كتاب عربي 21

"دافشني" قدس الله سره!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
لا تثريب على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان؛ إن دفع عداً ونقداً في لوحة 450 مليون دولار، مليون ينطح مليوناً، فقديماً قال المصريون: "من معه جنيه ومحيره يشتري به حمام ويطيره"!

فالذي شغلني في أمر لوحة "المخلص"، التي أرسل من أجلها "ابنُ سلمان"؛ الأميرَ "بدر بن عبد الله" لدخول المزاد المنصوب عليها، أنه لم يُعرف عن الأميرين، التابع أو المتبوع، غراماً بالفن التشكيلي، أو ولهاً بالرسوم. فالمؤكد أن الأمير ولي العهد، وقد رزقه الله بسطة في الجسم، لا يوحي لبسطته هذه أن لديه ميولاً فنية، أو هويات من أي نوع، وربما تكون هوايته مرتبطة بالأكل، ولا بأس!

فكثير من الأثرياء العرب انتهوا من مرحلة اقتناء الكتب، من باب الوجاهة الاجتماعية، إلى مرحلة اقتناء اللوحات الفنية، وهذا ما كان سبباً في رواج لوحات وزير الثقافة المصري السابق "فاروق حسني"، مع أنها تنتمي للفن التجريبي الذي يفتقد لأي قيمة فنية، وعلى نحو جعل الوزير المصري يقول إن اختياره لموقع الوزير وقع عليه بالخسارة، فثمن لوحة واحدة يتجاوز راتبه كوزير لعدة سنوات، مع أن المعروف أن تقدير لوحاته ارتفع بعد اختياره وزيراً. ولأنه كان يردد بأنه فنان غالي الثمن، فقد سألته سؤالاً خبيثاً عن ثمن اللوحة الآن، وأغلى لوحها باعها قبل أن يصبح وزيراً، فتحايل، وسأل ضاحكاً إن كنت مفتشا بمصلحة الضرائب!!

رأيي أن الأرقام الفلكية للوحاته مرتبط باختياره وزيراً، وإذا كان البعض بالمقارنة يوحي أن شراء لوحاته كان رشوة لموقعه الوظيفي، إلا أنني أرى أن ذلك بسبب أن أثرياء هذا الزمان كانوا يشترون وجاهة لا فناً، وعلى طريقة من يدخل محلاً فيطلب أغلى بضاعة، باعتبارها الأجود و"زينة". فقيمة اللوحات الفنية ليست عند هؤلاء في ذاتها، ولكن في اسم الرسام، وفاروق حسني، فناناً ووزيراً، ولهذا فلا جناح على محمد بن سلمان إن اندفع لشراء اللوحة باعتبار أنها للفنان الإيطالي "ليونارد دافنشي" قدس الله سره، فرأى لذلك، أنها ستأتي له بسمعة، تعيد تدويره باعتباره فناناً أو يقدر الفن، إذا تجاوزنا القيمة المدفوعة فيها، والتي لا يمكن قبولها إلا في اطار السفه. لكن لا بأس، فقد اعتمدنا ما قاله المصريون القدماء: "من معه جنيه ومحيره يشتري به حمام ويطيره"!

البأس الشديد، في أن هذه اللوحة، هي لـ"المخلص"، وهي ترمز لعقيدة أصحابها، ولا يمكن قبول ما حدث إلا في إطار سياسية جديدة تعتمدها السلطة في بلاد الحرمين، تتمثل في اعتماد النموذج الغربي، في الفكر ولإثبات التحضر، وليس في السياسة. والغرب الذي قبل النموذج الموغل في الرجعية من القوم سابقاً، سيقبل منهم المدنية الزائفة الآن، ولن يحاسبهم على أكثر من هذا، فلا حديث عن التعددية السياسية، أو حق الشعب في اختيار حاكمه وبرلمانه، فيكفي محمد بن سلمان، أن يفتح بلاده للحفلات الغنائية، والسماح للنساء بقيادة السيارات دون قيادة الدولة، والتحرر من الحجاب دون التحرر من بطش السلطة، ليتم اعتماده ملكاً بإرادة أمريكية وليس بإرادة الشعب السعودي، ما دامت هناك مليارات منحت لترامب، وما دامت هناك ملايين دفعت في لوحة تجسد "المخلص"، وهو المال السعودي السائب الذي استولى عليه أهل الحكم هناك، لدرجة أن يتم دفع 450 مليون دولار عداً ونقداً في لوحة، ليست للمسيح، ولكن لتخيل "دافنشي" له عليه السلام.. ولأنه كان شاذاً جنسياً، فقد جعل من صدر "المخلص" صدراً لامرأة، على نحو كان ينبغي أن يدفع الكنائس لأن تندد بهذا الشذوذ، لكن لا بأس.

