مقالات مختارة

تطرف سياسي في الرواق الألماني

حسام شاكر
1300x600
1300x600
من كان بوسعه أن يتصوّر مثل هذا قبل سنوات معدودة، وفي ألمانيا تحديداً؟ يظهر حزب جديد بخطاب شعبوي وبرنامج يميني متطرف وينتزع 94 مقعداً في البرلمان الاتحادي (البوندستاغ).

لا يقتصر الإنجاز الأهم الذي حققه حزب "البديل لألمانيا" على أنه بات بموجب انتخابات 2017 القوة الثالثة في "البوندستاغ"، بل في أنه نجح في تطبيع الساحة السياسية الألمانية مع خطابه وتأهيل التطرف اليميني لدخول الرواق السياسي.

عبر سنوات طويلة تسامحت الجمهورية الاتحادية مع أحزاب يمينية متطرفة تقليدية لأنها رأت في عملها العلني خياراً أفضل من دفعها للعمل تحت الأرض. فلم تنجح أحزاب مثل "الحزب القومي الألماني" و"الجمهوريون" في مفارقة هامش الساحة السياسية، واكتفت بمقاعد قليلة في برلمانات محلية ضمن بعض الولايات، بينما ظلّت أحزاباً منبوذة وتضعها الأجهزة الأمنية تحت المراقبة.

لكنّ تطوراً مهماً حصل في السنوات الأخيرة ضمن أقصى اليمين، فقد أعادت هذه الأوساط إنتاج ذاتها، وتقدّمت بحضور جديد وخطاب مختلف. لم يعد حليقو الرؤوس يتصدّرون المشهد، كما تمت إزاحة الشعارات القومية المتطرفة التقليدية، وحلّت محلها شعارات لا تقلّ تطرفاً لكنها مسددة بعناية ضد المسلمين. من أبرز تعبيرات هذا التحوّل تشكيل حركة جماهيرية بالإضافة إلى حزب سياسي جديد.

اختصت حركة "بيغيدا" بشحن المجتمع الألماني بخطاب الكراهية وإذكاء العداء للمسلمين، وقد تمدّدت منذ تأسيسها في سنة 2014 في بلدان أوروبية أخرى. ما يلفت الانتباه أنّ مدينة درسدن، معقل "بيغيدا"، لا تقطنها كثافة مسلمة ملحوظة، وأنّ معاقلها الأساسية ظلّت في مناطق يقطنها عدد شحيح من المسلمين بالمقارنة مع المعدّل الألماني العام.

أما الحزب الجديد، فهو "البديل لألمانيا" الذي تأسس سنة 2013 واشتهر بعدائه الشديد للمسلمين، وتقدم بشعاراته هذه في انتخابات 2017 بفارق ملحوظ عن الخضر والليبراليين واليساريين، فأصبح بنسبة 13 في المائة القوة الثالثة في البوندستاغ بعد يمين الوسط ويسار الوسط. إنها قفزة مذهلة واستثنائية في الحياة السياسية الألمانية، والأهم أنها تأتي من أوساط يمينية متطرفة حتى أنّ بعض قادة الحزب تورّطوا باستعمال مفردات وإيحاءات ارتبطت بالعهد النازي.

تبدو مؤشرات الاكتساح اليميني المتطرف التي حققها هذا الحزب هائلة إن تم النظر إلى الولايات الألمانية الشرقية، التي انضمت إلى الجمهورية الاتحادية بعد الوحدة. تتميّز هذه الولايات التي نافس الحزب على المواقع الأولى، بنسبة محدودة من المسلمين بالمقارنة مع الولايات الغربية، لكنها تعاني من معضلات اقتصادية واجتماعية مزمنة أوضح من غيرها. يأتي الخطاب اليميني المتطرف الجديد بنبرته الشعبوية ليستغل خيبة أمل الناخبين من الأحزاب التقليدية وتذمرهم من بعض الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية، وليضع المسلمين تحديداً في صورة كبش الفداء لكل ما يجري.

