اقتصاد عربي

متى يتخلص المصريون من "كارثة" تعويم الجنيه؟

قرار تعويم الجنيه رافقه رفع أسعار الوقود والكهرباء والمياه- أرشيفية
قرار تعويم الجنيه رافقه رفع أسعار الوقود والكهرباء والمياه- أرشيفية

ينهي المصريون بعد أيام قليلة عامهم الأول منذ تحرير كامل لعملتهم المحلية، دون أن يلحظوا تحسنا ينعكس إيجابا على حياتهم اليومية.


وقررت مصر تحرير سعر صرف الجنيه في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016؛ بهدف تأكيد الثقة في الاقتصاد، وتحقيق الاستقرار، واستهداف مستويات أدنى من التضخم، واستعادة تداول النقد الأجنبي داخل القنوات الشرعية، وإنهاء تماما السوق الموازية.


وتستهلك مصر أكثر مما تنتج، وتعتمد لتمويل فاتورة وارداتها على قطاعات تتأثر بالخارج، ما يجعل الاقتصاد عرضة وبصورة دورية لأزمات توافر العملة الأجنبية.


قرار التعويم، الذي لا يكف المسؤولون المصريون عن تبريره والتسويق "لثماره الطيبة"، قوبل بإشادة بالغة من جانب المؤسسات المالية ومؤسسات التصنيف الدولية، رغم "تأثيراته السلبية" على فئة واسعة من المصريين.


أزمة الأسعار


واعتبر المحلل الاقتصادي فهيم مصطفى، أن تجربة التعويم انعكست سلبا على المصريين في الداخل؛ لأنها أدت إلى ارتفاع معدل التضخم.


وقفز معدل التضخم السنوي في مصر من 14 بالمئة في تشرين الأول/ أكتوبر 2016، إلى 32.9 بالمئة خلال أيلول/ سبتمبر 2017، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.


كما قفز سعر الدولار بنسبة 98 بالمئة، ليصل إلى 17.60 جنيها حاليا، مقابل 8.88 جنيهات في صباح 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، وفقا لبيانات البنك المركزي.


ومنذ نحو عام، يتصدر غلاء الأسعار اهتمامات المصريين في مجالسهم وأماكن عملهم، ويبحثون في تصريحات المسؤولين عن تطمينات تخفض من نسب التضخم المرتفعة.


هذا التضخم، دفع أجور المصريين بالعملة المحلية إلى التآكل، سواء عند تحويلها للعملات الأجنبية، أو للإنفاق بفعل غلاء الأسعار.


المستفيدون من التعويم


وأضاف "مصطفى" أن التعويم انعكس "إيجابيا" على المصريين العاملين بالخارج؛ لأنه ضاعف دخولهم وثرواتهم بمقاييس الدخول والثروات في الداخل.


ووفق بيانات رسمية، ارتفعت تحويلات المصريين في الخارج إلى 14.5 مليار دولار خلال الفترة بين تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 وحتى تموز/ يوليو 2017، مقابل نحو 12.6 مليار دولار في الفترة المقابلة من العام السابق عليه.


وأوضح أن قرار التعويم تجربة غير ناجحة؛ لأنه ترافق مع رفع أسعار الوقود والكهرباء والمياه، ما أفقد المصريين جانبا كبيرا من قدرتهم الشرائية، في ظل ارتفاع أسعار كافة السلع والخدمات.


وتابع: "تجربة تعويم الجنيه كان من الممكن أن تنجح أكثر في حال قيام مصر بالتصدير أكثر من الاستيراد، ولديها اكتفاء ذاتي زراعي وصناعي وتكنولوجي".


ومنذ التعويم، ولتوفير أكبر قيمة من النقد الأجنبي، رفعت مصر وتيرة الاقتراض من المؤسسات المالية كصندوق النقد والبنك الدوليين، ومؤسسات مالية أخرى، وإصدار سندات مقومة بالدولار.


ونتيجة للاستدانة في المقام الأول، ارتفع الاحتياطي الأجنبي لدى المركزي المصري إلى 36.534 مليار دولار في نهاية سبتمبر/ أيلول 2017 مقابل نحو 19.040 مليار دولار في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2016.


لكن الدين العام الخارجي والمحلي صعد إلى 124.7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي 2016/ 2017، مقابل 113.3 بالمئة في العام المالي السابق له، وفقا لبيانات البنك المركزي المصري.


تحول فارق


وقال الاقتصادي حساني شحات، إن قرار تحرير سعر صرف الجنيه، بمثابة تحول فارق في تاريخ نظام النقد المعمول به لدى البنك المركزي المصري، مشيرا إلى تحسن في مؤشرات الاقتصاد الكلي بفضل هذا القرار.


وأضاف أن القرار له تأثير مباشر على استقرار سوق النقد بمصر، والبدء التدريجي في تزايد الدخول الدولارية، والتحسن التدريجي في الميزان التجاري.


وتراجع عجز الميزان التجاري المصري، بنسبة 46 بالمئة إلى 12.9 مليار دولار في 2016/ 2017، مقابل 24 مليار دولار في العام المالي السابق له، بحسب بيانات وزارة التجارة والصناعة.


وأشار إلى أن قرار التعويم ساهم في حدوث فائض بقيمة 13.7 مليار دولار في ميزان مدفوعات مصر خلال العام المالي الماضي، مقابل عجز كلي بلغ 2.8 مليار دولار في العام المالي السابق له.


ويعود الفائض إلى تزايد التدفق النقدي بشقيه، غير المباشر، متمثلا في تزايد استثمارات الأجانب في سندات الدين الحكومي والبورصة، علاوة على الاستثمار الأجنبي المباشر، الموجه بالأساس لقطاع النفط والغاز الطبيعي، بحسب شحات.


أرقام لا يشعر بها أحد


وتشير بيانات رسمية إلى أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة بمصر ارتفعت إلى 7.9 مليار دولار في 2016/ 2017، مقابل 6.9 مليار دولار في العام المالي السابق له.


كما قفزت تدفقات الأجانب في الأوراق المالية المصرية إلى 18 مليار دولار في أيلول/ سبتمبر 2017، مقابل مليار دولار في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016.


في المقابل، حذر "شحات" مما أسماه "خطورة الأموال الساخنة" الباحثة عن الربح السريع بفضل ارتفاع أسعار الفائدة، وتخارجها سريعا، ما يؤدي لخفض قيمة الجنيه على المدي القريب.


ورفع المركزي المصري أسعار الفائدة الأساسية بنسبة 7 بالمئة منذ قرار التعويم، إلى 18.75 بالمئة للإيداع، و19.75 بالمئة للإقراض حاليا.


ومع ذلك، تراجع معدل نمو الاقتصادي المصري إلى 4.2 بالمئة في العام المالي 2016/ 2017، مقابل 4.3 بالمئة في العام المالي السابق له.

التعليقات (0)