كتاب عربي 21

هكذا يتزوج الديكتاتور

جمال الجمل
1300x600
1300x600
(1)
يحكى أن "قاطع طريق" جمع أفراد عصابته، وأخبرهم أنه قرر أن يسلك الطرق القانونية والأخلاقية في عمله!
فسألوه بدهشة: وكيف نعيش إذا تخلينا عن السرقة؟ 
فقال لهم: سرقة؟!.. أعوذ بالله، سرقة إيه؟، احنا مش هنعمل شغلنا كده.. احنا كل واحد ناخد اللي معاه نعطي له إيصال بما أخدناه، واللي يعترض نقتله، وبرضه نكتب له شهادة إنه بدأ بالعنف فاضطررنا للمارسة حق الدفاع عن النفس... كده نبقى عملنا شغلنا بالقانون والحق....!

(2)
هكذا تتعامل سلطات السيسي مع نصوص القانون، ومع الدستور نفسه، مجرد ورق لا يغير من طبيعة عمل اللصوص والقتلة، لكنه يضفي عليه مشروعية لغوية مصطنعة لا علاقة لها بالواقع، ومن هذه الزاوية فقط يمكنني أن افهم دوافع النظام لتغيير بعض مواد الدستور الذي انتقده الرئيس قبل عامين، معتبرا أنه دستور "عبيط" وغير واقعي، لأنه "كُتب بنوايا حسنة، بينما البلاد لا تدار بالنوايا الحسنة"!!

(3)
حكاية قاطع الطريق تخبرنا أن اللص لا يحتاج إلى تقديم إيصال بالمسروقات للمسروق، كما يخبرنا تاريخ العصور الوسطى أن الأمير في بعض الإقطاعيات لم يكن بحاجة إلى ورقة زواج لكي يخص نفسه بحق الليلة الأولى لأي فتاة تتزوج في إقطاعيته، فلماذا يرهق الديكتاتور برلمانه وخصيانه من الخبراء والإعلاميين في تبرير وتمرير تعديل دستوري لا يحتاج إليه للاستمرار في السلطة، إذ يكفي أن يمارس رغباته بالقوة، ويفرض ما يريد بالأمر الواقع، أو باصطناع "فوبيا" تجبر الخائفين على التمسك بوجوده بحكم "الضرورة"؟.

(4)
الإجابة لا تخرج عن أمثولة "قاطع الطريق" العصري الذي يتمسك بالدساتير والقوانين، ويؤمن بالمجتمع المدني والتحول الديموقراطي، ويسعى لتقديم نفسه للعالم باعتباره "قاطع طريق مدني منتخب"، خاصة وأن الورق والكلام "ببلاش"، وفائدة هذا الأسلوب أنه يكفي لإقناع المجتمع الدولي المتواطئ أو "المسطول" بتسمية الاغتصاب زواجاً، طالما يقول الورق ذلك. 

