كتاب عربي 21

غنيم وتونس والمأزق السلفي

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600
يقال عنه أنه "مفتي الإخوان المسلمين"، ورغم أن هذا اللقب ليس رسميا، ورغم أن الرجل لا يرتاح لخطابه العديد من كوادر هذه الحركة إلا أنه في تصريحاته ومواقفه و " فتاواه " لا يرحم أحدا، ولا يستثني أي شخص أو حركة. يفعل ذلك اعتقادا منه بأنه يملك "شرعية " تكفير من لا يتفق مع آرائه التي يرى فيها "أحكاما شرعية" مطلقة وملزمة.

مرة أخرى يثير هذا الشخص زوبعة سياسية في تونس، وذلك بسبب دعوة الرئيس السبسي إلى المساواة في الإرث بين النساء والرجال. قام وجدي غنيم بتكفير الرئيس التونسي، وألحق به مفتي الديار التونسي عثمان بطيخ، وعرج على الغنوشي رئيس حركة النهضة فمسح به الأرض، وسخر من عبد الفتاح مورو حيث لم يتردد لحظة في وصفه بـ "الكاركوز".

بطبيعة الحال لم تتأخر الردود كثيرا، حيث طالبت رئاسة الجمهورية السلطات التركية بموقف واضح نظرا لكون غنيم يتمتع برعايتها على إثر مغادرته الدوحة. كما هاجمته معظم الأطراف الدينية والسياسية في تونس، بما في ذلك تلك المختلفة مع السبسي، حتى وصفه البعض بـ "الشيطان"، وذكرته صحيفة " الرأي العام" القريبة من النهضة بأنه "لا كهانة في الإسلام".

ليست هذه المرة الأولى التي يتسبب فيها غنيم في إطلاق أزمة في تونس. لقد سبق له خلال مرحلة حكم الترويكا أن استغل الانفتاح الديمقراطي والسقف العالي للحريات واسترخاء حكام تلك المرحلة ليشن هجوما عقائديا تكفيريا على الطبقة الفكرية والسياسية التونسية، حيث قام بتكفيرها جملة وتفصيلا، مستثنيا من ذلك عموم الإسلاميين. لكن حتى هؤلاء لم يسلموا من لسانه الحاد، حيث انتقدهم جهرة وفي مجالسه الخاصة، واعتبرهم بعيدين جدا عن تحمل مسؤولية تحكيم الإسلام ومقاومة خصومه وأعدائه.

 ورغم أن بعض هؤلاء الإسلاميين وفي مقدمتهم الشيخ مورو قد حاولوا إقناعه بخصوصية الحالة التونسية ، وصرح له في جلسة كان يظن مورو أنها خاصة بما كانت له انعكاسات فادحة على مصداقية مورو،  إلا أن غنيم أصر إصرارا على عدم احترام الحد الأدنى من أصول الضيافة، محاولا أن يتحكم في مسارات الحياة الدينية والسياسية التونسية ظنا منه بكونه أعلم من كل التونسيين بما يصلح لأوضاعهم.

ليس مهما فيما يفكر فيه هذا الرجل، فهو حر في قناعاته وآرائه. لكن ما يستوقفنا في هذا السياق هو ما يلي:

أولا: يعتقد بعض شيوخ السلفية أن خطابهم مستمد من مصادر لا يرقى إليها الشك والتأويل. فهم يطلقون الأحكام بشكل متواصل وقطعي، لا يراعون في ذلك اختلاف الأوضاع والأزمان والمصالح والمراحل. فكرهم مطلق ومنهجهم أحادي ونظرتهم للأشياء لا تتحمل النسبية والتعدد.

ثانيا: نريد أن نعرف نوعية العلاقة بين حركة الإخوان و "مفتيهم" إن صحت الصفة والمكانة. وهذا أمر مهم لأنه يوضح الصورة ويحدد المسؤوليات و ويرفع اللبس. صحيح يتعامل الرجل مع السياسة بنفس القطعية التي يتعامل بها مع النصوص الدينية. وقد انتقد قيادة الإخوان الحالية في أكثر من مناسبة بكثير من الحدة والصرامة دون الأخذ بعين الاعتبار ظروفهم التعيسة التي يمرون بها، ولا حتى مراعاة مصالحهم التي ستحدد مستقبلهم السياسي والتنظيمي. فالإبقاء على حالة الغموض بين الطرفين لن تكون في صالح الإخوان مطلقا.

