كتاب عربي 21

الكرد وغيرهم من المهمشين (1)

جعفر عباس
1300x600
1300x600
كان آخر مقال لي هنا، في "عربي21"، بعنوان "لماذا حرام على الكرد وحلال على كل جنس؟"، وكان جوهره أن الأقليات التي تتعرض للتهميش والقمع، في أي دولة، لابد وأن تصبو لنيل "استقلالها" من المركز.

وكان مقالي ذاك حول الاستفتاء الذي جرى في كردستان العراق، وأسفر عن إبداء الغالبية العظمى للكرد تَوْقهم للعيش في دولتهم المستقلة.

معظم الذين عقبوا على المقال لم يتفقوا مع ما ذهبت إليه، ومنهم من اتهمني بالجهل بالحقائق أو ليّ أعناقها، مع إبانة مواطن "الجهل"، أي عرض ما يدحض ما ذهبت إليه، ولكن تعقيبا واحدا شديد اللهجة، أكد لي صحة حججي، في حق أي أقلية تعيش في ظل سيطرة أغلبية دينية أو عرقية أو اجتماعية على السلطة، في السعي للانعتاق من تلك السيطرة.

بدأ "ه. ف." تعقيبه ببيت شعر لأبي الطيب المتنبي، قاله في ذم كافور الإخشيدي والي مصر، الذي رفض توليته منصبا عليه القيمة: لا تشتري العبد إلا والعصا معه/ إن العبيد لأنجاس مناكيد، وتأسيسا على ذلك جاء الاتهام بأنني أسعى لتفتيت الصف العربي (الـ-عيني باردة-ـمتماسك وصلب وصلد).

ما عناه كاتب التعقيب يؤكد ما ذهبت إليه، من أن البعض منا، خاصة من يعرفون بالعروبيين، يمارسون الاستعلاء على المشكوك في انتمائهم العرقي/ الإثني للعرب، فبما أنني من بلد أخذ اسمه من تصنيف سكانه حسب اللون (السودان)، فقد جارى صاحبنا المتنبي، الذي اعتبر كافور الإخشيدي عبدا، فقط لأن بشرته سوداء، رغم أنه "المتنبي" كان يصبو للعمل تحت إمرة من وصفه بالعبد.

قبل عام 2003 الذي غزا فيه الأمريكان العراق بسنوات، كتبت مقالا احتوى نقدا قاسيا لنظام الرئيس العراقي صدام حسين، ووصلتني رسالة إلكترونية من قيادي في حزب البعث العراقي بدأها ببيت الشعر ذاك الذي استهدف كافور، فرددت عليه برسالة مفادها بأن عليه العمل على التخلص من أنجاس مناكيد في القيادة القومية لحزب البعث (عنيت السوداني بدر الدين مدثر، الذي بكاه صدام حسين على مشهد من آلاف الناس، وقبلها كان في تلك القيادة الزول محمد سلمان الذي مات في حادث سقوط طائرة في يوليو/ تموز 1971).

ما كان من ذلك المناضل القومي إلا أن استرحمني واستعطفني، كي لا أنشر شيئا مما قاله بحقي، واستجبت لمناشدته، لأنني كنت موقنا بأن صدام حسين سيسحله، فرغم أن صدام كان في تقديري رئيسا لجمهورية الرعب (كما أسماها كنعان مكية في كتاب يحمل ذلك الاسم)، إلا أنه بالقطع لم يكن يمارس التمييز على أساس اللون أو الطائفة أو العرق، أو الدين.

فرفيق رحلته الطويلة، ميخائيل يوحنا، كان كما يوحي اسمه مسيحيا وأضفى عليه صدام اسما "خاطف لونين" وهو طارق عزيز، لأنه كان يدرك أن بعض مواطنيه، لم يكونوا ليقبلوا في بواكير حكمه، بوجود نصراني في موقع قيادي، ولم يستهدف صدام الشيعة كطائفة، بل استهدف القيادات الشيعية التي كانت نشطة في معارضته، ولكنه ارتكب مجازر بحق الشيعة بسبب انتفاضتهم ضد حكمه، عقب هزيمة جيشه في ما يعرف بحرب تحرير الكويت.

