قضايا وآراء

المغرب وتحديات استشراف الريادة في المحيط الإقليمي

بلال التليدي
1300x600
1300x600
منذ أكثر من عقد من الزمن، والمغرب يشق طريقه بغير قليل من العنت في اتجاه تحقيق الريادة في محيطه الإقليمي، فقد أظهرت المؤشرات عن تقدم كبير للمغرب على أكثر من مستوى، وتحقيق اختراقات غير مسبوقة في سياساته الخارجية، بل استطاع أن يتجاوز العديد من التحديات التي كادت تعصف بشراكاته الاستراتيجية في المنطقة.

معالم هذا التقدم برزت في أربع محاور أساسية، الأول برز في التمدد نحو إفريقيا من خلال عودة قوية للاتحاد الإفريقي وطلبه الانضمام للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (CEDEAO)، وإبرامه عددا هائلا من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية مع دول إفريقيا، وعدم اكتفائه بمحوره التقليدي في هذه القارة، وانعطافته لشرق وجنوب إفريقيا وبالتحديد نحو الدول الإفريقية الأنكلوساسكونية، وتفكيكه للمحور الجزائري النيجيري الجنوب إفريقي، والثاني، تمثل في استثمار التحولات العالمية، وبشكل خاص الأزمة الروسية التركية لبناء شراكات  استراتيجية جديدة مع روسيا، وتنويع شركائه (اليابان، والصين و....) وتجاوز سياسة وضع البيض كله في سلة الشراكة الأوربية أو الشراكة الأمريكية،  والثالث تمثل في تعميق العلاقات الاستراتيجية مع دول الخليج، أما الرابع فلا زالت معالمه تتبلور من جديد، وذلك من خلال تجديد مضمون الشراكة مع الاتحاد الأوربي من خلال تقديم عرض مغربي يتضمن النموذج الديني والنموذج الأمني في محاربة الإرهاب والتطرف.

بيد أن هذه السياسة الرباعية الاتجاه، وإن حققت في مداها القريب نتائج مهمة اقتصاديا ودبلوماسيا، إلا أنها لم تسلم من تحديات متعاظمة، يحاول المغرب تدبيرها ضمن معادلات جد صعبة، وغير مضمونة النتائج.

فعلى المستوى الأول، يواجه المغرب تحديين: تحدي الجغرافية السياسية، وتحدي النفوذ الفرنسي التقليدي في المنطقة ، إذ لا يمكن أن تنجح استراتيجيته في التمدد الإفريقي دون ضمان حد فوق المتوسط من التطبيع الدبلوماسي مع موريتانيا، فكل توتر  أو تصعيد بين البلدين ينتج عنه عزلة مغربية من جهة الشرق (الجزائر) والجنوب (موريتاينا) سيترتب عنها ضرورة تنسيق بين البلدين لضرب المصالح المغربية في إفريقيا، وهذا للأسف هو ما يحدث اليوم، إذ يتوقع أن تعرف طريق الكركرات  التجارية التي تربط المغرب بموريتانيا استهدافا جديدا بعد أن نجح المغرب أمميا في كسب المعركة الدبلوماسية في هذه النقطة منتصف العام الجاري، فالوقائع الأخيرة تفيد بإقدام الجزائر بتنسيق مع موريتانيا على فتح طريق تجارية من تندوف إلى مدينة الزويرات الموريتانية، ولا يبعد أن تنضم فرنسا، في لحظات  توتر تدبير صراع المصالح مع المغرب، إلى الجزائر وموريتانيا لاستنزاف قدرات المغرب على الامتداد في العمق الإفريقي. أما التحدي الثاني، فإن مزاحمة فرنسا في حديقتها الإفريقية الخلفية، سيزيد من حجم التوتر في العلاقات المغربية الفرنسية، وليس من المضمون دائما أن ينجح المغرب في معادلة التصعيد مع فرنسا واللجوء في الأخير إلى تسويات في شكل عرض مغربي لمصالح فرنسية في المغرب أو شراكة في مصالح مغربية فرنسية في إفريقيا. 

أما على المستوى الثاني، فإن حالة الفوضى واللانظام التي يعيشها العالم، فضلا عن افتقاد العالم اليوم لقواعد حاكمة في تسوية النزاعات الدولية، سيحكم على استراتيجية المغرب في تنويع الشركاء بالهشاشة، لاسيما إن أقدمت روسيا على إعادة تعريف مصالحها في المنطقة، بما فيها منطقة المغرب العربي أو إفريقيا نفسها، أو حصلت تحولات في الموقف الدولي في  سوريا والعراق دفعت إلى استعادة جزء من توازنات الوضع السابق، أو استعادت العلاقات المغربية الأمريكية دفئها وعافيتها.

