صحافة دولية

واشنطن بوست: بلحاج من الجماعة المقاتلة إلى حلبة السياسة

واشنطن بوست: لا يزال بلحاج شخصية مخيفة ومثيرة للجدل- أ ف ب
واشنطن بوست: لا يزال بلحاج شخصية مخيفة ومثيرة للجدل- أ ف ب
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا للصحافي سودارسان راغفان، يقول فيه إن عددا من قادة الثورة الليبية ضد الزعيم معمر القذافي تخلوا الآن عن سلاحهم وزيهم العسكري، وأصبحوا سياسيين ورجال أعمال. 

ويبدأ التقرير بالإشارة إلى مقابلة عبد الحكيم بلحاج، الذي يقول إنه تخلى عن زيه العسكري وغيره بسترة رياضية وقمصان بيضاء، وترك بندقية "إي كي- 47" متوجها إلى صناديق الاقتراع، مشيرا إلى أنه كان قائدا جهاديا وثوريا، وأصبح سياسيا ورجل أعمال إسلاميا يدورالعالم، ويقول: "تفكيري في ذلك الوقت ليس كالطريقة التي أفكر فيها اليوم".

ويقول راغفان: "في ليبيا المقسمة اليوم، التي اخترقها تنظيم الدولة، وتكافح من أجل تأكيد هويتها، لم ينس الليبيون من هو بلحاج، وهم يتذكرون بلحاج الذي قاتل إلى جانب أسامة بن لادن، ويتذكرونه قائدا للجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، التي اعتبرتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية، واعتبر بلحاج خطيرا لدرجة اختطافه على أيدي عملاء (سي آي إيه)، الذين حققوا معه في مكان سري في آسيا، ومن ثم سلم لنظام القذافي، حيث عذب في سجونه". 

وتشير الصحيفة إلى أن "بلحاج وزملاءه أصبحوا اليوم لاعبين أساسيين في المنافسة على تشكيل هوية وروح ليبيا، وهم يعدون مثالا نادرا على الكيفية التي استطاع فيها الإسلاميون الحصول، ليس على الشرعية، ولكن القدرة على تشكيل البلد". 

وينقل التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، عن المحللة البارزة في الشؤون الليبية في مجموعة الأزمات الدولية كلوديا غازيني، قولها: "هؤلاء الرجال منخرطون بشكل كبير في إدارة الأمور في طرابلس"، لكن ما يقلق البعض، كما تقول، هو "هل تخلوا عن نشأتهم الجهادية؟".

ويلفت الكاتب إلى أن "المسار الذي مضوا فيه ملتو، وبشكل استثنائي عربي، فالمجموعة تعود إلى معارك الحرب الباردة، وانتعشت بسبب القمع الذي مارسه نظام القذافي الديكتاتوري، وعندما اندلع الربيع العربي أدى بلحاج ورفاقه دورا في مواجهة الديكتاتور وقتله قبل ستة أعوام".

وتقول الصحيفة: "اليوم وهو يحاول العبور في داخل الانقسام القبلي الليبي، ويتمتع بالنفوذ والثروة، لا يزال بلحاج شخصية تخيف ومثيرة للجدل، وينظر إليه البعض على أنه أمير حرب ومخطط لأعمال إرهابية، مع أن رفاقه يصورونه بأنه شخصية أسيء فهمها، حيث يقول المتحدث باسم برلمان طبرق عبدالله بلحق: (يمثل بلحاج تهديدا الآن وفي المستقبل)، ويضيف: (يتبعه عدد من الجماعات المسلحة التي ستظل ضد إنشاء الدولة والحفاظ على مصالحها)".

