قضايا وآراء

جواب إسلاميي المغرب للخروج من المأزق؟

بلال التليدي
1300x600
1300x600
ما من شك أن الثلاث أشهر الأخيرة كانت الأسوأ في التجربة السياسية لإسلاميي المغرب، إذ لم يصل الخلاف في التقدير السياسي أوجه بين مكونات حزب العدالة والتنمية الدرجة التي بلغها عقب تشكيل سعد الدين العثماني لحكومته بعد إعفاء رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران.

خلاف لم يكن للقواعد يد فيه، بحكم أن عملية إدارة المرحلة الدقيقة، وتدبير التحالفات لتشكيل الحكومة كانت مؤطرة بضوابط تم الاتفاق عليها في المجلس الوطني قبل الأخير، وحصل الخلاف بعد ذلك حول حدود الالتزام بها، أو ما يعرف في أدبيات إسلاميي المغرب بمدى احترام المنهج.

وبغض النظر عن درجة الخلافات وحدتها بين من يرى أن حكومة سعد الدين العثماني تؤشر على حدوث زلزال سياسي، وبين من يعتبر ذلك إنجازا تاريخيا في ظل شروط المرحلة، فإن الجميع أدرك، ولو بشكل متأخر، بأن التطورات اللاحقة تمضي برمتها في اتجاه انتشار السلطوية وامتداداها واستعادتها لكل الهوامش التي فتحتها دينامية ما بعد 20 فبراير مرورا بخطاب 9 مارس وانتهاء بإقرار دستور فاتح يوليو وتتويج حزب العدالة والتنمية بصدارة الانتخابات وتشكيله للحكومة وبناء توافق صلب في عنوان شراكة إستراتيجية بين الملكية والإرادة الشعبية. كما تبين للطرفين معا، أن جزءا من مشمولات ترتيب هذا السيناريو- سيناريو النكوص الديمقراطي-  أن يتم إضعاف حزب العدالة والتنمية وتصدير أزمة السلطة إليه.

لكن الورطة التي سقط فيها الإسلاميون أنهم لا يستطيعون الفكاك من تحمل مسؤولية هذا التراجع ومواجهة غضب الحراك الاجتماعي المشتعل هنا وهناك، بسبب قيادتهم لحكومة يرى جزء كبير منهم أنها لا تعكس نتائج الانتخابات وأنها صنعت تحت ضغط مفاوضات سياسية كان عنوانها تحويل الانتصار الانتخابي الذي حققه إسلاميو المغرب إلى هزيمة سياسية.

سؤال ما العمل؟ أو التوجه إلى المستقبل الذي أطلقه عبد الإله بنكيران الأمين العام للحزب غداة تشكيل حكومة سعد الدين العثماني ووصفه الحالة السياسية بالزلزال، كان بمثابة إشارة إلى ضرورة تجاوز حيثيات المرحلة والتفكير في شروط استعادة المبادرة.

المعضلة أن الحلول الممكنة كلها مكلفة، سواء كانت سياسية تتجه في سياق  قيام الحكومة بذات الوظيفة التي كانت تقوم بها حكومة بنكيران، أي  الحكومة المعارضة للوبيات،  أو كانت تنظيمية بوضع مسافة بين الحزب والحكومة وتحمل الحزب كأداة سياسية مهمة تأطير التجربة وإسناد الحكومة وحمايتها  وتقوية خطها الديمقراطي.

فالحل الأول يقتضي حصول تطابق في التقدير السياسي بين القيادات السياسية للحزب ينتج عن ممارسة حوار ممتد في الزمن بقصد إنتاج الجواب الجماعي المشترك، وهذا لا يزال بعيدا على الأقل  إلى اللحظة الراهنة، والحل الثاني، أصعب بحكم أنه يواجه عقبات قانونية ومسطرية تتعلق بتعديل ومراجعة مادة في القانون الأساسي للحزب تزيح تقييد الانتداب بالنسبة للأمين العام للحزب بولايتين.

الخيار الثالث الذي كان ممكنا، وهو أن ينطلق من داخل برلمان حوار داخلي – على شاكلة الحوار الذي أجري عقب انتخابات 2007 وأنتج أطروحة النضال الديمقراطي التي اعتمدت سنة 2008 -هو الآخر يحتاج إلى تأشير من قيادة الحزب، ويطرح هو الآخر سؤال التمثيلية داخل هذه اللجنة فضلا عن مطلب التوافق لتأطيرها سياسيا من قبل جزء من القيادة.

هذه الوضعية المعضلة التي واجهها إسلاميو المغرب، والتحديات التي فرضتها الرهانات السياسية التي تتجه أغلبها في اتجاه استهداف التجربة وتصدير الأزمة إلى داخل الحزب وضرب تماسكه الداخلي واستهداف قيادته، دفعت الإسلاميين إلى إنتاج جواب آخر يجمع بين تفويت الفرصة على الاستهدافات الخارجية وتأجيل الأزمة في أفق البحث عن خيارات لحلها.

مخرجات المجلس الوطني الأخير الذي انعقد بالرباط في 15 يوليو الجاري، تسير كلها في هذا الاتجاه، إذ بعث برلمان الحزب ثلاث رسائل أساسية، الأولى تجسيد تماسك الحزب ومناعته ضد الاستهدافات وتجاوزه لحيثيات المرحلة السابقة بكل تداعياها السلبية، والثانية، الاتفاق على تقييم سلبي للمرحلة عنوانه التراجع الديمقراطي واستهداف دور الأحزاب وبنيات الوساطة وضرب استقلالية قرارها الحزبي والدعوة لإطلاق دينامية سياسية إصلاحية جديدة، والثالثة ترتبط بترتيب عضوية المؤتمر.

خلاصة الجواب، هو تقلص مساحة الخلاف بين مكونات الحزب بخصوص الوضعية السياسية الحالية، واتجاه الغالبية نحو خيار استعادة بالدعوة إلى إطلاق دينامية جديدة للإصلاحات يكون من شأنها إصلاح أعطاب ما بعد استحقاقات السابع من أكتوبر، وبعث رسالة سياسية للمناهضين لتجربة الإسلاميين في السلطة بفشل سيناريو الرهان على تفكك الحزب، وتأجيل القضية الخلافية المرتبطة بإمكان تعديل المادة 16 من القانون إلى محطة المؤتمر المرتقب عقده في السابع والثامن من ديسمبر المقبل.
تأجيل الأزمة في منهجية إسلاميي المغرب تعني شيئين: الرهان مرة أخرى على الآلية الديمقراطية لحل الخلاف (أي التنظيم بدل السياسة)، سواء في حسم تعديل المادة 16 أو في إنتاج قيادة جماعية جديدة يعهد عليها بترتيب الجواب السياسي بدل الرهان على القيادة الجماعية الحالية التي يبدو أن شروطها الذاتية والموضوعية لا تؤهلها للتمكن من ذلك في المدى الزمني القريب السابق للمؤتمر. 
0
التعليقات (0)