قضايا وآراء

الاقتصاد السعودي واقع الحال ورهانات المستقبل في ظل الحصار على قطر

أشرف دوابه
1300x600
1300x600
تبنت السعودية والإمارات والبحرين ومصر الحصار على قطر، ووضعت ثلاثة عشر شرطا وما سمته ستة مبادئ لا محل لها في عالم العلاقات الدولية إلا بالتدخل في شؤون الدول وسيادتها، ولا محل لها في شريعة الإسلام وحقوق الجوار إلا بالتجاوز والعداء والهجر والخصام والوقوع في باب المحرمات، وإن خرجت ألسنة علماء السلطة تزين هذا الحصار وتبرره.

وقد بدا واضحا لكل ذي بصيرة كيف ارتمت تلك الدول في أحضان الأمريكان والصهاينة باعتبار ذلك عامل الأمان لتثبيت كراسي سلطانهم بعيدا عن شعوبهم وفق نظرهم، فخرجت أفواههم لتدين المقاومة المشروعة (وفي مقدمتها حركة حماس) للاحتلال في أرض فلسطين، وتتفهم ما صنعه الاحتلال بمسرى النبي الكريم، وبشر أحد غلمانهم (يوسف العتيبة) سفير الإمارات بالولايات المتحدة الأمريكية بالعلمانية كنظام حكم لدول الحصار خلال العشر سنوات القادمة.

بل في الوقت الذي كالوا فيه التهم لقطر بعلاقة في خيالهم مع إيران كانوا هم أول من فرشوا السجادة الحمراء للعلاقات الإيرانية فقوبل وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي (القيادي في ميلشيا الحشد الشيعي) في السعودية مقابلة الأحباب وقوبل من بعده زعيم التيار الصدري الشيعي مقتضى الصدر مقابلة الشريك الفعال.. أما في الإمارات فحدث ولا حرج عن اقتصادها الذي لا تغيب عن شمسه إيران، فقوام هذا الاقتصاد هو إيران مؤسسات وأنشطة وأفراد، فيقيم بالإمارات أكثر من نصف مليون إيراني، وتتجاوز استثمارات الإيرانيين في الإمارات 200 مليار دولار، وتستحوذ التجارة البينة الإيرانية الإمارتية على 90 في المئة من حجم التبادل التجاري بين الإمارات ودول الخليج مجتمعة، وتعد الإمارات ثاني شريك تجاري لإيران بعد الصين كما تعد إيران الشريك التجاري الرابع بالنسبة للإمارات. 

لقد جاء الرئيس الأمريكي ترامب إلى دول الخليج ولا هم له سوى استنزافهم. فقد اجتمع بهم بناء على دعوة منهم، وفرض شروطه عليهم قبل أن يأتي إليهم، ولم يخرج إلا وتم الوفاء له بوعدهم إياه، فخرج بصفقات وإن شئت فقل جزية تجاوزت 460 مليار دولار ليعلن ترامب لشعبه نجاحه في تلك الصفقة من أجل توفير وظائف لشعبه. هذا في الوقت الذي وصلت فيه نسبة البطالة في السعودية إلى 12.7 في المئة.

إن المتتبع للاقتصاد السعودي وبعيدا عن شعارات رؤية 2030 يجد أن هذا الاقتصاد يواجه تحديات جمة (باعتباره اقتصاد ريعي) في ظل انخفاض سعر النفط وحرب اليمن التي دخلتها السعودية ولم تجد لها حسما، إضافة إلى دق باب العداء مع قطر وفق استراتيجية رسمها عراب الانقلابات محمد بن زايد ولم تؤت أكلها وتحطمت على واقع الدبلوماسية والإدارة الرشيدة للقيادة القطرية. 

إنه إذا كانت قطر حباها الله بثالث أكبر احتياطي للغاز الطبيعي بعد روسيا وإيران مما جعلها مطمع للطامعين فإن النفط هو ركيزة الاقتصاد السعودي بما يمثله من 90 في المئة من إيرادات الموازنة العامة للدولة و80 في المئة من إيرادات الصادرات السعودية. وقد شهد سعر النفط تراجعا غير مسبوق منذ إحدى عشر عاما، حيث بلغ سعر النفط ذروته في العام 2008 عندما وصل سعر البرميل إلى 147 دولار كما بلغ أعلى قمة ارتفاع له خلال العام 2014 في 20 يونيه/ حزيران بسعر 115 دولارا للبرميل، ثم بدأ التراجع بعدها ليتراوح سعر البرميل في يومنا هذا نحو 50 دولارا، وهو ما وصل بالموازنة السعودية إلى عجز مقدر في العام 2017 بمبلغ 53 مليار دولار، ورغم هذا العجز، والدين العام الذي يتوقع أن تصل نسبته إلى 15.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي (وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي) فإنه يتم الإنفاق بسخاء للصهيوني الأمريكي طمعا في رضاه، وفي المقابل لم تجد السعودية بدا من تفريغ ما في جيوب الوافدين بفرض رسوم خيالية على أسرهم للمساهمة في سد هذا العجز حاليا ومستقبلا، وفي هذا الاتجاه أيضا عملت على إعادة تسعير المنتجات البترولية والمياه والكهرباء والتدرج في التنفيذ خلال الخمسة أعوام القادمة، ورفع الرسوم والغرامات المالية، وإصدار سندات وصكوك، والسعي تطبيق ضريبة القيمة المضافة، وطرح مجموعة من القطاعات والنشاطات الاقتصادية للخصخصة، وفي مقدمة ذلك شركة أرامكو ومطار الملك خالد الدولي.

ولا شك أن اتجاه المملكة لرفع الدعم تدريجيا والتوجه نحو الخصخصة يتفق مع روشتة صندوق النقد الدولي للمملكة بذات الخصوص وتغلب فيه الأبعاد السياسية على الاقتصادية. هذا الصندوق الذي توقع قيام السعودية بإنفاق جميع احتياطياتها المالية خلال السنوات الـ 5 المقبلة مع استمرار أسعار النفط قرب أدنى مستوياتها قبل سنوات. وقدر أن سعر النفط المطلوب لتحقيق التوازن في الموازنة السعودية يجب أن يكون أكثر من 100 دولار للبرميل. وفي هذا الاتجاه أيضا توقعت وكالة استاندرد آند بورز أن تقوم السعودية بسحب المزيد من أموال من مخزونها من النقد وإصدار المزيد من الديون.

إن رؤية 2030 لن تغني وحدها شيئا، فهي لن تسمن أو تغني من جوع، فبقدر حاجة السعودية لتنويع إنتاجها حقيقة لا شعارا بقدر حاجتها إلى التكتل الصالح البناء مع جيرانها وأشقائها من العرب والمسلمين. ولن يغني السعودية إلا تمسكها بالقيم الإسلامية والإحساس بمسؤوليتها التاريخية كدولة بها مهبط الوحي ومنارة الكون، فأولى بها أن تترس بالإسلام لا بغيره، وأن تجمع ولا تفرق، فلا يحركها الصغار ولا تبني سياستها على رضا اللاعبين الكبار الذين يعادون الإسلام جهارا نهارا. فالكراسي لا تدوم واستقرار الدول يكون بالعدل لا بالظلم الذي هو مؤذن بخراب العمران، وانهيار الدول والممالك.
0
التعليقات (0)