "لم يخسروا أي معركة، وإنما خسروا الحرب". وأضاف الباحث أن "هدف مكافحة الإرهاب كان ناجحا، لكن المجتمع الدولي فشل في تحقيق هدف بناء دولة. وفي الواقع، لم يكن الهدف النهائي للتدخل واضحًا تماما".

ويشير هذا الباحث إلى كيفية تغير أسباب التدخل، من طرد عناصر القاعدة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر إلى بناء دولة قوية بما فيه الكفاية حتى لا تصبح مرة أخرى قاعدة للإرهاب الدولي والسماح للأفغان وخاصة الأفغانيات بالعيش في سلام.

وأشارت الصحيفة إلى أن تحقيق هذا الهدف يبدو في الوقت الحالي بعيد المنال. فوفقا لأحدث بيانات الأمم المتحدة، ارتفع عدد القتلى والجرحى المدنيين خلال الربع الأول من سنة 2021 بنسبة 29 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2020، بحصيلة 573 قتيلا و1210 جرحى، أي بمعدل أكثر من ستة قتلى يوميا.

ويوم الأربعاء، قال الجنرال الأمريكي ديفيد بتريوس في مؤتمر نقلته مجلة "ديفانس وان": "أتفهم جيدا الإحباط الذي أدى إلى اتخاذ قرار الانسحاب. لا أحد يريد أن يرى نهاية الحرب أكثر من أولئك الذين قاتلوا فيها، لكنني أعتقد أننا بحاجة لأن نكون حذرين للغاية بشأن خطابنا، لأن إنهاء تورط أمريكا في حرب لا نهاية لها لا ينهي الحرب التي لا نهاية لها. فقط انتهت مشاركتنا فيها، وأخشى أن تزداد هذه الحرب سوءا".

وذكرت الصحيفة أن هناك مخاوف من أن يعيد التاريخ نفسه في هذه الأزمة. عاشت أفغانستان في حالة حرب منذ 1979، عندما غزت قوات الاتحاد السوفياتي البلاد لحماية نظام شيوعي صوري. وبعد عشر سنوات، كما حدث قبل قرن من الزمان مع القوات البريطانية، أصبح الاتحاد السوفياتي الإمبراطورية الثانية التي هزمها المجاهدون الأفغان، الذين حصلوا على المساعدة العسكرية والاقتصادية من الولايات المتحدة برحيل موسكو، واندلعت حرب أهلية طاحنة دمر من خلالها أمراء الحرب أفغانستان، وهم أنفسهم الذين يسيطرون اليوم على البلاد.

وتحوّل جزء كبير من كابول إلى أنقاض. كما سيطرت حركة طالبان على الدولة بأكملها تقريبا في سنة 1996 لأنها كانت قادرة على فرض النظام. ولكن توجّه هذه الحركة يقوم على تفسير متشدد للإسلام يحكم على النساء والفتيات بالخوف والخضوع والجهل. كما أصبحت أفغانستان ملاذا آمنا لجماعة القاعدة الإرهابية، التي استخدمها أسامة بن لادن لتخطيط وتنفيذ هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر.

مهما حدث في الأشهر المقبلة، ستستمر أفغانستان في احتلال نفس المكانة الحاسمة والاستراتيجية التي ميزت تاريخها منذ عهد الإسكندر الأكبر. في هذا السياق، يقول فرانك لي هولت، مؤرخ في جامعة هيوستن ومؤلف كتاب عظيم عن الإسكندر في أفغانستان بعنوان "في أرض العظام": "من المهم أن نتذكر أن أفغانستان جزء من آسيا الوسطى، وهي مهمة للغاية لأنها منطقة مركزية في الجغرافيا السياسية للعالم. غالبا ما يخطئ الغربيون عند اعتبار أفغانستان منطقة هامشية، في حين أنها تقع في قلب الكتلة الأرضية الأوراسية العظيمة. ما يحدث هناك يؤثر على الجميع تقريبا".

وأكدت الصحيفة أن مجلس الأمن الدولي قرر بعد التدخل الأمريكي نشر قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان "إيساف" بأفغانستان، التي تضم قوات أكثر من 40 دولة بما في ذلك إسبانيا. استمرت المهمة حتى سنة 2015، حين تم استبدال هذه القوة الدولية بأخرى تابعة لحلف الشمال الأطلسي ركزت بشكل أساسي على تدريب الجيش الأفغاني.

وحسب المقدم خواكين أغيري أريباس، رئيس قسم الاتصالات الاستراتيجية في هيئة الأركان العامة للدفاع، فإن "هدف نشر هذه القوات في أفغانستان تمثّل في السماح للحكومة الأفغانية بتوفير الأمن الفعال وتطوير قوات الأمن ومن ثم تقديم التدريب والمشورة والمساعدة لقوات الدفاع والأمن الوطنية الأفغانية".
 
التعليقات (0)