كتاب عربي 21

الربيع وتحولات المنطقة العربية الأخيرة

محمد هنيد
1300x600
1300x600

تتابع الأحداث على الجبهة العربية الساخنة بشكل لم يسبق له مثيل من قبل إلا خلال ثورات الربيع العربي العظيمة. فبعد مقتل "علي عبد الله صالح" من طرف حليفه الحوثي ثم قرار الرئيس الأمريكي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في اعتراف تاريخي بأنها عاصمة الكيان الصهيوني يعرف المشهد العربي رجة كبيرة تختلف كليا عن سابقاتها. 


خارجيا مثل اغتيال الرئيس اليمني الأسبق انتصارا جديد لإيران حيث حقق ذراعها في اليمن ضربة كبرى للتحالف السعودي الناشئ مع الرئيس صالح وهي تؤكد بذلك أنها صاحبة القرار الرئيسي في اليمن بعد سيطرة مليشياتها على العاصمة صنعاء وأجزاء كبيرة من البلاد. 


في الجهة المقابلة يعرف النظام الرسمي العربي أضعف عصوره وأحلك أيامه حيث تمزق الصراعات والدسائس والمؤامرات النسيج السياسي العربي وتلقي بظلالها الكثيفة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتأزم.

 

فبعد ثورات الربيع مارست الدولة العميقة مسنودة بأجندات خارجية كل أنواع التخريب والتدمير من أجل إجهاض الثورات والقضاء عليها في المهد. ثلاثة معطيات مركزية تتبين من خلال أعمدة الدخان المتصاعدة في كل حزام العربي محيطا وخليجا :


أولها يتمثل في أن شروط الثورات العربية لا تزال قائمة إلى اليوم فرغم كل الفوضى والدمار والقتل والتشريد الذي مارسته الثورات المضادة لا تزال نفس المطالب قائمة تتربص وإن خفت لهيبها قليلا.

 

من جهة أخرى لم يستطع النظام الاستبدادي العربي حسم المشهد لصالحه في ليبيا وتونس ومصر وسوريا باعتبارها أبرز مجلات الربيع وأهم ساحاته. ففي سوريا لا يزال الشعب السوري يقاوم رغم توحش كل آلات الموت التي جلبها النظام الطائفي لقتل شعبه ولم تنجح كل العصابات والمليشيات الإيرانية والروسية واللبنانية والأفغانية وأخيرا الصينية في القضاء على ثورة الشام.

 

أما في ليبيا فقد عجز الجنرال الانقلابي حفتر على حسم المعركة مع الثوار رغم كل الدعم الذي حظي به ولا يزال من طرف دولة الامارات خاصة ومن قبل القوى الأوروبية بشكل عام. أما في مصر فرغم نجاح الانقلاب على الرئيس المصري محمد مرسي فإن الوضع قابل للانفجار في كل لحظة بسبب تدهور الحالة الاجتماعية والأمنية في البلاد. تونس لا تخرج هي الأخرى عن الحالة العربية العامة فلا تزال الدولة العميقة فيها ورغم كل نجاحاتها عاجزة عن حسم الموقف كاملا لصالحها. 


بناء على ذلك فإن المشهد الجديد المتشكل للتو لا يخرج في جوهره عن ارتدادات الثورات التي بدأت منذ سبع سنوات مذكرا بأنها لا تزال تعمل في العمق على تحقيق الأهداف التي اندلعت من أجلها. 


ثاني هذه المعطيات إنما يتمثل في عجز النظام الرسمي العربي على استيعاب المشهد بشكل كامل وفشله الكبير في تحقيق ردود الأفعال المناسبة من أجل الخروج من الأزمة بأقل الأضرار على الأقل.

 

لا يزال النظام الرسمي يراهن على الحلول القمعية وعلى الدولة البوليسية أو العسكرية سبيلا إلى تحقيق وهم الأمن الاجتماعي والسيطرة على السلطة وتمديد المنوال الاستبدادي القديم. لا يزال الحاكم العربي يرفع الشعارات الزائفة ويناور مناوراته القديمة ويعتقد أنه بإمكانه إعادة المشهد إلى ما كان عليه قبل الانفجار التونسي الكبير.