ثالثا: ما تمت الإشارة إليه في الملاحظة السابقة لا تستمد أهميتها في المسألة التنظيمية، لأنها في النهاية تخص الإخوان كتنظيم، وإنما الدلالة الأكبر تكمن في هذه البوابة العريضة المفتوحة بين الإخوان والتيار السلفي. وهي بوابة اتسعت كثيرا حتى دفعت ببعض الدارسين لحركة الإخوان أن ينحتوا مصطلحا مهما حين استعملوا كلمة "تسليف الإخوان". ولاحظ هؤلاء من خلال دراسات ميدانية أن المسافة بين الطرفين قد اقتربت كثيرا خلال الثلاثين سنة الماضية لصالح التيار السلفي الذي اكتسح القواعد وكذلك مواقع قيادية وأيضا الجزء الأكبر من مجلس شورى الحركة. وتكفي الإشارة في هذا السياق إلى المواقف التي دافع عنها المرشد العام بعد الثورة المصرية وعند صياغة الدستور المصري خلال فترة حكم الحركة لندرك عمق الخطاب السلفي في بناء الخطاب الإخواني. 

لا ننفي أن خطاب الإخوان قد طرأت عليه بعض المتغيرات، لكن البصمة السلفية بقيت واضحة وعميقة.
بقطع النظر عن مصير حركة الإخوان وتداعيات الأزمة الهيكلية والسياسية التي تتخبط فيها منذ أن أضاعت فرصتها التاريخية، فالمؤكد أن بعض رموزها وشيوخها ينظرون بشكل معادي للتجربة التونسية، ويعتقدون بأن حركة النهضة قد انحرفت نهائيا عن " خطها الإسلامي " نظرا لهيمنة المنزع البرغماتي لدى قيادتها. المهم أن تستمر النهضة في مغامرتها السياسية وأيضا الفكرية لأنها لو التفتت إلى غيرها لسقطت في بئر عميقة، والمشكلة أنها لن تسقط لوحدها وإنما ستتحمل أيضا مسؤولية إجهاض الانتقال الديمقراطي التونسي كما فعل الإخوان في مصر.
4
التعليقات (4)
تعريف حرية الإعلام
الإثنين، 28-08-2017 04:31 م
صلاح الدين،في مقالك عن حرية الإعلام في تونس المنشور على عربي 21،جعلت السبسي هي الجهة الحاكمة المحبة الأبوية لتونس،ووصفت المعارضة بالأحزاب التي تشتت الرأي العام التونسي،السبسي حاكم والمعارضة تشتت،السطر13،وياعيني على حرية الإعلام،فلماذا كتبت مقالك عن الداعية والتقي وجدي غنيم،مثل وجدي غنيم هم بركة المجتمع،بالإلحاد لا يوجد تعريف للبركة.
هوبالعربي وليس بالعمالة
الإثنين، 28-08-2017 04:29 م
صلاح الدين،قبل التعليق الذي في مقالك على وجدي غنيم،أين الأدلة التي تفند وجدي غنيم،السبسي بعضمة لسانة تكلم عن المساوة والأرث بمنطق إلحادي،أنت يا صلاح الدين لا تؤمن إلا أن السبسي هو الحكم وبالقوة،وهذا ما فعلتوه،بالقوة،هذا مذكور بالقرأن الكريم عن الكافرين.
mm
الإثنين، 28-08-2017 01:54 ص
الاية (لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) في سورة الممتحنة
mm
الإثنين، 28-08-2017 01:46 ص
هل إنزلق حزب النهضة التونسي التابع للإخوان المسلمين إلي التشكيك في نصوص القران قطعية الثبوت قطعية الدلالة كما في أحكام المواريث المذكورة في سورة النساء ،وكذا التشكيك في تحريم الزواج بغير المسلمين المذكورة في سورة التحريم بقوله تعالي (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) بدعوي التجديد وإختلاف الزمان والمكان ،لإرضاء العلمانيين ولإرضاء الكارهين لما أنزل الله ،والله ورسوله أحق أن يرضوه ،فإنا لله وإنا أليه راجعون.

خبر عاجل