قضايا وآراء

مصر.. أحلام المشاركة وأوهام المقاطعة

بهاء عفيفي
1300x600
1300x600

بداية، أرجو أن تقرا هذه الكلمات إلى النهاية، حتى وإن اختلفت مع العنوان، فمصر الآن على مفترق طرق في مستقبلها السياسي، ما بين مقاطعة الانتخابات أو المشاركة فيها، شريطة الحصول على ضمانات كافية لنزاهة هذه الانتخابات.

من يدعو إلى المقاطعة له أسبابه الوجيهة، التي يجب أن تحترم وتناقش.. أول هذه الأسباب أن السيسي سيزور الانتخابات، وأن الانتخابات ما هي إلا تحصيل حاصل لعزم السيسي على الاستمرار في الحكم إلى ما شاء الله، وأنه لن يسمح بأن تتم إزاحته من السلطة.

ثانيا: أن المشاركة في الانتخابات سوف تضفي شرعية على نظام السيسي الذي هو في الأصل قفز على السلطة من خلال انقلاب عسكري ورّط فيه الجيش وخدع فيه الشعب المصري بزعم محاربة الإرهاب.

وإذا أردت أن أرد على الطرح الأول بأن نتيجة الانتخابات محسومة، وهو قد يحمل قدرا من الصواب نتيجة تعلق السيسي بالسلطة، ولكن مؤيدي هذا الطرح يتناسون اختلاف خريطة الشارع المصري الذي أيد جزء ليس بالقليل منه؛ السيسي في 2014 على أنه هو المخلص من "الجماعة الإرهابية"، وأنه من سيوفر اللبن والعسل، وحتى الكفتة لكل مواطن مصري، ولكن استيقظ هذا المواطن على كابوس رهيب من الغلاء؛ ضرب جميع المواطنين بكافة طوائفهم، مع انعدام الأمن، سواء بانتشار العمليات الإرهابية على كامل التراب المصري، أو قلق المواطن البسيط على أمنه الشخصي بعد انتشار البلطجة في الشوارع والتحرش بالسيدات والفتيات، ناهيك عن حوادث الخطف للأطفال، وتجارة الأعضاء، والاختفاء القسري، والقتل خارج القانون، بالإضافة إلى التفريط في الحقوق المصرية، سواء في تيران وصنافير، أو مياه النيل أو الحدود البحرية في المتوسط.

كل هذه الأحداث غيّرت الكثير من رأى المواطن المصري الذي لم يحصد أي شيء في حكم السيسي سوى الفقر والمهانة والذل. ولم يعد السيسي كما كان هذا الجنرال القوي الذي يمكنه أن يركّع البيت الأبيض، ويسحق الإرهابيين، ويهدي العالم قناة السويس الجديدة التي سوف تنعش الاقتصاد المصري وتجعله أفضل اقتصاد في المنطقة. لذلك، فإن المؤشر للرأي العام المصري يظهر تراجعا واسعا في شعبية الجنرال، فلا يمكنه تقديم نفسه باعتباره المرشح الأقوى والأصلح للمصريين، بل سيبدو أنه فاشل متشبث بالسلطة. فقد فشل من خلال كل حملاته الإعلامية؛ في حشد رأي عام جماهيري يؤيده من أجل ولاية جديدة.

بالنسبة للطرح الثاني، أن المشاركة في الانتخابات هي طوق نجاة للسيسي من أجل إعطائه شرعية لحكمه، فهذا طرح أختلف معه كثيرا؛ لأن السيسي يعامل دوليا الآن كرئيس شرعي، يُستقبل في الأمم المتحدة، ويوقع اتفاقات باسم مصر؛ تنتقص من سيادتها وتهدر مواردها. فبالتالي، المشاركة أو المقاطعة لن تؤثر على اعتراف المجتمع الدولي به كرئيس.

أما بالنسبة للمنادين بأن الثورة هي الطريق الوحيد للخلاص من السيسي، فردي عليهم: لماذا لم يثر الشعب خلال السنوات الأربع الماضية؟ لقد قطع السيسي الطريق على الناس للنزول إلى الشوارع، وأصبح من ينادي بمصرية تيران وصنافير متهما بالخيانة والتآمر على نظام الحكم. وبالتالي، فإن الخيار الثوري قد يكون خيارا غير متاح في هذه المرحلة، حيث لم يتحرك الشارع بعد كل ما جلبه السيسي من كوارث في مصر، فلماذا سوف يتحرك الآن؟

وحتى لو لم ترشح المعارضة مرشحا ليتنافس مع السيسي، فان مرشحي السيسي جاهزون، وعلى رأسهم مرتضى منصور - مثلا - من أجل إنقاذ ماء وجه السيسي، بدلا من الدخول في الانتخابات وحيدا بلا منافس.

أخيرا، أحب أن أذكر الجميع أن هناك ست ديكتاتوريات عسكرية تمت إزاحتها عن طريق الانتخابات في أمريكا اللاتينية.

بالنسبة لأحلام المشاركة والنصر واستعادة الوطن، فأحب أن أذكّر الجميع بأن كل إنجاز أو مشروع عظيم يبدأ بحلم. حتى الوصول إلى القمر كان حلما، ولكن بالعمل والمثابرة تحقق الحلم ووصلنا لما بعد القمر.