 

فليست التنازلات التي تقدمها الأنظمة العربية حيال القدس وهي قضية العرب المركزية إلا سعيا منها إلى التحالف مع أعداء الأمة من أجل المحافظة على عروشهم. الأموال الطائلة التي تغدقها الأنظمة العربية وآخرها المليارات التي رحل بها الرئيس الأمريكي ترامب من السعودية ليست في الحقيقة غير جرعة إضافية تحاول عبرها الحكومات المحلية التمديد في عمرها الذي شارف على النهاية. 


ثالث المعطيات إنما يتجلى في وعي القوى الاقليمية والدولية بهذه المفارقة. أي أنها تعلم جيدا أن الحاكم العربي يعيش أضعف أيامه وأن الفرصة ملائمة لابتزازه وفرض كل الشروط عليه وهي شروط سينفذها مرغما لأنه لا يملك خيارا آخر سوى استدرار مساندة القوى الدولية و الاقليمية له.

 

الحاكم العربي واقع بين جشع القوى الدولية التي فرضت عليه التفريط في أقدس المقدسات كالقدس الشريف والتفريط في ثروات المسلمين وفي مستقبل أبنائهم وبين غضب الجماهير الشعبية التي باتت تدرك أكثر من أي وقت مضى حجم الزيف والتضليل الذي مورس عليها منذ عقود.

 

اليوم تمارس القوى الاقليمية وعلى رأسها إيران والقوى الدولية بقيادة الولايات المتحدة وإسرائيل كل أنواع الابتزاز والتهديد والتدخل السافر ومصادرة الثروات وانتهاك السيادة وإملاء التنازلات على الحكام العرب وهي تدرك جيدا أنهم اليوم أعجز من أن يحركوا ساكنا. 


إن رفض النظام الرسمي العربي الاعتراف بالثورات العربية وإن محاربته لها إنما يعد أجسم الأخطاء التي ارتكبها خلال تاريخه المعاصر.

 

إن معاداة الشعوب ورفض التغيير وقمع المطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية والعدل والكرامة والسيادة الحقيقية على الأرض تفسر سبب هرولة الحاكم العربي نحو التطبيع كما تشكل من جهة أخرى المراحل الأخيرة والمحطة النهائية في عمر النظام الاستبدادي العربي. 




1
التعليقات (1)
محمد أيوب
الجمعة، 08-12-2017 06:06 م
تحيتي لك... تتبعت تدخلك عبر الجزيرة يوم:2017/12/07 وراقني جدا قدرتك على التحليل الرصين للواقع العربي بلغة فصيحة راقية ومصطلحات دقيقة رغم أنك أستاذ بجامعة فرنسية.. لم يسبق لي أن شاهدتك أو استمعت اليك،لكنني لم أندم على تتبع البرنامج لأنني استفدت كثيرا من صراحتك في جل ما نطقت به بشأن قرار ترامب الأخير..الغرب تهمه مصالحه فقط..أما الناعقون عندنا فهم يمولون سياسة ترامب والغرب كله..سواء كانوا على دراية بذلك أم هم يتعمدون الجهل..حكامنا من المحيط الى الخليدج لا يستطيعون فعل شيء بحكم الواقع"فكل بلد من بلدانهم يتهرب من أي موقف جريء وشجاع بمبرر ما لديه من مشاكل مع جيرانه خاصة:فالمغرب مع الجزائر وموريتانيا بسبب الصحراء... وتونس لم تستقر بها الأمور بعد...ومصر والسعودية والبحرين قلبت المعطف تماما.. وقطر منشغلة بجيرانها...وليبيل لم تعد بها دولة..ومثلها اليمن..والعراق وسوريا منشغلان بما يجري بداخلهما...والاقي لا يمكنه فعل شيء يذكر:ماذا بوسع لبنان والصومال وجيبوتي والسودان وسلطنة عمان والكويت وفلسطين فعله؟..خلاصة القول ان رأيك بخصوص محدودية ما بيد العرب فعله يبقى رأيا واقعيا يستقرئ الحال الذي يوجد عليه النظام العربي-ان كان هناك نظام أصلا-...وأرى أنه عن قريب سينفرط عقد الجامعة العربية-بيت العرب-كما يسمى،كما انفرط عقد مجلس التعاون الخليجي والاتحاد المغاربي...هنيئا لبني صهيون...ومع ذلك فان لكل ليل صبح...