قبل سنوات، استدعاني مخرج ومنتج برنامج "على مسؤوليتي"، الذي كان يقدمه على شاشة تلفزيون "أم بي سي"، الممثل السوري دريد لحام إلى بيروت، للتفاوض معي حول كتابة سيناريوات البرنامج، وزج بي في حلقة منه مع الممثل المصري أيمن عبد الغفور، والممثلة الكويتية سعاد العبد الله، والسورية أمل عرفة، وكنت من خلال التفاوض مع إدارة البرنامج أن دريد سيطرح في مقدمته بعض الطرف عن عنصرية الأمريكان والأوربيين.

ما أن بدأ دريد في إلقاء نكاته عن عنصرية الغربيين تجاه السود واللاتينيين، حتى أخرجت من جيب معطفي كيسا صغيرا من الفستق -الفول السوداني- وقدمته له متسائلا: ماذا تسمون هذه الحبيات في الشام الكبرى؟ فتلجلج الرجل، ونطقت أمل عرفة بالحق، وقالت: نسميه فستق عبيد.

وهدفت من ذلك إلى إثبات أن بعض العرب يمارسون استعلاء عنصريا، يحسبون أنه غير معلن، فذلك الفستق يحمل وصمة الانتماء للعبيد، لأنه يأتي من بلاد السود (وكان اسم "السودان" حتى مطالع ستينيات القرن الماضي، يشمل السودان الحالي ومالي وتشاد والنيجير وأجزاء من دول غرب أفريقيا كانت تقبع تحت الاستعمار الفرنسي، وكانت بالتالي تحمل اسم السودان الفرنسي).

وأعود وأقول إن العرب أقل شعوب الأرض عنصرية، فحتى عندما كان استرقاق سود شرق أفريقيا أمرا مشروعا، وله سوق في معظم الدول العربية، لم تكن طائفة العبيد تعامل بأي درجة من القسوة، كما كان حالهم في بريطانيا والولايات المتحدة، مثلا.

ومع هذا فكثير من العرب -ومعظمهم اليوم في واقع الأمر مستعربة- يمارسون الاستعلاء على أجناس أخرى ولو على مستوى اللغة، وما زال سواد اللون سبة في معظم الدول المنتسبة للعروبة بالأصالة أو الوكالة، وحتى في السودان -الذي هو أرض السود- يتم تقسيم الناس إلى أولاد عرب و"أولاد الذين"، والفئة الأخيرة هي ذات الأصول الأفريقية الصارخة.

(صاح الشاعر السوداني الراحل صلاح أحمد إبراهيم في وجه من يستعرُّون من سواد البشرة الفاحم: أنا من افريقيا / صحرائها الكبرى وخط الاستواء / لفحتني بالحرارات الشموس / وشوتني كالقرابين على نار المجوس / فأنا منها كعود الأبنوس).

وهل شهد جنوب السودان حربا ضروسا منذ عام 1955 إلى عام 2005 انتهت بتوقيع اتفاقية تعطيه حق تقرير المصير، ومارس ذلك الحق وانفصل وصار دولة قائمة بذاتها إلا بسبب التهميش والقمع الذي مارسته بحق أهل الجنوب نخب حاكمة منذ استقلال البلاد عام 1956؟

وهل حمل بعض أهل دارفور في أقصى غرب السودان السلاح ضد المركز/ الخرطوم إلا لأن إقليمهم عانى من الإهمال التام، وهو لم يكن أصلا جزءا من السودان بحدوده الحالية إلا بعد عام 1916؟ (وقع السودان تحت الحكم البريطاني عام 1898)

ورغم اقتناعي بأن المظالم والبطش والتهميش هي التي تحمل الأقليات -ومنهم الكرد- للانتفاض ضد حكومات الأغلبيات، إلا أنني لست من دعاة أو أنصار انفصال كردستان العراق، بل ولا أرى إمكان قيام دولة كاملة الأهلية في ذلك الإقليم، وهذا أمر أرجو أن أتناوله في مقالي التالي.
التعليقات (1)
Rachid peintre
الأحد، 08-10-2017 03:43 ص
عفوا استاد هاته افة العرب اوالعروبيين..على طول الوطن الذي سمي مجازا عربيا..استعلاءهم هدا ..سيكلفهم الكتير..ولنا في التاريخ العبرة والدرس... اخ من المغرب