كيف يمكن المشاركة في الانتخابات وتحقيق أقصى أنواع الاستفادة من فرصة لن تتكرر ربما إلا بعد أربع سنوات على الأقل؟

لقد قدم السيسي نفسه إلى العالم الغربي على أنه حامي العالم من الإرهاب المحتمل الذي سوف يحرق الأخضر واليابس في العالم كله. كما وعد السيسي العالم الغربي بأنه سوف يزيل النصوص التي "تحض على الإرهاب" من كتب التراث الإسلامية، وأنه سوف يجعل المليار والأربعمائة مليون مسلم يتوقفون عن كَراهية الغرب ومحاولة القضاء عليه! كما قدم نفسه على أنه الجنرال القوي الذي يمكن أن يعتمد عليه الغرب؛ من أجل إقرار السلام والأمن في الشرق الأوسط، ومن أجل تنفيذ صفقة القرن التي سوف تنهي الصراع العربي الإسرائيلي إلى الأبد.

ولكن الواقع السياسي للمنطقة يتأزم كل يوم، حيث تتسارع الأحداث في السعودية في رحلة الصراع على السلطة؛ في دولة شهدت استقرارا سياسيا لعشرات السنين، ولكنها الآن تشهد زلزالا سياسيا بكل المقاييس. وليت الأمور تقف عند هذا الحد، ولكن الوضع في اليمن يسير من سيئ إلى أسوء، منذرا بكارثة إنسانية لم تمر بها المنطقة من قبل. ويستمر الصراع في العراق وسوريا ولبنان بدون وجود أي دلائل على حل قريب. ويضاف إلى ذلك المشكلة الكردية، وتعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة، وسياسات ترامب الداعية لحرب على إيران يسأل فيها الدم العربي والإيراني، بينما يتمتع السيد ترامب بعوائد بيع السلاح إلى العرب.

أما القضية الفلسطينية، فحدّث ولا حرج.. فلا أمل ولا حل، وكل ما تم سرده يَصب في رغبة المجتمع الغربي على تهدئة الأوضاع في مصر، وغالبا تكون هذه التهدئة عبارة عن ضغوط على نظام الجنرال من أجل السماح بانتخابات بها الحد الأدنى من الضمانات، وربما تشهد مراقبة دولية محدودة. والغرب لا يفعل ذلك حبا في المصريين، ولكن خوفا من انتخابات فجة مثل التي حدثت في 2010، وتلاها قيام ثورة 25 يناير، حيث يريد الغرب الاستقرار لمصر في هذا الوقت الدقيق، حيث لا يتحمل العالم زعزعة منطقة الشرق الأوسط بقيام فوضى في مصر؛ خوفا من موجات اللاجئين إلى أوروبا، أو الخوف من انتقال الشباب البائس والكافر بالديمقراطية إلى الفكر المتطرف الذي يحرق كل شيء من حوله، ويصبح قنابل موقوتة يمكنها الانفجار في أي بقعة في العالم.

لم يستطع السيسي تحمل الضغوط الغربية، حيث حاول من قبل أن يغير الدستور من أجل تمديد فترته الرئاسية، ولكن الضغط الغربي أجبره على التراجع، رغم علمه أن البرلمان سوف يؤيده بالإجماع.

ولذلك، فرأيي الشخصي الذي يحتمل الصواب والخطأ؛ أنه يمكن انتزاع بعض الضمانات من أجل نزاهة الانتخابات، مثل الإشراف الدولي، والإشراف القضائي، وحرية الحملات الانتخابية، والإفراج عن كل المعتقلين السياسيين.

ولكن العقبة الأصعب أمام المعارضة؛ هي كيف أن تتوحد كل قوى المعارضة وراء موقف سياسي موحد، سواء بالمشاركة واختيار مرشح تتفق عليه كل قوى المعارضة، أو حتى خيار المقاطعة الإيجابية. ويبدو أن السيسي يراهن على من انقسام المعارضة بمختلف أنواعها. وأعتقد أنه يُذكي الفرقة والانقسام بين فصائل المعارضة المختلفة، وهو هدف نجح في تحقيقه حتى الآن. ولذلك، يتوجب على فصائل المعارضة المختلفة أن تترفع عن خلافاتها، وأن تقدم مصلحة الوطن، وأن تتوحد وراء مرشح وطني قادر على تخليص الوطن من احتلال السيسي.

العقبة التالية لدى المعارضة تتمثل في إقناع الشارع المصري بالنزول من أجل التصويت لمرشح وطني، متسلحا ببرنامج سياسي شامل يهتم بالمواطن البسيط؛ الذي قام السيسي بسحقه ماديا ومعنويا وسياسيا. وهذا لن يكون بالأمر السهل، ولكنه ليس مستحيلا، ويمكن تحقيقه بنزول 20 مليون ناخب وناخبة من أجل إزاحة السيسي بالصندوق. وأعتقد أن معارضي السيسي يتخطى عددهم الثلاثين مليونا، ولكن ينقصهم الدافع للتوحد تحت راية إسقاط السيسي؛ لكونه يمثل خطرا يهدد حاضر مصر ومستقبلها، وأن كل أفعاله تؤكد أنه يعمل من أجل تنفيذ مخطط صهيوني من أجل تدمير مصر.

وأخيرا المشاركة تعطي الحق للمعارضة في توثيق تزوير السيسي للانتخابات والطعن في شرعيتها، كما أنها فرصة نادرة من أجل التواصل مع الشعب، الذي أصبح أسيرا لإعلام السيسي، ولا يجد من يواجه هذا الإعلام الكاذب حتى لو بكلمة صادقة للشعب.

هذا هو رأيي الشخص الذي يحتمل الصواب والخطأ.
التعليقات (0)