كتاب عربي 21

الجزيرة.. أسرار الحلف الرباعي (1)

طارق أوشن
1300x600
1300x600
الضابط طارق في اجتماع مع مساعد وزير الداخلية في فيلم (الجزيرة – 2007) للمخرج شريف عرفة.
الضابط طارق: أنا باقترح يا افندم نهجم على الجزيرة وعلى بيته كمان.. هناك حنلاقي مية حاجة تدينه.
مساعد الوزير: مينفعش.. دول تجار سلاح يعني حتبقى مجزرة والفضائيات ما ورهاش غيرنا.. ممكن يعملوا من شوية المجرمين دول أبطال وقصص حقوق الإنسان والحاجات إيلي أنت عارفها.

الضابط طارق: واحنا من إمتا بيهمنا يا افندم؟
مساعد الوزير: لأ يا سيدي.. بقا يهمنا.. كل دول العالم بعد 11 سبتمبر مهدية اللعب في مشاكلها الداخلية.. مش عاوزة شوشرة ووجع دماغ لأحسن يقولوا عندها إرهاب.. تهمة الإرهاب دلوقتي صارت تلزق.

على خلفية المشهد يصر المخرج شريف عرفة على إظهار شاشة تلفزيون مفتوح على قناة الجزيرة كما في كل المشاهد المصورة بمكتب المسؤول الأمني.

بين العام 2007 و2017 عقد من الزمن تغيرت فيه المفاهيم وتغيرت القناعات والأحلاف. فها هي فضائية الجزيرة، التي صارت شبكة عالمية، تصبح المطلب الأبرز في لائحة المطالب التي تقدمت بها دول الحصار الرباعية إلى قطر ضمن حزمة مطالب تحول شبه الجزيرة الصغيرة إلى مجرد تابع بلا سيادة أو قرار. يأتي هذا بعد أن كادت نفس الجزيرة تتحول لهدف عسكري أيام الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن قبل سنوات. أما تهمة الإرهاب، التي صارت "تلزق" بعد الحادي عشر من سبتمبر، فقد تحولت إلى أصل تجاري عند رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، أحد أركان الحلف الرباعي، الذي يتفاوض عليه باعتباره الضمانة الوحيدة لاستمراره في الحكم بدعم من حلفائه الجدد، ممولو الردة العربية، وتشجيع رئيس أمريكي كان يتاجر في العقارات فوجد نفسه رئيسا يقايض الخوف بالابتزاز.

وتجارة العقارات صارت عند السيسي وحلفائه في السعودية والإمارات تتم على الجزر دفعة واحدة بالجملة لا بالتقسيط. أما البحرين فمجرد جزيرة في أعين "حلفائها" تضمها لمحظياتها متى شاءت ذلك ولا تجد منها مقاومة أو تمنعا.

 حكاية الجزيرة وبقية الجزر مع دول الحصار الرباعية قصة لا تنتهي.

جزيرة الوراق المصرية ليس فيها شبيه لعزت حنفي (أو منصور الحفني في فيلم الجزيرة)، ولا فيها تجار سلاح أو مطاريد تجعل المسؤولين الأمنيين وزعيمهم بمصر يأخذون ساكنيها بعين الاعتبار. فكان أن صارت الجرافات بحماية أمنية تدك منازل وبيوت فقراء بدعوى التعدي على الأراضي المملوكة للدولة.

لكن لكل "جزيرة" أبطالها (وهو ما كان يخافه مساعد وزير الداخلية في المشهد أعلاه) والاسم الجديد سيد الطفشان الذي قضى مغدورا في عملية إخلاء جزيرة الوراق أكبر الجزر النيلية التي يستوطنها فقراء مصر بعيدا عن أي اهتمام أو رعاية أو خدمات حكومية. لكن الجزر تلك كانت دوما مطمعا للمستثمرين، وقد حان الوقت لتباع بالجملة والتقسيط بعد أن افتتح النظام الانقلابي المزاد بتسليمه جزيرتين اثنتين للمملكة السعودية قبل أسابيع.

لأهل جزيرة الوراق حكم قضائي يثبت ملكيتهم للأرض. لكن لا حرمة للأحكام القضائية ولا لسيادة القانون في "عزبة السيسي" إن هي تعارضت وتوجهات الانقلاب. لا شيء يمنع "الشر" على المواطن غير "شنطة فلوس" يتأبطها للتصالح مع "الدولة" ولو على حساب القانون. أصل الحكاية أن مستثمرين إماراتيين يرغبون في تحويل الجزيرة إلى مركز كبير للمال والأعمال ضمن خطة "تطوير الجزر النيلية الذي أعد في العام 2010". لأجل ذلك، لم يجد السيسي ونظامه غير اعتبار الجزيرة "محمية طبيعية" قبل المبادرة بحصارها على اثر اشتباكات مع السكان الذين رفضوا الامتثال والخضوع  وطالبوا بسقوط الانقلاب. الحصار صار الكلمة المفتاح لدى الحلف الرباعي، ومن سعى لحصار شبه جزيرة مستقلة وذات سيادة، لا شيء يردعه عن حصار "جزيرة" نيلية لا حول ولا قوة لأبنائها. النظام الانقلابي هو الأقوى وهو بالنتيجة "الصح".

