مقالات مختارة

هل نحن في عصر ما بعد الديمقراطية والعولمة؟

مروان المعشر
1300x600
1300x600

يشير البعض للانتخابات الرئاسية التي جرت في الولايات المتحدة وبعض أجزاء أوروبا للاستنتاج أننا دخلنا عصر ما بعد الديمقراطيات الليبرالية، التي سادت أغلب شعوب العالم الصناعية،إلى عصر تسود فيه الشعبوية والاتجاهات غير الليبرالية. وبحق، فإن نظرنا إلى بروز ترامب أو بوتين مثلا، من السهل الوصول لمثل هذه الاستنتاجات. ولكن، هل أضحت هذه التطورات القاعدة، أم إنها ما تزال تشكل استثناءات محدودة، على قدر أهميتها؟


الحقيقة أن الديمقراطية ما تزال تنمو في أماكن عدة من العالم بما في ذلك أمريكا اللاتينية وإفريقيا وبعض أجزاء آسيا. فبينما كانت أغلب دول إفريقيا وأمريكا اللاتينية ديكتاتوريات قبل ثلاثين عاما، فإن جلها اليوم دول مبنية على الديمقراطية الانتخابية. بمعنى آخر، من التبسيط قراءة عهد ترامب أو بوتين وكأنه نعي عالمي للديمقراطية الليبرالية. 


وتبقى هناك حقائق مهمة، فـ123 دولة من أصل 192 دولة في العالم لديها نظم ديمقراطية انتخابية،  كما أن (عشرين) من أصل أكبر خمسة وعشرين اقتصادا في العالم، توجد في دول ديمقراطية، وتشكل 65 بالمائة من مجمل الإنتاج العالمي. من الصعب، والحالة هذه، التنبؤ بانتهاء عصر الديمقراطية لمجرد مرورها ببعض التحديات الآنية.


كما أن العولمة ليست زر كهرباء يمكن فتحه أو إغلاقه وقتما نشاء. يعزو الرئيس الأمريكي سبب معاناة الاقتصاد الأمريكي وخسارته لوظائف عدة إلى اتفاقيات التجارة الحرة، التي برأيه أدت إلى خسارة الأمريكيين بعض وظائفهم لاقتصاديات أخرى، وبالتالي فإن اتّباع سياسة انعزالية سيعيد هذه الوظائف. في هذا تبسيط بالغ، فالعولمة لا تعتمد فقط على حرية التجارة، ولكن أيضا على التكنولوجيا الحديثة. ولا يستطيع أحد أن ينكر أثر الإنترنت والهواتف الذكية مثلا في تغيير تركيبة العديد من الصناعات التقليدية، إلى الحد الذي أصبحت فيه أكبر شركات التاكسي عالميا كأوبر وكريم لا تمتلك سيارة واحدة، وأكبر شركة للتسوق وهي أمازون لا تمتلك متجرا واحدا، وهكذا.


إن التطور الهائل في التكنولوجيا، الذي من المستحيل عكسه، قد أدى إلى اندثار وظائف عديدة ك وبروز غيرها، وإلى أن تتأقلم الاقتصاديات العالمية مع ذلك، سيفقد العديد وظائفهم. لسنا في عصر ما بعد العولمة، ولكننا في عصر التأقلم مع نتائج العولمة، التي تتمثل في ضرورة إعادة التأهيل والتعليم المستمر لمجاراة التكنولوجيا الحديثة. ولن يستطيع ترامب أو غيره عكس عقارب الساعة وإعادة الوظائف السابقة، لأنها انتهت إلى غير رجعة. 


في خضم ذلك، ما يزال العالم العربي يأبى إلا أن يعيش في منطقة خالية من أسلحة الديمقراطية والعولمة. يبحث البعض عن المسوغات كافة لتبرير غياب الديمقراطية في المنطقة أو عدم الحاجة إليها. ويشير العديد منهم إلى الصين التي تطبق نظام "رأسمالية الدولة"، مقارنة بـ"رأسمالية السوق" التي تكاد تكون الاستثناء الوحيد في العالم، الذي حقق نموا باهرا على مدى ثلاثة عقود مع غياب نظام ديمقراطي. 


لم نتبع نظام الصين ولا نظام الديمقراطيات، بل واصلت أنظمتنا السلطوية فشلها سياسيا واقتصاديا في تحقيق التنمية المستدامة. عندما يدعو البعض لإعادة نظر جذرية في مجمل هذه السياسات، فهي ليست دعوة مستندة إلى العواطف أو المثاليات، بل إلى الأرقام التي لا تكذب. فالبطالة في العالم  العربي تمثل ضعف المعدل العالمي، والناتج الإجمالي للعالم العربي يمثل 2.5 بالمائة من مثيله العالمي، في حين تشكل نسبة السكان أكثر من 5 بالمائة من العالم. كما أن هناك 49 نظاما سلطويا في العالم بحسب منظمة فريدوم هاوس نصفها تقريبا من العالم العربي. متى نصحو من هذا السبات؟

 

الغد الأردنية

0
التعليقات (0)