(5)
سألني أحدهم هل تتوقع أن يذهب السيسي إلى خطوة تعديل الدستور بهدف مد فترة الرئاسة من 4 إلى 6 سنوات؟
قلت: ليس من العقل أن تتوقع تصرفات "طبيب المعجزات"، فالرجل يعمل خارج العقل وخارج التوقعات، لكننا يمكن أن نستعيد بعضا من معجزاته ومفاجآته لنتيقن أنه لن يغادر الكرسي إلا ممداً في وضع أفقي، فقد تعهد وخالف العهد، وحدّث وكذب، واؤتمن وخان، وتنافس وغش في الامتحان، ولعلنا نذكر أن رغبته في التمديد ظهرت قبل توليه الحكم، عندما تم تمديد أيام الاقتراع في الانتخابات الرئاسية ليوم ثالث، لكي يلم المزيد من الأصوات التي تعوض عقد النقص بداخله، بحيث لا تقل الأصوات التي نالها عن الأصوات التي حصل عليها المتنافسان السابقان في آخر انتخابات رئاسية (الفريق شفيق والدكتور مرسي)، وهذا يعني أن "متلازمة النقص" وعقدة المقارنة بالآخرين تحكم تصرفات السيسي، كما يحكمها عقدة الخوف من المحاكمة، لأن جرائمه السياسية فاقت أسلافه من الفاسدين، وبالتالي فإن خروجه من المنصب يعني دخوله إلى السجن، أو بعدل أكثر يعني خروجه من الدنيا، لهذا سيغير السيسي الدستور عاجلاً أو آجلاً، ليس ليمدد فترة الرئاسة إلى 6 سنوات وفقط، ولكن ليكسر شرط المدتين إلى "مدد أخرى"، وكذلك سيسعى السيسي لاستعادة صلاحيات النظام الرئاسي، من خلال تعديل المواد التي قللت من صلاحيات الرئيس لصالح البرلمان، مثل المادة 146 الخاصة بعدم أحقية الرئيس في عزل الوزراء إلا بعد موافقة البرلمان، ومثل المادة 204 المتعلقة بعدم محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، والمادة 190 الخاصة بمجلس الدولة، الذي أحرج السلطة التنفيذية بأحكامه ضد التفريط في "تيران وصنافير"، ومواد أخرى تعطي لقاطع الطريق حق الليلة الأولى مع إضفاء مشروعية دستورية على الاغتصاب ليسمى زواجاً، وعلى العبودية لتسمى "دعم الدولة".

(6)
يعود أحدهم فيذكرني بالمادة 226 التي تؤكد "عدم جواز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقًا بالمزيد من الضمانات"، وأقول لهذا الأحدهم: أمامك إجابتين أولهما ما روي عن شيخ المنسر المعتزل (أبو علاء) الذي قدم له المفكر الراحل محمد السيد سعيد ورقة إصلاح فقال له: "حطها في... جيبك"، وثانيهما ما يردده ترزية القوانين وميكانيكية الدساتير من أن الدستور ليس قرآناً، والورق ورقنا والدفاتر دفاترنا، وكل شيء قابل للتغيير، ولذلك أوصى هؤلاء الترزية بعدم سن القوانين (54 قانوناً) المكملة للدستور لكي يفيد النقص في تقديم دوافع مكذوبة لتعديل الدستور باسم مواجهة الإرهاب، أو دعم الإصلاح الاقتصادي وحماية الأمن القومي، فمن تم تشكيل البرلمان لم يصدر من هذه القوانين المنصوص عليها إلا اثنين فقط وفي توقيت متاخر وصياغات مريبة، وهما قانون السلطة القضائية، وقانون الهيئة الوطنية للانتخابات الذي صدق عليه السيسي قبل أسبوعين فقط!، علما بأن المادة 121 تعطي أهمية خاصة لهذه القوانين لأنها تتعلق بتنظيم كل أنواع الانتخابات، وتشكيل الأحزاب، وحقوق المواطنة، ومنظومة الحريات.

(7)
هل يعني هذا أن المهمة سهلة، وأن تغيير الدستور تحصيل حاصل؟
إجابة المحبطين تقول: نعم
أما إجابة الأمل فتقول: لا، لأن كل ألاعيب التعديل يتنتهي في آخر المطاف إلى قرار الجماهير من خلال استفتاء عام، وهذا يعيدنا إلى سؤال المرحلة عن موقف الشارع والقوى السياسية من انتخابات 2018، فإما نذهب إليها كانتخابات رئاسية بهدف إحراج سلطة قاطع الطريق، وإما تتأجل الانتخابات إلى 2020، إذا ما تم تمديد الفترة الرئاسية، وهذا يقتضي أن يحتكم الطرفان ايضا إلى الجماهير في صيف 2018 من خلال الاستفتاء، وهذا يعني أن كل الأطراف الجادة يجب أن تجهز نفسها لمباراة مفتوحة مع الناخبين، ولا تترك الساحة لقاطع الطريق ليحصل على رخصة ملفقة يسمي فيها الاغتصاب زواجاً... وهكذا يتزوج كل ديكتاتور!
0
التعليقات (0)

خبر عاجل