الجزيرة لشريف عرفة مرة أخرى..
الضابط طارق والعميد رشدي وهدان في حديث مصارحة ووضوح.
الضابط طارق: الناس لما تغلط يبقوا مجرمين واحنا لما نغلط نبقى صح.
العميد رشدي: يا ابني إحنا النظام.. إحنا الحكومة.. الناس ده مينفعش معاها غير كده وده مصلحتهم.. انت مش شايف البلاد إيلي حوالينا بيحصل فيها إيه؟ بيقطعوا بعض ازاي.
الضابط طارق: الأقوى هو الصح والأضعف دايما غلطان.

ذاك شعار المرحلة الذي يستثمره النظام الانقلابي، بدعم من حلفائه في الرباعية، لتركيع كل صوت مخالف أو معارض ولو استدعى الأمر تضمينه لوائح "الإرهاب" التي تدبج بليل مقرونة ببطولات زائفة للجيش والشرطة في مواجهة إرهاب محتمل صار أمرا واقعا سواء أصدر عن منظمات إرهابية أو رعاه النظام استجداء لتعاطف دولي أو ترويعا للآمنين من المواطنين الأقباط والمسلمين.

داخل مكتبه الفخم، يقف العميد رشدي وهدان متأملا صوره على صفحات الجرائد المعلقة بعناية على جدار مكتبه. وفي العناوين نطالع المانشيتات التالية:

القبض على الإرهابيين قتلة السياح..
نهاية مافيا المخدرات في الصعيد..
اعترافات مثيرة للإرهابيين بعد القبض عليهم أياما بعد الجريمة.

كلها بطولات زائفة نتاج اتفاق سري مع تاجر المخدرات والسلاح منصور الحفني تضمن للعميد ترقيا وظيفيا وللدولة حملة تسويق محلية وخارجية كما يفعلها السيسي منذ انقلابه العسكري على الرئيس المنتخب محمد مرسي. وفي المقابل، تواصل المنظمات الإرهابية الحقيقية وشبكات الإجرام المنظم عملها على الأرض حربا لا هوادة فيها، والضحية مجندون ورجال شرطة يُدفع بهم لساحة المعركة دون حماية أو حسن تدريب وربما طعما يساق لمصيره خدمة لأهداف وصفقات إقليمية ودولية تطبخ على جثث القتلى والضحايا من الجانبين.

بعد تمكنه من اعتقال العميد رشدي وهدان الذي كان يحاول اقتحام بيته بالجزيرة، في إطار عملية أمنية كبرى بقيادة الجيش، يجلس منصور على كرسي في مواجهة العميد المكبل من يديه ورجليه.

منصور الحفني: زي ما بدينا المشوار سوا حنخلصوه سوا.. ده يمكن كمان يدفنونا في تربة واحدة.
العميد رشدي (يضحك): تعرف إيه إيلي بيضحك يا منصور؟ انك مش حتعرف تتشفى فيا. كده كده هما لازم يقتحموا وحيطربقوا البيت على دماغ ايلي فيه. أنا بقا حأموت بطل وجنازة رسمية ونياشين ويمكن كمان يسموا الجزيرة باسمي.. جزيرة الشهيد رشدي وهدان.

منصور الحفني (يضحك): ده لو مت قبل الحقيقة ما تبان ويعرفوا إنك أنت واللواء فؤاد شركائي.
العميد رشدي: طارق مش حيقدر يتكلم. الأحسن ليه انه أنا وانت نموت والحقيقة تدفن معانا.

منصور الحفني: الحقيقة بتموت عندكم بس يا رشدي بيه. لكن عندينا احنا لأ. عارف ليه؟ لأن جدي قايلها لأبوي، وأبوي قالها لي وأنا قلتها لولدي وولدي حيقولها لولده..

لأجل ذلك تستمر الحكاية... حكاية الجزيرة وكل الجزر مع الحلف الرباعي الذي يدعي "محاربة الإرهاب" فوجه كل إمكاناته لحصار شبه جزيرة "شقيقة"، ومحاولة تشويه "جزيرة" إعلامية ولو استدعى الأمر اتهامها بمعاداة "السامية" قبل أن يصير أعضاؤه إلى لعبة مقايضة النفوذ الإقليمي بالجزر وأشباهها في مزاد يرعاه تاجر عقارات..
0
التعليقات (0)