كتاب عربي 21

لا شيء يثير الاهتمام في دولة فاشلة

نور الدين العلوي
1300x600
1300x600
تونس دولة فاشلة. وهذه قناعة يرفض الكثيرون رؤيتها ويقول لي السياسيون في الحكم أني سوداوي ولا أرى إلا نصف الكأس الفارغة. لقد نجونا من مصير ليبيا ومصر وسوريا واليمن فاحمد ربك على السلم الأهلي. الحمد لله ولا فضل للأحزاب في ذلك، والفضل كله للشعب الذي خرج ضد الإرهاب في بن قردان بصدور عارية فرده على أعقابه، لكني ألح على فشل منظومة الحكم في إخراج تونس من أزمتها الاقتصادية والسياسية.

في الدولة الفاشلة ينتج الفلاح الذهب ولكن الدولة لا تحسن تسويقه فيقع منتج الذهب في حفرة الإفلاس وينقطع سببه. وفي الدولة الفاشلة يسرق الشرطي ملفات الإجرام ويخفيها في بيته وتقوم النقابات بحمايته منظرة لحرصه على الأمن العام. وفي الدولة الفاشلة تسقط النقابات وزيرا استباقا لنيته في رفع سن العمل إلى ما بعد سن الستين، ثم ترحب بزيادة سن العمل إلى سن 62 لأن المركزية النقابية عقدت صفقة مع الحكومة ضد مصلحة منظوريها. وفي الدولة الفاشلة تدور الأحزاب حول نفسها وتبحث عن مثالب بعضها البعض لتخرج الحكومة من أزماتها فلا تضار.

زيت الزيتون التونسي ذهب الفشل

تونس تسبق دول المتوسط في إنتاج زيت الزيتون في سنوات الغيث تتجاوز تونس إيطاليا وإسبانيا وفرنسا واليونان. تسبق في عدد الأشجار وفي كمية الزيت وتسبق خاصة في نوع الزيت الذي يتوفر على خاصيات كيماوية لا تتوفر لبلدان الضفة الشمالية فجماع الشمس والتراب يوفر نوعية زيت زيتون لا مثيل له في بلدان الجوار. لكن هنا كبيرة تكشف دولة فاشلة.

تونس لا تسيطر على مصير زيتها في الداخل والخارج رغم وجود مؤسسة عمومية مهمتها تسويق الزيت في الداخل والخارج، وهي ديوان الزيت.

في الداخل يخضع الزيت إلى مضاربات المصدرين وأصحاب المعاصر وفئة الطفيلين من الخضارة في وسط السلم. وفي الخارج لم تفلح الدولة في فرض علامة تجارية لمنتوجها الذهبي رغم سنوات ستين من الدولة الوطنية.

المضاربون في الداخل هم الخضارة وهؤلاء فئة من التجار يشترون الزيتون في رؤوس الأشجار ويقومون بتجميع العمالة لجنيها بطريقة ترفع سعر الكلفة وهي تحديد سعر المنتج بحسب كمية الزيتون المجني (أي بالكيلو). يسرع هذا الجني في فصله ولكن الكلفة ترتفع منذ مرحلة الإنتاج ينعكس هذا على سعر المنتج بعد العصر بما يجعل التسويق في الداخل عسيرا ويبقى لدى صاحب المعصرة خيار وحيد هو التسويق في الخارج أو الخزن لمدة طويلة حتى تشح السوق. وفي الخارج لا أحد في تونس قادر على فرض منتج لعلامة تونسية ولذلك يقوم المجمعون من أصحاب المعاصر بتصدير الزيتون حبّا لا معصورا إلى إيطاليا وفرنسا وهناك يتم عصره وتسويقه باعتباره إنتاجا محليا وليس تونسيا. وهنا يرتفع السعر خاصة مع تقنيات تعليب وتسويق متطورة. وارتفاع السعر يقلل المستهلكين. ويصير زيت الزيتون منتجا خاصا للنخبة الاستهلاكية في بلدان الغرب أما الفلاح التونسي فيصبح نسيا منسيا. أين الدولة في كل هذا؟ إنها تعجز عن التدخل وفرض منتجها الخاص في السوق العالمية فتستسلم لمحتكري الزيت التونسي في الخارج.