البأس الشديد أيضاً؛ في الدعاية التي أطلقت عندما اعتقل ابن سلمان الأمراء السعوديين، وقيل إن ذلك لمحاربة الفساد، ثم يتم دفع هذا المبلغ عداً ونقداً لشراء لوحة لكسب رضا الغرب، وإثبات السماحة السعودية الآن، وسط صمت غربي على هذا الاعتقال، والاستيلاء على المال الخاص؛ الذي لم تعلن مصارفه بعد تأميمه، وهل يذهب إلى ترامب أم إلى لهذا السفه حتى وإن كان في المال الخاص، وهو تصرف، لو أقدم عليه رب أسرة، لجاز قانوناً لأفراد هذه الأسرة أن يحجروا عليه، لمنعه من التصرف في ماله، وذلك رداً على ما قاله مسؤول إماراتي بأن المال مالهم، وأن اللوحة ستوضع في معرض أبو ظبي، وهو تصرف غريب حقاً؛ أن يُدفع من مال الشعب في بلاد الحرمين ثمن لوحة، لكي توضع في معرض المسروقات في الإمارات، ومعظم الآثار جاءت من مصر، بواسطة الحليف المصري تاجر الآثار!

عندما يُدفع في لوحة عداً ونقداً 450 مليون دولار، فإن سؤالاً يطرح نفسه: هل هذا هو مال الشعب في بلاد الحرمين، أم من المال الخاص لولي العهد؟ ليكون السؤال: فكم ثروته لينفق كل هذه الملايين على لوحة، لكسب رضا الغرب المسيحي؟.. وألا يسري على ولي العهد ما يسري على الأمراء الذين ألقى القبض عليهم بتهمة الفساد، ليكشف عن الحقيقة في ذلك وهي أنه اعتقال لنزاع على السلطة، وبهدف الاستيلاء على أموالهم أو جزء منها؟!

وإذا كانت الأولى، فمن أعطى ولي العهد الحق ليتصرف في مال الشعب في بلاد الحرمين تصرف المالك فيما يملك، ولشراء لوحة تخالف عقيدة المسلمين، بهدف تمرير تنصيبه ملكاً بإرادة غربية، ليعايرونا بعد ذلك بأن إسرائيل هي واحة الديمقراطية في منطقة الطغيان السياسي، مع أن هذا الطغيان فرض علينا بإرادة البيت الأبيض؟