ويقول راغفان إنه التقى أول مرة بلحاج، المهندس المدني في أيار/ مايو 2010، في العاصمة طرابلس، حيث أفرج عنه وعن عدد من قادة الجماعة المقاتلة، بناء على برنامج إعادة تأهيل أشرف عليه نجل القذافي سيف الإسلام، مقابل نبذ العنف والعمل على مكافحة فكر تظيم القاعدة، حيث شكك الكثير من الليبيين والدبلوماسين الغربيين في البرنامج، خاصة أن بلحاج وعددا آخر من الليبيين سافروا إلى أفغانستان لقتال الاتحاد السوفييتي، وهناك التقوا مع أسامة بن لادن في معسكرات التدريب. 

ويورد التقرير نقلا عن المؤسس الأخر للجماعة المقاتلة سامي السعدي، قوله  إنه اعجب "بمدى التزام" ابن لادن بقضيته، مشيرا إلى أن بلحاج عاد إلى ليبيا بداية التسعينيات من القرن الماضي، حيث أنشأ الجماعة المقاتلة بهدف الإطاحة بنظام القذافي، وتبع ذلك حركة تمرد ذات وتيرة منخفضة، وكذلك ثلاث محاولات فاشلة لاغتيال الديكتاتور.

وتنوه الصحيفة إلى أن بلحاج كان معروفا بحينه بالاسم الحركي أبوعبد الله الصادق، لافتة إلى أن القذافي استطاع القضاء على تهديد الجماعة المقاتلة، حيث هرب بلحاج ورفاقه مرة أخرى إلى أفغانستان وباكستان، وأقاموا علاقة مع تنظيم القاعدة وحركة طالبان، ورغم اعتراف بلحاج بالروابط، لكنه نفى وجود صلة مع أي منهما. 

ويفيد التقرير بأن ابن لادن طلب في الأشهر التي سبقت هجمات أيلول/ سبتمبر 2001، من الجماعة المقاتلة الانضمام إلى ضرب الولايات المتحدة، لكن بلحاج رفض، وقال إن هدف جماعته كان الإطاحة بالقذافي، لا ضرب الغرب و(قلتها لقادة تنظيم القاعدة)".

ويبين الكاتب أنه "حدث شرخ في صفوف الجماعة، حيث انضم بعض أفرادها إلى ابن لادن، وفي نهاية عام 2001، وبعد هزيمة حركة طالبان، وهروب ابن لادن، تفرق بلحاج ورفاقه، واعتقل بلحاج وزوجته الحامل في كوالمبور، حيث نقلا إلى سجن سري في تايلاند، أما السعدي فقبض عليه في مكان آخر في آسيا، وتم تسليمهم لنظام القذافي، الذي كان راعيا للإرهاب وتحول فجأة لحليف للغرب في مكافحته".

وتشير الصحيفة إلى أن بلحاج قضى ست سنوات في سجن بوسليم الرهيب، حيث يقول: "ضربت، وعلقت من يدي، وحرمت من الطعام وضوء الشمس"، ورفع دعوى قضائية ضد الحكومة البريطانية؛ للدور الذي أدته في تسليمه، لافتة إلى أن محققين تابعين لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" وجدوا وثائق أكدت ما قاله عن اعتقاله من "سي آي إيه" ونقله إلى بوسليم في ليبيا.

ويورد التقرير أنه بتشجيع من الدعاة المعتدلين وابن القذافي الشاب، قام بلحاج وزملاؤه بنشر مراجعة فكرية من 400 صفحة، وهاجموا فيها هجمات تنظيم القاعدة على المدنيين في الغرب، لكن مواجهة الغزاة تعد واجبا دينيا، كما اخبر بلحاج الكاتب عام 2010، لافتا إلى أنه بعد عام وجد بلحاج ورفاقه أنفسهم مشاركين في الثورة التي أطاحت بالقذافي، وأصبح بلحاج قائدا لكتيبة طرابلس، وفي 22 آب/أغسطس دخلوا باب العزيزية، وكانوا على حافة السيطرة على طرابلس، وبعد هروب القذافي رأى بلحاج كرسي الديكتاتور، وجلس عليه "ان تجلس في باب العزيزية كان حلمي الدائم"، وأخذ نظارات القراءة التي كان يستخدمها القذافي، ويقول إنه أعطاها لرجل عذب الديكتاتور ابنه وقتله. 

