كتاب عربي 21

حين يموّل العبيد جلاديهم!

حلمي الأسمر
1300x600
1300x600
في الماضي، أيام كانت العبودية في صورتها البدائية، من حيث استرقاق البشر، وتشغيلهم مدى الحياة في خدمة السيد، كان واضحا أن العبد ليس مضطرا لتمويل عبوديته، فما عليه سوى العمل، مقابل حمايته وإطعامه وإيوائه من قبل سيده، عبودية "الدولة الحديثة!" في دول العالم الثالث مختلفة تماما، ويبدو أنها أشد مضاء وظلما من العبودية البدائية تلك!

عبيد ما بعد الحداثة في بلاد العالم الثالث والثاني ربما، مكلفون بالكامل بتمويل تكاليف عبوديتهم، كي يتمتع السيد ليس بلعق عرق جبينهم، ومص دمائهم، بل عليهم مثلا، أن يزودوا زبانيته بالميزانية اللازمة لشراء أدوات تعذيبهم، وتوفير ما يكفي من بصاق في أفواه هؤلاء الزبانية لتكريمهم بالبصق عليهم، وما يكفي من قاموس البذاءة لإغراقهم بالشتائم، وتلميع بساطير الجلادين جيدا، كي يستمتعوا فيما بعد بتلويثها بدمائهم، وبعد هذا، بعد تجرع كل طقوس الإهانة والبطش وإهدار الكرامة.

يتوجب على العبيد أن يرسلوا برقيات التأييد للسيد، وطلب المزيد من أساليب القهر وسلب الحرية، ومصادرة الفرح، لأن العلم الحديث دائم التطور والنمو، وهو لا يتوقف عن ابتداع طرق التعذيب النفسي والاقتصادي والاجتماعي وحتى "التربوي" (نعم ثمة تعذيب تربوي أيضا، و"خدماتي") على العبيد في الدول الاستعبادية الحديثة، أن يلتزموا بتمويل كل هذا، كي يكونوا عبيدا "صالحين!" يؤدون واجب الولاء للأسياد، من أصغرهم إلى أكبرهم، وكل من يفكر بالتمرد على القيد، أو يرفض على نحو أو آخر تمويل عبوديته، سيجد عبيدا آخرين له في المرصاد، يتوسلون إليه أولا أن لا يخرج عن الخط المرسوم، فإن رفض داسوه بأقدامهم هم، قبل أن يبلغ خبر تمرده الأسياد، فتتسع دائرة العقاب، جريا على عادة السادة القدماء بالبطش برقيقهم بالجملة، منعا لفتنة الوعي، ودرءا لمفاسد التمرد، وسحقا لبذرته قبل أن تمتد وتنمو وتستعصي على الاستئصال!

الحديث أعلاه خاص إلى حد كبير بعبيد دول العالمين الثالث والثاني، ولكن ثمة عبودية من نوع آخر، خاصة بدول العالم الأول، عبودية من الممكن أن تبدو "جميلة" وممتعة، ولكنها تبقى من أنواع الاسترقاق المستحدثة، التي لا يروق للعبيد المعاصرون الاعتراف بها، او حتى سماع كلمة واحد عنها!

عبيد الدرجة الأولى، مُستَرقون بطرق أخرى، وأسيادهم متعددون، الشركات الكبرى (شركات الأدوية، التجميل، منتجات الرفاهية، التكنولوجيا، الأسلحة، وأدوات الموت المختلفة، وسواها) مراكز القوى الخفية التي تتحكم بالقطيع، عبر أذرع ووسائل "ممتعة!" تحول العبيد إلى ما يشبه الطفل الذي يبكي حين تغيب عنه "رضاعة الحليب"، رجال الإعلام وصناع الرأي العام، الذين تسيطر عليهم قوى باطنية وظاهرة، تبرمجهم بإرادتهم أو بغيرها، لتوجيه القطيع الوجهة التي تحقق " مصالحهم العليا!" وجهات أخرى، معروفة وغير معروفة، مهمتها الأولى أن تبقى متربعة على عرش المتعة، متحكمة بخط سير القطيع، الفرق بين أنواع العبودية، أن ثمة علفا وفيرا لعبيد الدرجة الأولى، في حين أن عبيد الدرجة الثانية، عليهم أن يتحملوا عبء علف أسيادهم، وعلفهم هم!

العالم اليوم، أسوأ كثيرا من الغابة، بعد أن سيطرت عليه حثالات بشرية، تخلو قلوبها من الرحمة، وتوجهها غرائزها الحيوانية، وتدوس قيم الحضارة والأخلاق باستمتاع، وتتعقب أي بوادر من شأنها تعظيم القيم الإنسانية السامية، وإعادة الاعتبار لها، إنها ذهنية مرعبة يحكمها التوحش، وتستبد بها الأنانية، لديمومة استرقاق القطيع، والاستمتاع بخدماته، وتمويل رفاهية الأسياد!
التعليقات (1)
قرفان
السبت، 12-08-2017 02:17 م
يعني فش غيرك تحطه 21 يكتب والله أكم واحد بيقرئلك اه ............ بدون مجاملة ط..........ي

خبر عاجل