لا بأس، فمن معهم جنيه ومحيره يشتري به حمام ويطيره.
التعليقات (5)
هشام ميشلان
الخميس، 14-12-2017 02:35 م
سمعت الخبر على قناة الجزيرة مرارا و تكرارا ، و أنتم تعلمون بأن التكرار يعلم الحمار ، ـ عفوا الشطار ـ ، و نحن الشعوب من شطار الحمير أعزكم الله ، فظننت بأنه من كيد القنوات ، فإن كيدهن ـ كما تعلمون ـ بينهن عظيم ، لكن اتضح لي بأن الجزيرة ناقل للخبر ليس إلا ، و كما تعلمون فإن ناقل الكفر ليس بكافر ، و رب سامع أفقه من ناقل ، و ذلك لأن الخبر صدر من مصدر موثوق لم يشترط عدم ذكر إسمه ، بل صرح بمهنته و مقر عمله ، فهو ليس أقل من حهاز المخابرات الأمريكي ، عمله الأصلي في رصد و تقصي الأخبار و نشر الأخبار و تصليح الساعات أيضا ، و بما أن المصدر موثوق طارت به الجزيرة فرحا و كادت تعمل منه مسلسلا مكسيكيا من خمسمائة حلقة ملضومة في بعض ، لا ألومها ، ذاك حقها الشرعي ، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى بها ، و الجزيرة ـ لا حرمنا الله منها جعلت من الخبر مسلسلا مكسيكيا ، و فيلما وثائقيا ، و سبقا صحفيا ، و برنامجا حواريا ، و برنامجا فنيا تثقيفيا ، و هي ماضية في إعداد حلقات لركن المرأة و الطفل و البرامج الصباحية ، " يعني زي ما انتو عارفين ، فضيحة بجلاجل ، و اللي ما يشتري يتفرج " و هي تعلم أننا نتفرج و لا نشتري لوحات بأكثر من دولارين بالصدفة في سوق الحرامية ، لسبب وجيه و هو أن بائع اللوحة ـ الحرامي كما تعلمون ـ لو لم يقبل الدولارين اليتيمين سيفقد اللوحة و باقي المسروقات و يدخل السجن ، و كما تعلمون المثل المغربي القائل : " بشحال ما باع السارق رابح " أظن أن المثل لا يحتاج لترجمة فورية ، أي أن السارق يكسب رغم بيعه المسروقات بثمن بخس ، و عودة إلى موضوع اللوحة محل الجدال و النقاش و التي زادت شهرتها بعد هذه " الجرسة " ، و لو عرضت للبيع في مزاد علني أو حتى سري " كتتيمي " لبيعت بضعف ما دفع فيها ، تصور يا أستاذ عزوز بعد هذه الفضيحة الكونية كم من الإعلانات تستطيع القنوات الفضائحية أن تستقطب !؟ .
مصري
الأربعاء، 13-12-2017 09:25 م
أعتقد أنه مهما فعل البلطجي بن سلمان فلن تتغير حقيقته التي تعلمها جيدا اوربا بأنه لص و بلطجي و قاطع طريق مثل اجدادة ، ولكن مادامت مليارات الشعب السعودي تصب في جحورهم فلا بئس به .
محمد مالك الشيخ
الثلاثاء، 12-12-2017 07:25 م
هؤلاء هم اعدائنا وليس الصهاينة فاذا تخلصنا من هؤلاء رحل الصهاينة بنفسهم
الدسوقي
الثلاثاء، 12-12-2017 12:07 م
يا أستاذ سليم ، ما كتبته يحز في القلب و يدمي الفؤاد رغم السخرية المرة التي غلفت بها مقالك الممتع هذا و جميع مقالاتك . و لكن مهلكة ( آل سلول ) لا تعبأ بما يقال عنها خارج البلد ؛ فما يهم هو الداخل الذي تعد فيه الأنفاس على الناس و تفعل السياط فعلها و السجون في الأجساد و النفوس . . . بلد يلزم فيه أهله على حمل اسم أسرة " هالكة " لا يعرف الخلق أصلها و نسبها و يرجعها البعض إلى بقايا يهود في جزيرة العرب . . بلد تحمل رايته كلمة التقوى و شهادة الإسلام خداعا للحمقى و المغفلين الذين يقولون : من خدعنا بالله انخدعنا له !!! ، فغالبية الشعب هناك ترى في ولي الأمر وليا للنعمة ، الخروج عليه بلاء يستوجب النقمة !!!!، و تحالف مع " إكليروس " اتخذ الدين مطية لمشاركة الملك العضوض بل الجبرى متعة الحياة و زينتها مقابل فتاوى تحكم النير على الرقاب ، و ليذهب الباقي إلى الجحيم . ولا عجب أن تعيش العائلة " الهالكة قريبا إن شاء الله " في ترف عظيم و " نعيم مقيم " فقد استولت على السلطة بالغلبة و تأمرت على الناس بحد السيف ، فلا يجوز أن ينازعها أي أحد هذا الأمر . . . للحكام الأمر و النهي و التصرف في الأعناق و الأرزاق كما يحلو لهم و يطيب ، و من أبدى صفحته فالسيف مسلط على رأسه و دمه حلال حلال حلال . استرضاء الغرب غاية تدرك بالتزلف و التملق و الإنبطاح و تبلغ حد " اتباع الملة " ، فالغاية تبرر الوسيلة ، ثم إن فتاوى ( الإكليروس ) تجيز ما لا يجوز . . . فطاعة ولاة الأمر واجب و فضيلة و قربى . . . أما متى يصحو " القطيع " هناك ؟؟؟؟ ، فالجواب : عندما ينفد كلأ " الريع " و ينتهي علف " البترودولار " . ( و إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ) قرآن كريم ، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .
علي
الثلاثاء، 12-12-2017 06:21 ص
الأخبار في أوروبا ان اللوحة كان يمتلكها روسي من اصحاب بوتن. شراء اللوحة ما هو الا عربون رضا الروس عن وراثته للعرش. و تدريب علي غسيل الأموال كوليه في الإمارات