مقالات مختارة

حكاية السيدة التي "صبعت" للسيد الرئيس!

جمال سلطان
1300x600
1300x600

"جولي بيركسمن" مواطنة أمريكية عادية، وموظفة في إحدى الشركات "محللة تسويق"، والشركة التي تعمل فيها لها تعاملات مع الإدارة الأمريكية التي يرأسها الآن الرئيس دونالد ترامب، جولي كانت حديث الملايين على شبكات التواصل الاجتماعي وحتى الصحافة الأمريكية الأسبوع الماضي، والسبب أنها بينما كانت تتريض على دراجة في واشنطن، إذ مر بها موكب الرئيس الأمريكي الفخم وهو عائد من تريض أيضا حيث كان يلعب الجولف، وعندما اقترب منها الموكب في طريق عودته للبيت الأبيض قامت "جولي" بالإشارة إليه بأصبعها الوسطى، إشارة بذيئة، ثم عادت وكررت الإشارة أكثر من مرة في وجه الموكب، وكان أن التقط صورتها أحد المصورين، ونشرت الصورة، فأحدثت ضجيجا، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي يتابعها ترامب باهتمام استثنائي ويتواصل معها أكثر مما يتواصل مع أجهزته الرسمية، خاصة تويتر، وفي تلك الواقعة حدث أن استمر موكب الرئيس في طريقه إلى البيت الأبيض، وعادت "جولي" إلى بيتها.

جولي أبدت سعادتها وافتخارها بصورتها وهي "تصبع" للرئيس الأمريكي، ووضعتها "بروفايل" على صفحتها الشخصية، وأبلغت رئيسها في الشركة بذلك فقال أن وضع هذه الصورة على صفحتها يخالف قواعد العمل في الشركة وطلب حذفها، إلا أنها رفضت وأصرت على بقائها وقالت أن الصورة والواقعة كلها التقطت خارج أوقات العمل، لكن رئيسها في العمل لم يقتنع بوجهة نظرها مؤكدا أنها خالفت بنود العقد وقرر فصلها عن العمل، خاصة أن شركته لها علاقات عمل مع الحكومة الأمريكية، فقبلت "جولي" القرار ورفضت رفع الصورة عن صفحتها.

مئات الآلاف من الأمريكيين وآخرون حول العالم أعلنوا تضامنهم مع "جولي بيركسمن"، وحولوا صورهم على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي إلى حفلة "تصبيع" عالمية ضد الرئيس الأمريكي، بنماذج وتصاميم مختلفة في أغرب مظاهرة إلكترونية من نوعها، كما أن العديد من الشركات الأمريكية عرضت على جولي الانضمام للعمل فيها تعويضا عن فصلها من وظيفتها.

بعض وسائل الإعلام الأمريكية اهتمت كثيرا بالحدث وتواصلت مع "جولي" وأجرت معها حوارات، وفي أحدها سألها محاورها : هل أنت نادمة أو آسفة على إشارتك بالأصبع للرئيس، فأجابت على الفور : أبدا، أنا لست نادمة، فأنا لا أحترمه.

لا خلاف على أن ما فعلته المواطنة الأمريكية هو إشارة بذيئة وغير لائقة، والمواطن الأمريكي نفسه، مثل المواطن العربي أو الياباني، لا يقبلها لنفسه لو فعلها أحدهم معه، ولكن في العمل العام، في النشاط السياسي، وفي مواجهة المسئول أو الدولة جرت العادة في النظم الديمقراطية على تفهم مثل تلك الإشارات كاحتجاج سياسي مفهوم ومشروع، وتتسع له الصدور وتستوعبه العقول، فنقد الشخص العام غير نقد المواطن العادي، ولذلك لم يفكر الرئيس الأمريكي ولا أحد من معاونيه ولا مستشاروه القانونيون في تحريك أي دعوى ضد المواطنة "جولي بيركسمن"، ولا اهتمت أي جهة في القضاء الأمريكي بالتحقيق في الواقعة ولا فكرت في إدانة "جولي" فضلا عن معاقبتها، وعندما قررت الشركة فصلها من وظيفتها لم يحدث ذلك بسبب تدخل معالي الوزير أو وكيل الوزارة، ولا بعد تليفونات من جهاز أمن الدولة ولا المخابرات ولا بتوجيه من السيد الرئيس، وإنما لأن "جولي" أخطأت وظيفيا وخالفت بنود عقدها بوضع الصورة كرمز تعريفي أو "بروفايل" لصفحتها الإلكترونية، واعتبرت الشركة أن ذلك مخالف للعقد، بل أكثر من ذلك تعلن "جولي" أمام الجميع أنها "فخورة" بما فعلته وأنها لا تحترم الرئيس أساسا.

بهذا الأفق، وتلك الروح، وتلك الحرية، وذلك الوعي، وكرامة المواطن قبل كرامة الرئيس، كانت الولايات المتحدة هي الدولة الأعظم في العالم، وبغياب كل ذلك، بقيت دول كثيرة في قاع العالم الثالث.

المصريون المصرية

1
التعليقات (1)
مصري
الجمعة، 10-11-2017 01:35 م
بالطبع انا ضد هذة الحركة ، لكن ما يهمني هو طريقة الحوار الصامته التي دارت من اول الحدث وحتي ينتهي ، تخيل لو حدث هذا في مصر مع السيسي ، حدث ولا حرج فستجد الداخلية والأمن الوطني و ربما الجيش أيضا وقد اخذ هذة السيدة وكل من ينتمي إليها بل والجيران والحي كله ، ولك في لعبة عيون السيسي العبرة والمثل ، هذة هي الديمقراطية والمجتمعات الناضجة الواعية التي لا نفاق فيها لحاكم أو رياء ، فمتي نصل لهذا الرقي في التعامل بدلا من هذة البلطجة و القمع والسحل وكل مايرضي الشيطان من افعال خسيسة لانراها إلا في المجتمعات العربية فقط .

خبر عاجل