أما على المستوى الثالث، فالتحدي برز هذه المرة في الأزمة الخلجية/ الخليجية، والتي وضعت المغرب في حرج الاختيار بين السعودية وقطر، فاعتمد نفس معادلته المتوزانة، أي المحافظة على المصالح الثابتة مع قطر، والإبقاء على العلاقة الاستراتيجية مع السعودية والامتناع عن مجاراة مطالبها في محاصرة قطر، وترقب ما سيؤول إليه ترتيب الحكم في السعودية. فهذه التحولات، التي حاول المغرب التعامل معها بقدر كبير من الحذر، ليس مستبعدا أن تسير في اتجاه آخر، بما يؤثر على المصالح الحيوية للمغرب الذي استثمر منذ مدة في بناء علاقات استراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي.

أما على المستوى الرابع، فيبدو أن المغرب يدرك جيدا كلفة التحديات الأمنية على الجارة الأوربية في الضفة الشمالية من المتوسط، وبشكل خاص ما يرتبط بالإرهاب، كما يدرك أن التوتر مع الاتحاد الأوربي على خلفية الاتفاق الفلاحي أو اتفاق الصيد البحري لن يبقى محصنا من الهزات الروتينية، كما مواقف بعض الدول الأوربية في إدماج قضية الأقاليم الجنوبية في الاتفاقات التجارية، فلذلك، يسعى المغرب لتقديم عرض جديد، يتمثل في تقديم نموذجه في التأطير الديني، كما نموذجه في مكافحة الإرهاب وحماية الحدود الجنوبية الأوربية، لتعميق هذه الشراكة من جهة، وتحصينها من عناصر التوتر من جهة ثانية. لكن التحدي المطروح على هذا المستوى يتمثل في ثلاثة عناصر، الأول هو مناخ الحرية الموجود في أوربا والذي يمنع الدولة من التدخل في المساجد والمراكز الإسلامية لفرض نمط واحد من التدين، والثاني، وهو تعدد الجاليات العربية والإسلامية والاستقطاب الحاد بين الدول المتنافسة (المغرب والجزائر على سبيل المثال في فرنسا وبلجيكا وإسبانيا) واستحالة تأطير الحقل الديني وفق رؤية واحدة بحكم تعدد القيادات المسيرة لهذه المساجد والمراكز، والثالث يتمثل في الحساسية التي يثيرها الموضوع الديني، إذ يدخل ضمن مقتضيات السيادة والأمن القومي للدولة الأوربية لاسيما إسبانيا.  أما بخصوص النموذج  الأمني، فوحده الوحيد الذي يمكن أن يحظى بدعم من الدول الأوربية، لكن شرط فعاليته وقوته يتمثل في التنسيق الأمني مع الجزائر، وهو أمر يتعذر حصوله لحد  الآن، مما يعني عدم اكتمال هذا العرض.

خلاصة القول، أمام المغرب فرص مهمة لضمان ريادته في محيطه الإقليمي، لكن، ذلك مرتبط أولا بتقوية جبهته الداخلية  ونموذجه الديمقراطي، لأن المعادلات التي تشتغل فيها سياسته الخارجية محفوفة بالعديد من مساحات التوتر مما يتطلب تعبئة داخلية متجددة،  وثانيا بالاستثمار في البحث عن خيارات للتطبيع الدبلوماسي مع موريتانيا، وبناء تفاهمات مسبقة مع فرنسا على الواجهة الإفريقية، وثالثا بالسعي لإحداث مصالحة بين دول الخليج تؤمن له، في حالة بقاء وضع التوتر بين قطر والرباعي الخليجي، استمرار العلاقات الطبيعية مع كل دول الخليج، وأخيرا الاشتغال في المجال الديني بمنطق الشراكة الثلاثية  مع المراكز والجمعيات والمساجد الإسلامية في أوربا من جهة، ومع الدول الأوربية من جهة ثانية،  ومع بعض الدول العربية والإسلامية التي تتمتع  بجاليات كثيفة في دول أوربا من جهة ثالثة.
التعليقات (1)
بوشعيب الزين
الثلاثاء، 26-09-2017 11:04 ص
تحليل موضوعي تخلفه رؤية حصيفة. أتمنى لك،أخي بلال ، كامل التوفيق في زاوبتك الأسبوعية.