استفاد حزب "البديل" من التطورات التي شهدتها السنوات الأخيرة، خاصة تدفقات اللاجئين والهجمات الوحشية التي تبنّتها "داعش". قام الحزب بتأجيج المخاوف، وبلغ به الأمر حدّ تحميل المستشارة أنغيلا ميركل المسؤولية عن اعتداء الشاحنة الدامي في برلين في نهاية 2016، بذريعة أنها التي وافقت على دخول اللاجئين.

يستثمر هذا الحزب وغيره من القوى اليمينية المتطرفة في هواجس الجمهور الذي يشهد تحوّلات لم يعتد عليها، ومثل هذا يحصل في أرجاء متعددة من أوروبا والعالم. فالعولمة وما فرضته من تحوّلات وأزمات في المجال الاقتصادي، وكذلك حركة البشر عبر القارات وتدفقات المهاجرين واللاجئين، والشعور بالاغتراب الثقافي في مجتمعات إنسانية باتت أكثر تنوّعاً؛ كلها تحوّلات تستثير القلق ويتضاءل معها الشعور بالأمان المستقبلي.

جاءت النتائج السخيّة التي حققها حزب "البديل" بعد سنوات من التعبئة والتسخين، حتى تطبّع الشارع الألماني مع إعلانات كبرى في الميادين والطرق ووسائل الإعلام والشبكات مشبّعة بازدراء المسلمين. 

وقد كان واضحاً أنّ المستوى السياسي من الأحزاب المتعددة قد تهاون إلى حد كبير مع هذه الدعاية المتطرفة في لونها الجديد، رغم الانتقادات المتفرقة التي تم تسجيلها. فالأحزاب تتملّق الجمهور الذي يصوِّت للتطرف، وقد تغترف هي بذاتها قدراً محسوباً من خطاب غير ودي نحو المسلمين، كما يفعل الحزب "الاجتماعي المسيحي" وهو النسخة البافارية الشقيقة لحزب المستشارة ميركل.

هكذا يتضح تأثير أوسع نطاقاً لتقدم التطرف اليميني في الانتخابات، ألا وهو انشداد الساحة السياسية عموماً صوب اليمين أكثر فأكثر، فقد أدرك الجميع أنّ التطرف يربح ببساطة، وأنّ الشعبوية وصفة مُغرية، فهي تداعب قلق الجمهور وهواجسه بتقديم شعارات ساذجة تتنصّل من القيم والمبادئ المنصوص عليها في الدستور.

تشهد ألمانيا، مثل دول أوروبية أخرى، موجة من التطرف السياسي تحت شعارات جديدة أكثر ذكاء من سابقاتها وقد تتملق بعض الأحزاب التقليدية هذه الشعارات طمعاً في تحسين حظوظها الانتخابية، فتساهم في إذكاء الحالة الشعبوية وتطبيع الخطاب المتطرف مع الرواق السياسي.

إنّ التحدي الذي يواجه الساحة السياسية والمجتمع المدني في ألمانيا بعد الانتخابات هو ضرورة عزل الخطاب العنصري ونبذ الحمى الشعبوية التي اكتسحت المشهد خلال الحملة الانتخابية وما سبقها، والتي تبثّ الكراهية في المجتمع وتشق صفوفه وترسم في الأفق هواجس ماضٍ كئيب بدل التقدم إلى مستقبل منفتح.


1
التعليقات (1)
فارغين
الجمعة، 06-10-2017 12:55 ص
من يستطيع في ألمانيا مواجهة أزمة السكن مثلا،الكل حلوله التعامل مع أزمة السكن،لماذا،هل لإن المسلمون في ألمانيا سبب المشكلة أم أن الإتحاد الأوربي مثلا،بديل ألمانيا الفارغ إختار عداء الإسلام للتحدث بمشاكل السكن والخصوبة والإقتصاد،نحن المسلمين علينا فضح هذه المشاكل حتى لا يدخلوا المسلمين بمشاكلهم.