ويذكر راغفان أن بلحاج أصبح قائد المجلس العسكري لطرابلس، اللجنة المسؤولة عن توفير النظام في العاصمة، وبعد مقتل القذافي أصبح بلحاج عضوا في المجلس الأعلى للأمن، اما السعدي فأنشأ حزبا سياسيا، وأصبح خالد الشريف أحد قادة الجماعة المقاتلة سابقا نائبا لوزير الدفاع، وفي عام 2014 انضم بلحاج وأعضاء سابقون في الجماعة المقاتلة، ودعموا جماعة "فجر ليبيا"، التي سيطرت على العاصمة وأعلنت عن حكومة فيها، وأثار تحركهم جدلا.

وتنقل الصحيفة عن ماتيا توالدو من مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي، قولها: "كان هناك شك عميق تجاه الإسلام السياسي"، وأضافت: "إن ذلك من إرث القذافي، الذي بنى مشاعر عدم الثقة بالإسلاميين عندما وصفهم بالعملاء للأجانب، وبأنهم يطبقون أجندة أجنبية"، لافتة إلى أن هذا ما وصف به المعادون للإسلاميين بلحاج، حيث وصفه خليفة حفتر بقائد تنظيم القاعدة، وقال آخرون إنه من تنظيم الدولة.

ويؤكد التقرير أن "بلحاج يملك الثروة والتأثير اليوم، فرغم أن لا منصب له في الحكومة، إلا أن أتباعه والموالين له موجودون فيها، لكنه لا يزال أحجية للكثيرين بعدما قرر الخروج من البلد والابتعاد عن الأضواء".

ويجد الكاتب أنه "في الوقت الذي يصوره البعض على أنه رجل الأعمال، إلا أن البعض، مثل غازيني من مجموعة الأزمات الدولية، تقول إنه يتظاهر بهذا وهو الذي يتحكم بالأمور، ويزعم بلحق من برلمان الشرق أن أموال بلحاج غير شرعية، مشيرا إلى أنه بعد عام من الإفراج عنه أصبح لديه شركة طيران".

وتلفت الصحيفة إلى أن بلحاج يوزع وقته الآن بين تركيا وطرابلسـ وينفي ملكية شركة طيران، قائلا: "ربما خلطوا بين اسم وآخر يملك شركة طيران"، مشيرة إلى أن بلحاج استقال من مجلس طرابلس العسكري، وأنشأ حزب وطن، وشارك دون تحقيق نجاح في انتخابات عام 2012،  ولا علاقة له الآن مع المتشددين، ويؤمن بالديمقراطية، ويدعم حكومة الوفاق الوطني، "لأننا لا نريد أن نكون خارج المجتمع الدولي"، وسافر إلى سويسرا وجنوب أفريقيا؛ لتشجيع العملية السلمية في البلاد. 

وبحسب التقرير، فإن أتباعه يأملون بان يترشح لرئاسة الوزراء في حال استقرت ليبيا، حيث يقول جمال عاشور من حزب "وطن": "إنه يعمل بجهد، وهو واضح جدا"، ويضيف: "عندما تتحدث معه يؤكد أن أولويته هي بلاده". 

ويستدرك راغفان بأن الماضي يلاحقه، ففي حزيران/ يونيو، وضعته السعودية ودول ثلاث أخرى على قائمة الجماعات الإرهابية، التي زعمت أنها ممولة من قطر. 

وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى تعليق بلحاج قائلا إن وضع اسمه على القائمة له دوافع سياسية، وأضاف أن الجماعة المقاتلة "انتهت عندما تركنا السجن.. ولم أعد عضوا في عقلية الجماعة المقاتلة".
التعليقات (0)