تمتع تونس بمنتج نادر له مكانه في سوق الاستهلاك المرفه في الغرب لكنها لا تتقن فرض منتجها كما ونوعا. وهذه علامة فشل إذا قسناها خاصة بالتباكي على العملة الأجنبية النادرة في المدخر الوطني.

ترهن الدولة نفسها لشركات السياحة العالمية من أجل الحصول على العملة الأجنبية لكنها تملك مصدرا أهم بكثير من السياحة فتفشل في تسويقه. ويمكن القياس على منتجاتها من الخمور والقوارص والتمور. منتجات نادرة وذات مردود مجز وتسويق فاشل يكشف أن آخر من يمكن أن يستفيد من هذا المصدر هي دولة الإنتاج. وآخر من يفكر في تطوير سياسة الدولة في تسويق المنتجات الفلاحية هو الوزير الحالي الذي جاء من أفق مختلف (مدرس قانون) ليتولى مصير الفلاح التونسي الذي لا يعرف الوزير إلا في بلاتوهات الصراع التلفزي على تصفية التيار الديني الذي لا علم له أيضا بما يعانيه الفلاح التونسي فالجميع مشغول بتأمين بقائه في السلطة دون حل مشكلة زيت الزيتون الذهبي.

تجارة الملفات الأمنية

لا يتعلق الأمر هنا بمقاومة الإرهاب فالإرهاب جريمة موسمية تتزامن عودتها خاصة مع المواعيد الانتخابية. لقد صار هذا أمرا مفروغا منه لكن الأمر هنا أن الشرطة التي تشعر بالمنعة وعدم المحاسبة يقوم بعض منتسبيها بإخفاء ملفات الشكاوى وقبض ثمن التستر من المتهمين بها. لقد انفجرت قضية جديدة في ضاحية الكرم وللتغطية تقوم الداخلية بفتح تحقيق لكن الجميع يعرف أن التحقيق سيدفن قبل إعلان نتيجة مرضية لمن ذهب يوما يشتكي لشرطة تسرق ملفات الجرائم.

والشعور بالمنعة متأت من قوة النقابات الأمنية التي تقف حاجزا دون تطوير المؤسسة الأمنية وتحويلها من أمن فاسد إلى أمن جمهوري. لقد فرضت النقابات وزيرها على الحكومة بعد إن اقتحمت على الرئيس قصره ورفعت شعار أرحل في وجه رئيس الحكومة لذلك تحولت إلى لوبي مخيف لا يمكن إخضاعه إلى أي قانون وهنا نجد فشلا آخر للدولة تماما كفشلها أمام نقابات التعليم التي عزلت الوزير وتستقل بالتصرف في وزارة التعليم ومصير العملية التعليمية نفسها.

النقابات تحكم.. الحكومة تسقط.. والدولة تفشل

هذه خلاصة سريعة في عنوان. الحكومة الحالية لم تعلن عجزها لكن لم يعد يثق بها إلا وزراؤها الذين يتمتعون بأجور خيالية ويبقون في مكاتبهم خشية مواجهة الشارع المتوتر.

إعلام الحكومة يقول أننا في الجنة لكن خارج وسائل الإعلام نحسب عدد الغرقى في البحر وندخل الأسواق فنعجز عن شراء عشاء واحد وننظر إلى الثروات الوطنية فنجدها ملقاة في السوق كأنها لم تنتج بدم الفلاح التونسي وعرقه.

ماذا بقي من الدولة؟ نصف الكأس الملآى لم يعد يقنع المتابع مهما كانت تبريرات أعضاء الحكومة الكسولة. متى ستعلن الحكومة فشل الدولة؟ لن تفعل لكنها ستخلق من الملاهي ما يصرف أنظار الناس عن فشلها. البعض يقول متفاصحا أن تجربة تونس محل رعاية غربية ولن يسمح بالسقوط لمخبر التجارب الجميل. مخبر التجارب التونسي يفشل في تجربته في الثورة وفي الانتقال الديمقراطي السلس ولو أنه يواصل التفاخر الكاذب على التجربة الليبية المجاورة.

إلى أين ستنتهي الدولة؟ لا أملك إجابة واضحة لكن بعد زمن قليل سيكون على الحكومة القائمة الآن أن تجيب، فإما حلول لبناء دولة جديدة أو انهيار كامل والدخول في فوضى إلى أجل غير معلوم لكن مهما كانت درجة الفوضى القادمة فإنها لن تعيد إنتاج الفشل الحالي.
0
التعليقات (0)

خبر عاجل