قضايا وآراء

مفاجأة "الرياض2"

حسين عبد العزيز
1300x600
1300x600

بدت الأيام التي سبقت انعقاد مؤتمر "الرياض 2" تشاؤمية لمستقبل المعارضة السورية، فقد أوحت استقالة رئيس "الهيئة العليا للمفاوضات" رياض حجاب وعدد من الأعضاء من جهة وتصريحات بعض شخصيات المعارضة من جهة ثانية، بأن مؤتمر الرياض سيشكل انعطافة كبيرة في الخطاب السياسي للمعارضة تنسجم مع المتغيرات الميدانية على الأرض السورية والتفاهمات الدولية التي كان آخرها بيان ترامب / بوتين في دانانج بفيتنام.
 
لكن مخرجات مؤتمر "الرياض2" فاجأت الكثيرين بحفاظها على مبادئ مؤتمر "الرياض1":
 
ـ سوريا دولة ذات نظام حكم ديمقراطي على مبدأ اللامركزية الإدارية.
 
ـ الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، مع وجوب إعادة هيكلة وتشكيل مؤسساتها الأمنية والعسكرية.
 
ـ حل الأزمة السورية هو سياسي من الدرجة الأولى، وفق القرارات الأممية، مع حتمية توفر ضمانات دولية تشمل إجراءات ردع وآليات تنفيذية لهذه القرارات.
 
ـ هدف التسوية السياسية هو تأسيس دولة تقوم على مبدأ المواطنة، ما يمكّن السوريين من صياغة دستورهم دون تدخل، واختيار قياداتهم عبر انتخابات حرة ونزيهة وشفافة يشارك فيها السوريّون داخل وخارج سورية تحت إشراف الأمم المتحدة.
 
ـ إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تهيئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية، وأن من الجوهري الحرص على تنفيذ العملية الانتقالية على نحو يكفل سلامة الجميع في جو من الاستقرار والهدوء، مبرزين أن ذلك لا يمكن أن يتحقق دون مغادرة بشار الأسد، وزمرته، ومنظومة القمع والاستبداد مع بداية المرحلة الانتقالية.
 
ويذهب المجتمعون خطوة إضافية إلى الأمام بشرح مفهوم المفاوضات غير المشروطة، فيعلنون أن هذه العبارة تعني أن كافة المواضيع تُطرح وتناقش على طاولة المفاوضات، ولا يحق لأي طرف أن يضع شروطا مسبقة، ولا تعتبر المطالبة بتنفيذ ما ورد في القرارات الدولية شروطا مسبقة، أو يمنع طرح ومناقشة جميع المواضيع، بما فيها شكل الحكم ونظامه وصلاحيات سلطاته ومسؤوليه، بما فيها موقع رئاسة الجمهورية، والحكومة وغيرها.
 
لا شك أن هذه المخرجات تطرح الكثير من التساؤلات، لأنها لا تنسجم مع المرحلة التي تمر بها الأزمة السورية، فهل ما جرى كان بقرار من المعارضة وحدها دون تدخل إقليمي أو دولي؟ أو هل جرت متغيرات في الأيام الأخيرة على المستوى الدولي سمحت بخروج هذه النتائج؟
 
وإذا كان الاحتمال الأول شبه مستحيل، فلن يبقى سوى الاحتمال الثاني، خصوصا أن كلمة وزير الخارجية السعودي في افتتاح المؤتمر تختلف تماما عن كلماته التي سربت منذ أشهر أثناء لقائه المعارضة السورية، والتي طالب فيها بضرورة التحلي بالواقعية السياسية وخفض سقف المطالب، لاسيما فيما يتعلق بمصير الأسد.
 
والحقيقة أن لا يمكن فهم ما جرى إلا بربطه بالأيام التي أعقبت البيان المشترك للرئيسين الأمريكي والروسي في فيتنام حيال سوريا، فبعد لغة التفاهمات التي ظهرت في البيان، توترت الأجواء بين الجانبين على خلفية تفسيراتهما لمسألة وجود القوات الأجنبية في سوريا.
 
ويبدو أن هذا التوتر انعكس على خطوات روسيا التي بدأت تعد العدة لمرحلة سياسية جديدة مع شركائها، وجاء لقاء الأسد / بوتين أولا وإعادة التأكيد على مؤتمر "الحوار الوطني السوري" المقرر في سوتشي ثانيا، بمثابة الانقلاب على التفاهمات المشتركة مع الولايات المتحدة.
 
وكما هو معلوم لم يتطرق بيان دانانج في فيتنام إلى مؤتمر الحوار الوطني، في تأكيد على مسار جنيف.
 
ويبدو أن الرد الأمريكي جاء هذه المرة من الرياض في رسالة واضحة إلى موسكو بأن مفاتيح الحل السياسي لا يمكن أن تكون بأي شكل من الأشكال بيد الروس وحلفائهم.
 
فالمطلوب بحسب القرار الدولي 2254 تشكيل أكبر قدر ممكن من المعارضة "... وإذ يضع في اعتباره الهدف المتمثل في جمع أوسع نطاق ممكن من أطياف المعارضة، باختيار السوريين، الذين سيقررون من يمثلهم في المفاوضات ويحددون مواقفهم التفاوضية"، وهذا أمر تم تحقيقه بإدخال فرقاء جدد، وليس المطلوب إدخال قوى تعتبر نفسها جزءا من المعارضة وهي تتبنى أطروحات النظام السوري على غرار منصة موسكو.
 
ومع أهمية نتائج المؤتمر، إلا أن هناك خشية من انقلاب أمريكي على هذه النتائج، وقد أثبتت التجربة السورية أن واشنطن افضل من يستغل ويلعب بالأوراق السورية وفق مصالحها، ولن نستغرب أن تنقلب الولايات المتحدة على هذه المقررات، وهي التي مارست ضغوطا كبيرة على عواصم أوروبية وإقليمية لتغيير موقفها من الأسد.

 

حسين عبد العزيز
كاتب وإعلامي سوري

التعليقات (0)