مقالات مختارة

الخليج العربي أزمة متجددة ومشهد خادع

1300x600
1300x600
تبددت الأحلام بإمكان حدوث انفراجة في ملف الأزمة الخليجية بعد أقل من ساعة من المكالمة التاريخية بين أمير قطر تميم بن حمد وولي عهد السعودية محمد بن سلمان؛ إذ كشفت الحادثة عن عدم توافر نوايا حقيقية للأطراف للمصالحة والحوار؛ فانعدام الثقة والرغبة عكستها سرعة تبدد المبادرة ومحاولات التواصل.

العملية التي لم تدم أكثر من ساعة وكانت مجرد مناورة سريعة للتعامل مع الجهود الكويتية والضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية؛ فأطراف الأزمة معنية بإلقاء اللوم في فشل المبادرة والمحاولة الجديدة على الآخر أكثر من كونها معنية بإنجاحها على الأرجح؛ وذلك من خلال التوقف عند تفاصيل يصعب فهمها والتعرف على كنها ومغزاها السياسي.

فالمكالمة الشهيرة جاءت في أعقاب زيارة أمير الكويت صباح الأحمد الصباح إلى واشنطن واتصال ترامب بأمير قطر وعدد من قادة دول الخليج العربي في محاولة لإيجاد آلية جديدة للحوار بين الأطراف المنخرطة فيها تساعد على ردم الفجوة التي ثبت صعوبة ردمها من خلال الجهود والضغوط والمبادرات الأمريكية والوساطات فالقناعات باتت راسخة لدى الأطراف المتصارعة.

الأطراف الأساسية للأزمة غير مقتنعة بالحوار أو المصالحة كونها لم تعد ضرورة ملحة، فكل الأطراف طورت علاقات وتحالفات وآليات دفاع تمكنه من التعاطي مع حالة القطيعة؛ ولم يعد معنيا بإيجاد حلول لها، فالأزمة في حد ذاتها لم تعد موضوعا مهما بقدر ما هي القطيعة الموضوع الأساس التي ستقود عاجلا أم آجلا إلى تفكك مجلس التعاون الخليجي.

فقطر بعد وصول القوات التركية باتت أكثر ثقة بالنفس وأقل خشية من أن تتعرض لعملية تغيير راديكالية تترافق مع صمت أمريكي؛ أما السعودية فهي تبذل جهودا كبيرة لإعادة إنتاج سياسة إقليمية جديدة بالاعتماد على رؤية داخلية وإقليمية جديدة؛ في حين أن الولايات المتحدة الأمريكية فقدت السيطرة وأصبحت عاجزة عن التعامل مع القوى الإقليمية المنخرطة والمؤثرة والمتلاعبة في الأزمة والتي تملك واشنطن تحالفات ومصالح قوية معها تصل إلى حد التعاون والتحالف الوظيفي والعضوي.

فتركيا على سبيل المثال تمكنت من تحقيق خروقات عملية في الساحة العربية وباتت فاعلا أساسيا في الإقليم بتأثير من الأزمة الخليجية وهي حليف مهم للولايات المتحدة؛ في حين أن إيران باتت أكثر فاعلية في التعامل مع الضغوط الأمريكية في ظل التشرذم الخليجي الذي انعكس على تموضعها في سوريا والعراق واليمن إيجابا وهي بدورها لاعب إقليمي مهم لا تستطيع أمريكا تجاهله في سوريا والعراق وأفغانستان؛ أما الكيان الإسرائيلي فهو أحد المستفيدين الكبار من الأزمة من خلال الترويج لناتو (عربي- إسرائيلي) وتطبيع منقطع النظير؛ لا يكاد يتوقف نتنياهو الحديث عنه حتى يعود إليه وبصوت أعلى خصوصا بعد تسريب أنباء عن زيارة أحد أمراء دول الخليج «إن صحت» الرواية الصهيونية إلى الكيان.

فالزيارة المزعومة ترافقت وبشكل مثير مع استعراض الكيان الإسرائيلي لقدراته العسكرية؛ أما عبر المناورات الضخمة التي أجرتها شمال فلسطين المحتلة أو عبر الغارة الجوية التي شنتها على مواقع تابعة للنظام السوري ادعت فيها أنها دمرت مصنعا إيرانيا لإنتاج الأسلحة الكيمائية؛ بل أعلنت عن إيقاف سفينتي شحن تابعة لكوريا الشمالية تنقل معدات إلى إيران ونظام الأسد في سوريا لتزيد الاستعراض قوة تؤهلها للعب دور البديل والحليف لعدد من الدول العربية القلقة من التحولات والتبدلات في موازين القوة بل حليف موثوق لأمريكا المنشغلة بالأزمة الكورية.

المشهد بمجملة خادع جدا لم يعد فيه شيء من الحقيقة؛ إذ إنه باختصار عمليات استعراض ومناورات سياسية وأمنية هشة لا تمت للواقع بشيء؛ ولا يمكن الاستناد إليها في رسم معالم سياسة مستقرة للدول العربية المتعلقة بأوهام الحل في سوريا والعراق والتفاهم الأمريكي الروسي المزعوم؛ أو التفاؤل بحقبة ما بعد داعش التي تكافح كافة القوى الإقليمية والدولية لإطالة عمرها الافتراضي قدر الإمكان تجنبا لمواجهة خطرة.

يقابلها أوهام مماثلة وخادعة ممثلة بمحاصرة إيران وتصفية نفوذها بل شن حرب ضروس عليها كما يتوهم البعض ويروج؛ فالأطراف العربية متعلقة بأوهام غير موجودة على الأرض فالحقيقة كامنة بالعجز الأمريكي وتفلت القوى الإقليمية من قبضة العملاق الأمريكي.

العرب تعلقوا بالأوهام، وباتوا أسرى لطموحات اللاعبين الكبار ممن أتقنوا توظيف الأزمات لإحداث تراكمات سياسية وعسكرية أو معالجة أزمات داخلية، كما هو الحال لدى الكيان الإسرائيلي. في المقابل فشلوا -إلى حد كبير- في بناء تحالفات مع القوى الإقليمية، وعلى رأسها تركيا أو الحوار والتنافس والتصارع مع إيران بعيدا عن الطاولة الإسرائيلية، ما يجعل من الواقع مجرد وهم خادع سيستمر إلى فترة ليست بالقصيرة في ظل عمليات ترويج لاستراتيجيات غير موجودة وغير ممكنة التطبيق على أرض الواقع. فما يحدث لا يخرج عن كونه عمليات استثمار إقليمية لا تخدم العرب، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية؛ فالخليج العربي ضحية تقديرات خادعة لازمة متجددة.

السبيل الأردنية
0
التعليقات (0)